الشباب المغربي يبحث عمن يصغي له

يبحث الشباب المغربي عن الانتماء الذي يشكل هويته، في ظل عادات وقيم اجتماعية لا تتوافق مع ميوله وطموحاته، إضافة لعدم وجود رعاية حقيقة من السياسيين للشباب، وتهميش مشاركته في القضايا الأساسية في السياسة والاقتصاد والعلم والإدارة.
الرباط – يعيش الشباب المغربي حالة من التناقض بين ما يسمعه من خطابات وشعارات رسمية حول دوره وأهميته في بناء المجتمع والتنمية والنهضة الاقتصادية، وبين واقع محبط يفتقد فيه لرعاة حقيقيين يسهمون في تحقيق هذه الشعارات، الأمر الذي أنتج حالة من انعدام الثقة وفقدان المصداقية بين الجيل الجديد والحكومات المتتالية.
وينوه العديد من الباحثين والمختصين في القضايا الاجتماعية، إلى أن الشباب المغربي أضحى في حاجة للعديد من الفرص للنجاح في الدراسة والعمل والأسرة والإسهام في تدبير الشأن العام المحلي والقطاعي والوطني.
إضافة إلى تمكينه من أدوات تساعده على سلوك النهج المتوافق مع القيم والمعايير الاجتماعية وإشباع احتياجاته السيكولوجية وتملكه للمكانة المناسبة اجتماعيا ومهنيا وسياسيا.
إحساس بالتهميش
يرى أحمد شوقي بنيوب، الخبير في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، أن إحساس الشباب بالتهميش، وشعوره بعدم الجدوى في مجتمعه، يتزايد خصوصا إذا كان بعض الناقمين على الأجيال الجديدة، وراء إيقاظ ذلك الإحساس.
وأضاف بنيوب أن هذا الإحساس قد يكون ناتجا عن تعرض الشاب للإهانة أمام أصدقائه من قبل الوالدين غير الواعيين، فيشعر (كجيل تواق للحرية والاستقلالية)، بالنقص والدونية، وذلك فيه ضرر كبير على المستوى السيكولوجي، وعلى مستوى إنتاج ومردود الشباب في المجتمع.
ونوه أن عدم الاعتراف بالشباب، وتهميش مشاركته في القضايا التي يحتكرها الكبار، في السياسة والاقتصاد والعلم والإدارة، كلها عوامل تدفع الشباب إلى الجنوح والميل نحو العصيان، بل والتمرد وأعمال العنف، خصوصا في سن المراهقة، التي طالما وصفها خبراء النفس والسيكولوجيا بسن “الزوابع”، نظرا لإحساس الشباب فيها بثورة عضوية ونفسية.
ويبحث الشباب المغربي بشكل أساسي عن الانتماء الذي يشكل هويته، حيث يصطدم بعادات وقيم لا تتوافق مع نفسيته الثائرة، لذلك يحاول نقدها والخروج منها إلى إطار آخر، لكن عندما لا يجد ما يبتغيه يصاب بحالة من اليأس والملل تؤدي إلى ازدواجية في المعايير. وهنا يبرز السؤال التالي: على عاتق من تقع مسؤولية تنظيم الشباب؟
ويقول الخبراء، نحن أمام مشكلة حقيقية لا بد من محاولة تفهمها من جذورها، فالشاب هو الطرف الأول بما يحمله من طموحات ورغبات، بينما المجتمع هو الطرف الآخر بما يحمله من اضطرابات وتوترات وتعقيدات، وجيل الشباب هو العقل المبدع الذي يسهم في دفع حركة التطور، ونجاح أي مشروع يتوقف على إدراكه للواجب والمسؤولية ومشاركته الاجتماعية.
احتفلت دول العالم في 12 أغسطس الماضي باليوم العالمي للشباب، وأوصت الجمعية العامة بتنظيم أنشطة إعلامية لدعم هذا اليوم بوصفه وسيلة لتعزيز الوعي ببرنامج العمل العالمي للشباب، ويؤدي دوراً رئيساً في تنمية الشباب، ويركز على تدعيم القدرات الوطنية في ميدان الشباب.
ويولي برنامج العمل الشبابي الأولوية لـ15 بنداً منها: التشغيل، التعليم، الجوع والفقر، الصحة، البيئة، المخدرات، أنشطة شغل الفراغ، العولمة، والإيدز.
