لماذا تركك المبصرون؟

لا أنكر على مطلقة ولا أرملة حق الزواج الثاني وبداية حياة جديدة ربما تصالحت بها مع مرار السنوات الفائتة، بل أدعو النساء للعيش براحة وحرية.
الاثنين 2018/09/24
التصالح مع الذات نعمة كبيرة

التصالح مع الذات نعمة كبيرة، لا يدرك معناها من حرم لذتها، فهي تبعث في النفس هدوءا وطمأنينة لا حدود لهما، خاصة في صفوف النساء المبتلات بحب النفس وعدم تقبل النقد بسهولة في ما يتعلق بجمالهن ومظهرهن الخارجي وأنوثتهن حتى وإن كن يفتقرن لمواصفات الجمال ومقومات الأنوثة.

إحدى الجارات بلغت عامها الخامس والأربعين وبلغ زوجها الخمسين فأصابته أزمة منتصف العمر، رغم وصول ابنه لسن الشباب وبلوغ ابنته الجامعة، فلم تعصمه الأسرة المستقرة من الوقوع في براثن المراهقة المتأخرة وادعاء الشباب وتشبثه بحلم الفحولة المكذوبة.

سافر إلى إحدى الدول الأوروبية في مهمة عمل، وبدلا من تقديم نفسه بالوقار اللائق بمدير مشروعات كبرى شركات المقاولات التابعة للدولة، راح الرجل يداعب جميلات أوروبا البيضاوات الحسناوات وأتى لمصر تتأبط إحداهن ذراعه، لم تطق الجارة القوية هول الموقف، لكمت زوجها بشراسة في وجهه وطردته من المنزل بلا رجعة، طالبة الطلاق فلم يكذب خبرا وتمسك به، وبالفعل حدث أبغض الحلال وقرر ترك المنزل للزوجة صحبة أبنائها.

ما هي إلا أشهر لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة حتى باتت المرأة الأربعينية تصول وتجول في ساحات الغرام، وتقص على الراغبين في الزواج منها الكثير من القصص والحكايات، وبين ليلة وضحاها انتقلت جميع أخبارها بين الجيران، وأصبح الجميع ينظر لها كامرأة متصابية لم تراع سنها ولا ابنتها التي بلغت سن الزواج أو ابنها الذي صار شابا يافعا يزين وجهه الشارب.

بالطبع لم ينكر عليها أحد طلب الزواج ولم يستهزئ بمشاعرها أو يسخر من رغباتها النفسية أو حاجتها الجنسية، هذا إن كانت أحسنت الاختيار ممن يناسبها سنا ومكانة اجتماعية وتعليما.

لكن العجب كل العجب في أنها أصبحت تنسج حول نفسها الكثير من القصص المختلقة لشباب صغار السن لم يسبق لهم الزواج يرغبون في الارتباط بها، وأنها المرأة الأفضل على وجه الأرض، وأن الزواج بها شرف.

حكايات جارتي عن آخر رجل أعجب بها لجمت لساني، فقد قالت وبسعادة بالغة إنه شاب يصغرها بثمانية عشر عاما، لم يسبق له الزواج، خريج إحدى كليات القمة، من أسرة راقية ويعمل بأحد البنوك الاستثمارية براتب كبير بالعملة الأجنبية، رفض من أجلها عروسا شابة رشحتها له أمه، تصغره بثلاث سنوات وخريجة إحدى الجامعات الدولية بمصر.

بدأت في سرد مزاياها التي رآها هذا الشاب حديث السن وجحدها زوجها بعد كل هذه السنوات التي مضتها في خدمته وخدمة أبنائه، ذات المزايا والمواصفات الرائعة التي قالت إنه ساقها لأسرته كي توافق عليها.

شرد فكري أثناء حديث الجارة التي اقتحمت منزلي وحياتي في وقت فراغها الذي لم يكن يناسبني مطلقا، إلا أنني لم أجد ردا غير الترحاب بها، تذكرت واقعة شهيرة كنت قد قرأتها في كتاب قديم لرجل تزوج من امرأة طال بها الزمن دون زواج، وحين طرق هذا الكفيف بابها خافت من أن يفوتها القطار، فلحقت به في محطته الأخيرة، ووافقت على الزواج به.

وفي ليلة العرس بعد انفضاض الناس قال لها أريد لمس ملامح وجهك وتحسس قوامك، فقالت له: خجلي يمنعني، ولكنني سأصف لك نفسي، فقالت له: لو رأيت بياضي وحسني لعجبت، شعري الأسود الفاحم، اللامع الناعم، وأنفي الذي يشبه النبقة، وعيناي كعيني المها، وشفتاي الحمراء المثيرة، ووجهي الذي يشبه استدارة القمر في تمامه. ضحك الكفيف مقاطعا لها: لو كنت كما تقولين، ما تركك المبصرون لي!

تذكرت هذه القصة وجارتي تكذبني القول في خطابها اللاهثين ببابها، متعبي العقل والفؤاد من حسنها الأخاذ، تتحدث وبعض شعيرات بيضاء تظهر من خلف حجاب رأسها لتعلن ما أخفته هي، وفي منتصف جلستنا تناولت كوب ماء كان يتوسط فنجاني القهوة وبلعت بعض حبوب دواء لأمراض منها الروماتويد المفصلي والعظام وضغط الدم العالي.

وتساءلت: ماذا لو تصالحت مع نفسها؟ ماذا لو بحثت على أرض الواقع عن زوج وقور يقدرها ويترفق بسنوات عمرها القادمة. لا أنكر على مطلقة ولا أرملة حق الزواج الثاني وبداية حياة جديدة ربما تصالحت بها مع مرار السنوات الفائتة، بل أدعو النساء للعيش براحة وحرية، لكنني أدعوهن للتصالح مع الذات، فلو كانت كذلك ما تركها المبصرون.

21