لوكا مودريتش.. نجم كرواتيا الذي قادته معاناته إلى العالمية

تجتمع كل الآراء على أن السؤال الذي سيكون محركا لذاكرة كل متابع لجوائز الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في جميع أنحاء العالم الاثنين، سيكون محوره الأساسي: أيّ منهم سيرفع لقب الأفضل هذا العام؟ وبانتظار ذلك الحفل الضخم الذي ستحتضنه العاصمة لندن هذا العالم، يترك المجال هنا للتعرف على واحد من أبرز المراهنين على أن يكون اسمه مدويا في أرجاء القاعة.
لندن - “من رحم المعاناة يولد الإبداع” هو الأساس لمقولة تجسد مسيرة حافلة للدولي الكرواتي لوكا مودريتش لاعب خط وسط ريال مدريد الإسباني الذي سينافس النجم المصري محمد صلاح والعملاق البرتغالي كريستيانو رونالدو على لقب الأفضل عالميا.
تميّزت مسيرة هذا البطل الوافد إلى العالمية من بابها الكبير بمراحل صعبة بين العُسر في بدايتها كان محموما بمعاناة شخصية للاعب نحيف في بنيته الجسدية، لكن رغم ذلك لم يكن هذا الشاب من حاملي راية اليأس، فاختار العالمية معولا وحفر في المستطيل الأخضر بحثا عن مجده الغابر فكان التألق منواله لكتابة اسمه واسم بلاده على المنصات العالمية وأغلفة أشهر الصحف مبيعا في العالم.
يتوجب على أي قارئ مبتدئ يريد استكناه مسيرة هذا النجم القادم من بعيد، خاصة أنه يلوح كمراهن بارز للنجم العربي محمد صلاح الوحيد الذي يدخل المنافسة على مسابقة أفضل لاعب عالميا، أن يغوص في أعماقه ويبحث في سجلاته الكبيرة وعدد ألقابه التي ظفر بها، فيما يظل سلاح مودريتش الوحيد هو طلب المزيد من الألقاب لتدعيم خزائنه.
كان مودريتش من مشجعي نادي هايدوك سبليت، الذي رفض ضمه لكونه نحيلا وضعيف جسديا. فكّر اللاعب جديا في عدم ممارسة كرة القدم، لكنه وجد الدعم من توميسلاف بيزيتش، مدرب زادار الذي آمن بموهبته ومنحه الثقة وساعده في أصعب أوقاته، ويعد بمثابة الأب الثاني له. نجح مودريتش في جذب أنظار النادي الأشهر في كرواتيا دينامو زغرب، ووقع له في 2001 في سن الخامسة عشرة، حيث توج معه بثلاثة ألقاب في الدوري ولقبين في الكأس، وقام مودريتش بشراء شقة لأسرته في زادار وتخلى عن حياة اللاجئين.
بعد سلسلة من الإعارات إلى أندية مختلفة في البوسنة والهرسك وفي كرواتيا، حانت الفرصة لمودريتش للاحتراف في الدوري الإنكليزي من بوابة توتنهام في صيف 2008، حيث قدم أداء مبهرا خلال أربعة مواسم بقميص السبيرز إلى أن أجبر ريال مدريد على ضمه عام 2012 في صفقة بلغت قيمتها 30 مليون جنيه إسترليني.
القادم من كوكب آخر
“هو لاعب من كوكب آخر وأفضل لاعب في تاريخ كرواتيا” هكذا قال عنه إيفان راكيتيتش، نجم برشلونة الإسباني عندما سئل عن زميله في منتخب كرواتيا الذي حل وصيفا لبطل العالم هذا العام. وهو أيضا النجم الذي فاز بجائزة أفضل لاعب في أوروبا بعدما قاد ريال مدريد للحصول على دوري أبطال أوروبا وقاد منتخب بلاده للوصول إلى المباراة النهائية لكأس العالم.
ولد لوكا مودريتش في 9 سبتمبر عام 1985 في زادار بكرواتيا لعائلة من اللاجئين الذين فروا من الهجوم الصربي خلال الحرب البوسنية. والدته كانت عاملة نسيج ووالده كان ميكانيكيا حربيا. تقول عنه التقارير إن معاناته بدأت مبكرا، حين اندلعت حرب الاستقلال في كرواتيا عام 1991 والتي تسببت في إعدام جده من قبل المتمردين الصرب والتحاق والده بجيش التحرير الكرواتي ليضطر لوكا وعائلته إلى مغادرة منزلهم واللجوء إلى منطقة بعيدة عن الحرب.
فيما تقول مصادر صحافية عليمة بتاريخ هذا البطل المتأهب للمنافسة على جائزة أفضل لاعب في العالم مع المصري صلاح والنجم البرتغالي رونالدو، إن ذكريات مريرة خيمت على طفولته متعلقة بحرب استقلال كرواتيا والتي شهدت مقتل جده وقد دفعه تلك الذكريات باستمرار إلى الإصرار على النجاح وعدم الاستسلام أمام أي مواقف سلبية بحياته.