والتزمت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بتعزيز المجتمعات السلمية والشاملة، وأكدت أن “التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها بدون السلام والأمن”. ويسعى الهدف 16 إلى ضمان اتخاذ قرارات مستجيبة وشاملة وتشاركية وتمثيلية على جميع المستويات.
كما يشجع برنامج العمل ليوم الشباب العالمي، والذي يوفر إطاراً للسياسة العامة ومبادئ توجيهية عملية لتحسين حالة الشباب، على “المشاركة النشطة للشباب في صون السلم والأمن”.
وأقيمت عدة ملتقيات في مدن مختلفة بهذه المناسبة، منها الملتقى الدولي للشباب، بمدينة العرائش، شمال المغرب، في الفترة الممتدة من 10 إلى 16 سبتمبر الجاري، واستقطبت مجموعة كبيرة من الشباب المهتم بالمشاركة السياسية والمدنية.
وعبرت شيماء أبروق، إحدى الشابات المشاركات في الملتقى، عن طموحها المستقبلي كقائدة سياسية في حزبها، واصفة طموحها بالعادي وغير المستعصي تحقيقه، وهو طموح فئة كبيرة من الشباب، تؤمن بإمكانية الحياة بكرامة في بلدها، لكنها بحاجة إلى سياسات حكومية، تؤمن بإيجابية عطاء الشباب، دون النظر إليه نظرة دونية تنتقص من طموحه وإرادته.
وتطالب أبروق في تصريحات لـ”العرب”، المسؤولين السياسيين أن “يحسنوا الإصغاء لأفكار الشباب ويساعدونه على تحقيق، ولو بعض من تلك الأفكار، على أرض الواقع، لأنها أفكار خلاقة، وهي بمثابة وقود دفع لعربة التنمية في البلاد ومحاربة الفراغ والبطالة وتعاطي المخدرات والخوف من المستقبل”.
وأضافت الشابة المنحدرة من الجنوب المغربي، أنه “لا يمكن تجاهل الشباب أو تجاوزه، لأنه غالبا ما يعيش فترة عمرية تفيض نشاطا وحيوية، لذلك لا بد للجيل الأكبر من استثمارها وتوجيهها الوجهة الإيجابية الهادفة”.
الفتن الدينية والمذهبية
من جهته يرى القائد الشبيبي نوفل عامر، رئيس الرابطة المغربية للتنمية والحداثة، أن للحروب والمشاكل السياسية، والفتن الدينية والمذهبية والطائفية، آثارها السلبية على المكونات الجسدية والنفسية للشباب، في أي مكان من العالم. فالعالم أصبح قرية صغيرة تحكمه تكنولوجيا متطورة بمحركات بحث في متناول الجميع، حيث أضحت المعلومة سريعة تصل في زمن قياسي أسرع من لمح البصر.
وأضاف عامر في تصريحات لـ”العرب” أن عالمنا اليوم لم يعد بمنأى عن استعمال وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائطها، مؤكدا أن تأثر الثقافات والحضارات في ما بينها كان له أثره على ثقافاتنا العربية، وبالتالي تأثر الشباب بتلك الثقافات فجسدها في تعابير وفنون وإشارات، وهي بالنسبة إليه موضة معاصرة. فأين العيب في ذلك..؟
يشير الكثيرون إلى ظاهرة العنف لدى نسبة ليست قليلة من الجيل الحالي، وهي موجودة في كل مكان، في الشارع والمدرسة والجامعة وخصوصا الملاعب الرياضية، ويرجعها عبدالسلام حلي كبير المشجعين للفرق المغربية الممتازة لكرة القدم، إلى مشكلات الشباب الذي لم ينل الفرصة لإثبات وجوده في كافة الميادين العلمية والاجتماعية، وكذلك السياسية، مناديا بتخصيص مؤسسات اجتماعية تعنى بالشباب واحتياجاته، منها إنشاء النوادي الثقافية والتعليمية وكذلك الرياضية، وخاصة توفير فرص عمل لهذه الفئة ونشر المحاضرات والدروس التعليمية والتوعوية المختصة بالاهتمام بالفئات العمرية الشابة، ومنع التدخين في المؤسسات المختلفة وكذلك الحكومية.
