"بالعربي فلسفة".. مبادرة تعليمية في مصر تعيد طرح الفلسفة بشكل مبسط

مبادرة "بالعربى فلسفة" هدفها تغيير المفهوم السائد عن أن الفلسفة مجرد نظريات صعبة ومعقدة وجمهورها متخصص.
الثلاثاء 2018/09/25
طريقة فريدة لإيصال المعلومة للناس

مي أشرف

القاهرة - “ينفع تتفلسف بالعربي” (هل يمكن التفلسف بالعربية)، كان هذا عنوان المحاضرة التي قدمها حسين برادة، طالب الماجستير بقسم الفلسفة بالجامعة الأميركية بالقاهرة مؤخرا، وهي واحدة من ضمن سلسلة محاضرات مبادرة “بالعربي فلسفة”.

وطرح برادة في المحاضرة العديد من الأسئلة المهمة عن علاقة اللغة بالفلسفة، وهل تصلح اللغة العربية لغة للفلسفة، لتلخص ما يسعى فريق من الأكاديميين والشباب تقديمه للجمهور من خلال مبادرة هي الأولى من نوعها لتقديم الفلسفة بشكل مبسط وباللغة العربية.

اجتازت المبادرة حدود الجامعات النخبوية، ويستعد فريق المبادرة تنظيم أول محاضرة عن الفلسفة بشكلها المبسط في جامعة “دراية” الخاصة بمحافظة المنيا (صعيد مصر) في 13 أكتوبر المقبل، لتكون نواة لسياق أرحب يتعلم فيه المصريون الفلسفة ويتعاملون معها.

وتقوم فكرة مبادرة “بالعربي فلسفة” على تقديم سلسلة محاضرات وورش عمل مفتوحة للعامة وغير المتخصصين المهتمين بالتعرف على مجال الفلسفة بشكل مبسط. ويعقب المحاضرة نقاش مفتوح بالعربية. ويعمل على تجهيز الجلسات وتقديمها طلبة وطالبات من خريجي برنامج الماجستير بقسم الفلسفة وتحت إشراف أساتذة القسم.

وحضرت “العرب” إحدى تلك الندوات الفلسفية. وبدت الصورة مفعمة بالود والنقاش رغم صعوبة الموضوع المطروح والذي شمل شقين، الأول عن الفيلسوف الألماني نيتشه ورؤيته للتعليم، والثانية عن الفيلسوف الفرنسي دريدا ومنظوره للدين.

وكان ملفتا صغر سن الحاضرين، على الرغم من كل الإحباطات التي قد تواجههم، ابتداء من زحام القاهرة الخانقة ومرورا بتصدير أنظمة التعليم والمجتمع المصري فكرة عدم أهمية الفلسفة أو بعدها عن الواقع.

وبدأت المبادرة بهدف إتاحة الفرصة للعامة للاستماع ومناقشة مختلف القضايا الفلسفية والتي عادة ما يتم طرحها بشكل يمنع غير المتخصصين من دراستها، والمشاركة في نقاشاتها المختلفة وإبداء آرائهم، ثم تطورت الآن وأخذت منحى واسعا من الاهتمام والانتشار.

وتتنوع الموضوعات بين العديد من النقاشات التي طالما شغلت الفلاسفة على مدار العصور، مثل فلسفة الدين والعلم والحرية، وهي موضوعات تشغل الحياة الفكرية حتى وقتنا الحالي.

وتتخذ عناوين المحاضرات، أسماء بسيطة وجذابة وباللغة العامية مثل “إزاي ميتضحكش عليك؟” (كيف تحمي نفسك من الخداع)، وهي محاضرة ألقتها يسرا حمودة عن المغالطات المنطقية وكيفية تجنب الوقوع بها أثناء الحديث، وأخرى تحت عنوان “يعنى إيه علم؟” (ما معنى علم)، وألقاها المحاضر شريف سالم، وتحدث فيها حول مفهوم العلم والفلسفة وكيف يتقاطعان.

وتقول يسرا حمودة مؤسسة المبادرة، والحاصلة على ليسانس الفلسفة من الجامعة الأميركية بالقاهرة لـ”العرب” “بدأت الفكرة بتنظيم مجموعة ورش هدفها مخاطبة العامة وتغيير التصور السائد عن الفلسفة بصفتها نخبوية ومعقدة عام 2017، وتجاوزت وقتها نسبة الحضور في المرة الأولى 300 شخص، على الرغم من أنها كانت باللغة الإنكليزية. هنا أدركت شغف الكثير في التعرف على هذا المجال، وخصوصا إذا كان يقدم في صورة مبسطة، واقترحت بعدها مبادرة ‘بالعربي فلسفة’، وتحمل نفس الهدف لسلسلة الورش الأولى ولكن تُقدم باللغة العربية”.

وتضيف حمودة “كانت المشكلة الأساسية هي أن غالبية أساتذة الجامعة لا يتحدثون العربية لذا تواصلت مع طلبة وحاملي الماجستير بالقسم والذين أظهروا اهتمامهم على الفور، وبدأنا أول ورشة بحضور يتجاوز الـ140 شخصا ومع الوقت ازداد عدد الحضور بانتظام، وبعد أن كان يقتصر الحضور على طلبة قسم الفلسفة من الجامعة الأميركية، بدأت الفكرة تجذب شرائح عمرية وطلبة وطالبات من خلفيات اجتماعية مختلفة، ووصل العدد في آخر محاضراتنا إلى ما يقرب من 350، أغلبهم من العامة ولا يجمعهم غير اهتمامهم بالفلسفة والقضايا التي نطرحها وعلاقتها بواقعنا اليوم”.

وتبدو الصورة أكثر إيجابية بعدما بدأ جمهور المبادرة في التجاوب بشكل أوسع مع النظريات الفلسفية وأطروحات أشهر الفلاسفة، بدءا من أرسطو وسقراط مرورا بابن سينا وابن رشد وحتى ديكارت وكارل ماركس ووليام جيمس. وتقوم هذه المبادرة على توضيح مدى التشابك بين الفلسفة وكل مجالات الحياة مثل الأدب والأخلاق والعلم، والتطرق إلى أطروحات مختلفة حول الفلسفة الدينية وعلاقة الإنسان بالواقع وما يحيطه من تغيرات فسيولوجية ونفسية.

وتبرز قيمة المحاضرات في مشاركة أقسام أخرى بجامعتي القاهرة وعين شمس، ويتم تقديم وجبة نقاشية دسمة عن أهم القضايا الجدلية مع فتح باب المناقشة للجمهور أيضا لتطبيق أهم قواعد الفلسفة وهي الحوار.

وأكدت وفاء والي، الأستاذة بقسم البلاغة بالجامعة الأميركية وأحد مؤسسي المبادرة، لـ”العرب” “أرست الفلسفة في دارسيها قيمة العلم ومبادئ الحوار والانضباط وهي أحد أهداف المبادرة التي تسعى لنقل المبادئ ذاتها للآخرين من الشباب والعامة لتساهم في تغيير الكثير من الواقع المصري وتفتح آفاق للطلاب والمهتمين للمناقشة والاحترام والتفكير النقدي”. ورغم أن فكرة تقديم العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومنها الفلسفة بشكل مبسط للعامة، أصبحت توجها عالميا على مدار العقد الأخير، إيمانا بأهمية أن يكون الفيلسوف طالبا للمعرفة المجتمعية، لكن تأخر تقديم الفلسفة في مصر لسنوات بعدما ظلت تواجه اتهامات دائمة إما لصعوبة فهمها وعدم أهميتها وإما لتعارضها مع الدين وفكرة وجود خالق للكون.

17