ويقول جوسيب باسلو رئيس نادي إن كي زادار والذي شاهد مودريتش في طفولته “كان هناك طفل صغير نحيل يلعب كرة القدم طول الوقت أمام أحد الفنادق، ولكن سرعان ما تظهر أمامك موهبته”.
كان ضعفه البدني يثير الشكوك حول مستقبله في اللعبة، ولكن كانت لموهبته كلمة أخرى. فقد ظهرت موهبته مبكرا فتعاقد معه النادي الأشهر في كرواتيا دينامو زغرب عام 2001 ومنه انتقل إلى توتنهام هوتسبير عام 2008 وظل مع النادي الإنكليزي حتى العام 2012 عندما انتقل إلى ريال مدريد الإسباني الذي فاز معه بالعديد من البطولات المحلية والدولية وبات يلقب بـ”كرويف الصغير”.
وفي 2018 ساهم بقوة في وصول بلاده إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ كرواتيا، وحصد لقب أفضل لاعب في البطولة، كما حصل على جائزة أفضل لاعب وسط في أوروبا وأفضل لاعب في أوروبا.
ويقول راكتيتش إنه شرف كبير لي اللعب إلى جوار مودريتش في فريق كرواتيا الوطني في الـ11 عاما الأخيرة.
حقائق عن لوكا مودريتش
* تزوج لوكا مودريتش من فانجا بوزنيتش في مارس عام 2010 بعد أربع سنوات من علاقتهما ولديهما طفلان.
* صديقه في توتنهام والمنتخب الكرواتي فيدران تشورلوكا كان إشبينه في حفل زفافه.
*يعتبر توميسلاف بازيك مدربه الأول بمثابة أب ثان له وقد أهداه لقب دوري أبطال أوروبا عام 2014.
*لم تخسر كرواتيا أي مباراة سجل فيها مودريتش هدفا.
*احتفل لوكا مودريتش في 9 سبتمبر الماضي بذكرى ميلاده الـ33.
بعد مشاركته الأولى مع المنتخب الكرواتي تحت 15 عاما، تابع مودريتش تدريباته مع فريق الشباب في العاصمة زغرب، وكانت حياته صعبة في البداية في المدينة الكبيرة وبين الكثير من اللاعبين، فقرر النادي إعارته في عام 2003 إلى فريق زرينيسكي موستار في البوسنة والهرسك حيث تعلم كيف يخرج روح المقاتل داخله خاصة في الالتحامات البدنية، فأثبت نفسه هناك كلاعب مميز وحصل على جائزة لاعب العام في الدوري البوسني. وتمت إعارة مودريتش مجددا في موسم 2004-2005 لصالح فريق إنتر زابريسك الكرواتي، حيث تابع هناك أداءه المميّز ليقود الفريق إلى تحقيق المركز الثاني في الدوري (وهو أعلى ترتيب لهم في تاريخهم) وليتحصل على فرصته في لعب أول مباراة مع المنتخب الكرواتي تحت 21 عاما.
أداؤه المميز جعل ناديه الأساسي دينامو زغرب يوقع معه عقدا طويلا لعشر سنوات، حيث ساهم خلال فترة لعبه معه في الفوز بالعديد من الألقاب المحلية بين الدوري والكأس وتحصل على جائزة لاعب العام في كرواتيا عدة مرات، كما حصل على مشاركته الأولى مع المنتخب الوطني الأول في مارس من عام 2006.
موهبته ونضجه في التعامل مع الكرة كلاعب وسط جعلاه محط أنظار العديد من الأندية الأوروبية كأرسنال ومانشستر يونايتد وحتى برشلونة الذي استضافه فترة في المدينة ليتعرف على موهبته عن قرب إلا أن الإدارة التي لم تكن تفكر على المدى البعيد ولم توقع معه، فاقتنص نادي توتنهام هوتسبير الفرصة ليوقع عقدا مع الموهوب الكرواتي في عام 2008.
بداياته في الدوري الإنكليزي الممتاز لم تكن موفقة خاصة مع بنيته البدنية الصغيرة وتغيير مركزه في اللعب إلى الجناح الأيسر، لكن مع قدوم المدرب هاري ريدناب والذي أعاده إلى وسط الميدان، بدأ مودريتش يظهر إبداعاته وموهبته لثلاثة مواسم على التوالي. في تلك الأثناء شارك مع المنتخب الكرواتي في كأس العالم عام 2006 لكن كبديل، وفي كأس أمم أوروبا عام 2008.
وفي نهاية موسم 2010-2011 قدم تشيلسي عدة عروض لتوتنهام لضم الكرواتي الموهوب قوبلت جميعها بالرفض رغم رغبة مودريتش في الانتقال.