ويرى حلي أنه من الضروري التركيز على الإعلام في هذا المجال، لقدرته على توجيه الشباب وتحسين نمط حياته ونظرته إلى الحياة، ودوره في امتصاص غضبه وفتح النوافذ والقنوات أمامه ليعبر عن واقعه بكل حرية، وفي إطار احترام القانون ومكافحة القنوات الهابطة وكذلك المواقع الإباحية.
يقترح المختصون طرقا عديدة للتوعية عبر نشر المحاضرات وتنظيم الدورات التدريبية، تساعد الشباب على تحديد أهدافه في حياته الخاصة وفي حياته الاجتماعية العامة، ومن المهم إصدار المجلات العلمية والثقافية الجذابة والموجهة إلى الشباب، وإقامة دورات توعية من قبل المؤسسات والجامعات، تهدف إلى توعية الأهل بالطريقة الصحيحة للتعامل مع الشباب، وتحويل المقاهي إلى أماكن لعرض الكتب، إضافة إلى المشروبات الاعتيادية، ليستغل الشاب وقته داخلها في القراءة والثقافة..وكلها عوامل تساعد على رسم الشباب لأهدافه الناجحة.
ويلفت المختصون، انتباه المسؤولين إلى قضايا الشباب المرتبطة بترقية مطالبه الدستورية إلى المستوى المجتمعي، سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو على مستوى إشراكه، باعتباره قوة متحمسة غايتها المساهمة في إيجاد الحلول لقضايا مجتمعها.
إقرار مساحة للشباب
وكان الاحتفال باليوم العالمي للشباب، مناسبة أصدر خلالها الاتحاد العام للشغالين في المغرب، بيانا أكد فيه على أهمية شعار هذا العام، الذي يحمل عنوان “إتاحة مساحات مأمونة للشباب”، وعلق عليه نوفل عامر، القائد السياسي الشاب في حزب الاستقلال المغربي، بقوله: “إنه شعار يفرض ضرورة إقرار مساحة للشباب تضمن لهم حرية العمل والإبداع، كما نصت على ذلك وشددت خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتحديدا منها الهدف 11، الذي ينص على الحاجة إلى إتاحة مساحة نحو التحضر الشامل والمستدام”.
بدوره أكد ياسين عكاشة، عضو مؤسس لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بمدينة الجديدة، جنوب – غرب الدار البيضاء، أن الشباب يجب أن ينال اهتمام المسؤولين، والذين من دورهم المساهمة في فتح الأبواب للأجيال الصاعدة للمشاركة في الحياة السياسية من خلال الجمعيات والبلديات، بما فيها الوصول إلى البرلمان، مستلهما مرجعيته من حزبه التجمع الوطني للأحرار الذي يضم نخبة واسعة من المثقفين ورجال المال والأعمال، والأطباء والأساتذة الجامعيين، أغلبهم من الشباب.
كشفت الحكومة المغربية العام الماضي، عن أن الشباب ما بين الفئة العمرية 15 و34 يمثل ما نسبته 34 بالمئة من سكان المغرب، من ضمنها 51 بالمئة من النساء.
وقال رشيد الطالبي العلمي، الوزير المسؤول على قطاع الشباب والرياضة، إن عدد الشباب في المغرب يقدر بـ11.7 مليون نسمة، وهو رأسمال بشري ومصدر لتجديد المجتمع وعامل مؤثر في وضعية التنمية البشرية؛ غير أنه أكد أن وضعية الشباب مثيرة ومقلقة للغاية.
وعلى المستوى التعليمي، أظهرت الأرقام أن 270 ألفا من هذه الفئة العمرية تغادر المدرسة سنويا، وأن نسبة البطالة تصل إلى ضعف المعدل الوطني فيها، أي 20 بالمئة، فضلا عن أن الفئة التي حصلت على مناصب شغل 50 بالمئة منها لديها وظائف ضعيفة.
وحسب المعطيات التي قدمها مصطفى الخلفي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة؛ فإن 82 بالمئة من شباب المغرب لا يمارس أي نشاط ترفيهي، و75 بالمئة لا يتوفر على أي تغطية صحية، بينما 20 بالمئة مهدد بالإصابة باضطرابات نفسية وصحية.
أما المعطيات الصادمة أكثر فهي تلك المتعلقة بمشاركة الشباب المغربي في العمل السياسي، والتي لا تتعدى نسبتها حسب المسؤول الحكومي 1 بالمئة. أما بخصوص العمل في الجمعيات فتتراوح ما بين 10 و15 بالمئة.