عاد مودريتش ليلعب موسمه الأخير مع توتنهام قبل أن ينتقل في عام 2012 إلى العملاق الإسباني ريال مدريد مقابل 30 مليون جنيه إسترليني، حيث حقق مع النادي الإسباني في ذلك العام لقبي الدوري وكأس السوبر الإسباني، ورغم وجوده كاحتياطي في بداية الموسم إلا أن أدواره الحاسمة خاصة في مباراة الكلاسيكو ذلك العام عندما قدم تمريرة هدف الفوز لسيرجيو راموس، وفي مباراة الإياب في الدور الثاني لدوري أبطال أوروبا ضد مانشستر يونايتد حين سجل هدف التعادل للفريق رغم مشاركته كبديل، جعلته يكسب ثقة المدرب جوزيه مورينيو الذي بدأ يعتمد عليه كأساسي.
بداية المسيرة مع أنشيلوتي
مع قدوم المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي لتدريب ريال مدريد ابتداء من موسم 2013-2014 أصبح مودريتش لاعبا أساسيا في التشكيلة، حيث لم تكن نسبة تمريراته الصحيحة في المباراة تقل عن 90 بالمئة. وفي ذلك الموسم قدّم أهم إسهاماته بتمريرة حاسمة من ركلة ركنية في نهائي دوري أبطال أوروبا ليسجل راموس هدف التعادل ضد أتلتيكو مدريد ويفوز الفريق بعدها بلقبه العاشر في المسابقة بعد اثني عشر عاما من آخر لقب. ومدد مودريتش عقده مع النادي الإسباني حتى عام 2018، ولكن إصابته في موسم 2014-2015 حرمته من المشاركة في أوقات حاسمة من الموسم الذي لم يحقق فيه النادي سوى كأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.
موسم 2015-2016 شهد مساهمة اللاعب الكرواتي في فوز ريال مدريد بلقبه الحادي عشر في دوري أبطال أوروبا وكان ضمن التشكيلة المثالية للاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي لكرة القدم كما حصل على جائزة أفضل لاعب وسط في الدوري الإسباني.
واستمر تألق النجم الكرواتي تحت قيادة المدرب الفرنسي زين الدين زيدان في موسم 2016-2017، حيث حقق مع الفريق ألقاب الدوري الإسباني، كأس العالم للأندية، كأس السوبر الأوروبي ودوري أبطال أوروبا، ليكون أول كرواتي يفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات كما حصل على جائزة أفضل لاعب وسط في البطولة.
شارك مودريتش مع منتخب بلاده في أمم أوروبا عام 2012، كأس العالم عام 2014 وكان قائد المنتخب في أمم أوروبا عام 2016. كما قاد النجم الكرواتي منتخب بلاده هذا الصيف إلى معجزة كروية، بالوصول إلى نهائي مونديال روسيا، بعد أداء مميز واحتلال الوصافة بعد الخسارة 4-2 أمام منتخب فرنسا. وتوج مودريتش بجائزة أفضل لاعب في المونديال، وحصد جائزة أفضل لاعب في أوروبا، بالإضافة إلى تواجده في القائمة النهائية لجائزة “The Best” لأفضل لاعب في العالم المقدمة من قبل “الفيفا”.
وأبدى أوليفر كان، أسطورة حراسة المرمى السابق في بايرن ميونيخ وألمانيا، رأيه حول المرشحين للفوز بجوائز الأفضل في العالم، التي سيمنحها الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، الاثنين. وعلق كان في تصريحات للموقع الرسمي للفيفا عند سؤاله عن أفضل حارس مرمى في العالم حاليا، “تمكن كيلور نافاس من المساهمة بنصيب كبير في فوز ريال مدريد بلقب دوري الأبطال”. وتابع “لكن المشاركة في نهائيات المونديال تلعب دورا كبيرا في اختيار الأفضل”.
وأضاف الحارس الأسطوري “تيبو كورتوا قدم أداء رائعا طوال البطولة، بينما توج هوغو لوريس باللقب العالمي وظهر بمستوى جيد، لكن أداء كاسبر شمايكل هو الذي ظل عالقا أكثر في ذهني”.
وأردف “ففي مباراة الدنمارك وكرواتيا، تصدى لضربة جزاء قبل لحظات من نهاية الأشواط الإضافية، قبل أن يتألق مرة أخرى خلال ركلات الترجيح بصده ركلتين. لقد كان ذلك أداءً مميزًا في حراسة المرمى”.
وتطرق كان للحديث عن أفضل لاعب، موضحا “كان كريستيانو رونالدو مرة أخرى متميزا للغاية في مسابقة دوري الأبطال”.
وواصل “أما ليونيل ميسي فينقصه الفوز بلقب كبير خلال الموسم الماضي، كما كان أداؤه باهتا في معظم الأوقات خلال كأس العالم، ولم يتمكن من خطف الأضواء”.
وختم قائلا “فيما كان منتخب كرواتيا مفاجأة النهائيات العالمية، ونجح نجمه لوكا مودريتش في التألق خلال دوري أبطال أوروبا وتقديم أداء بدني وكروي مدهش في أم البطولات. لهذا فهو بالنسبة إلي المرشح الأكبر لهذا العام”.