هل يحوّل ملف الهجرة مصر إلى قاعدة للنفوذ الأوروبي في المنطقة

ربط ملف الإرهاب بالهجرة يغير قناعات أوروبية تجاه حكومة السيسي، والقاهرة تطلب المزيد من التنسيق لمحاربة المتطرفين.
السبت 2018/09/22
تجربة جديرة بالمتابعة الأوروبية

اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على تعزيز المفاوضات مع مصر لوقف الهجرة إلى أوروبا، معترفين بأن مصر نجحت في ضبط الحدود، وقامت بدور جاد في محاربة الهجرة، ما يجعلها شريكا يمكن التعاون معه بشكل أكبر في هذا المجال، وفق سباستيان كوروز مستشار النمسا، الذي زار مؤخرا مصر رفقة دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي، والتقيا الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأجريا محادثات بشأن عملية الهجرة والرؤية المصرية والأسباب التي أدت لنجاحها.

القاهرة – لفتت بعض التصريحات الأوروبية حيال دور مصر في ضبط عمليات الهجرة غير الشرعية عبر شواطئها، نظر الكثير من الدوائر حول طبيعة الخطة التي اتبعتها القاهرة للوصول إلى نتائج جيدة في فضاء لا يزال يؤرق دولا غربية عديدة، عجزت عن إيجاد وسائل لحل أزماته، وتعرضت لابتزازات سياسية واقتصادية من دولة مثل تركيا.

اضطرت بعض الدول الأوروبية إلى التوصل لاتفاقيات كلفتها أعباء باهظة، وبقيت قضية الهجرة معضلة تبحث عن تسوية لائقة، وتداخلت فيها العوامل الإنسانية مع السياسية والأمنية، حتى تاهت بعض الخيوط الرئيسية.

طرح البعض خططا لتشديد الرقابة على الحدود بين دول “شنغن”، وقدّم الاتحاد الأوروبي اقتراحا لتعزيز الضوابط الأمنية، يمتد خلال الفترة من 2020- 2027، يعتمد على زيادة تمويل البرامج الخاصة بالهجرة واللجوء وحماية الحدود من 13 مليار إلى 35 مليار يورو. وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية مؤخرا على قانون يحدّ من دخول وخروج المهاجرين عبر الحدود، سوف يدخل حيّز التنفيذ مطلع العام المقبل.

استثناء مصري

تأتي هذه التحرّكات بعد أن ذهبت تقديرات غربية إلى أن 1500 عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية عادوا إلى 12 دولة أوروبية من مناطق القتال في منطقة الشرق الأوسط، في إشارة غير خافية على الربط بين المتطرّفين والمهاجرين غير الشرعيين.

اعترفت بعض الدول الأوروبية، الخميس، أن مصر نجحت في ضبط الحدود، وقامت بدور جادّ في محاربة الهجرة، وباتت شريكا يمكن التعاون معه بشكل أكبر في هذا المجال.

القاهرة لم تكافح الهجرة غير الشرعية ولم تحقق إنجازات لأجل حماية البلدان الغربية بل دفاعا عن أمنها القومي

وزار سباستيان كوروز مستشار النمسا، ودونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي، القاهرة الأسبوع الماضي، والتقيا الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأجريا محادثات مهمة بشأن عملية الهجرة، وبدت اللقاءات التي عقدها المسؤولان مثمرة، لأنهما اطّلعا على الرؤية المصرية، والأسباب الحقيقية التي أدّت لنجاحها.

لم تكافح القاهرة الهجرة غير الشرعية نيابة عن دول أوروبية، ولم تحقق إنجازات لافتة لأجل حماية البلدان الغربية، لكنها قامت بذلك دفاعا عن أمنها القومي، بعدما تأكدت أن تسرّب البشر الكثيف عبر المنافذ الحدودية، البرية والبحرية، أحد الأسباب التي قادت لتضخم الإرهاب.

استغل مهرّبون رغبة متطرّفين الدفع بسخاء مادي مقابل الدخول إلى سيناء وغيرها من الأراضي المصرية، تكوّنت عصابات وشبكات إجرامية، كان من الصعوبة السيطرة عليها في حينه، لأن المصالح الاقتصادية التي ربطت بينها كبيرة، وتشابكاتها الاجتماعية عميقة.

وضعت مصر خطة كبيرة، جرى تدشينها فعليّا مع بداية العام الجاري، عرفت بـ”عملية سيناء الشاملة 2018″، اعتمدت في أحد جوانبها على ضرورة سدّ المنافذ أمام عمليات تهريب البشر المكثّفة، باعتبارها الطريق الذي يدخل منه الإرهابيون البلاد.

Thumbnail

كانت مصر من أكثر الدول تصديرا للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا حتى وقت قريب، وهناك قرى وشواطئ معروفة في مصر يتجمع فيها المهرّبون ويستقبلون الكثير من الراغبين في العبور إلى الشاطئ الآخر من المتوسط، وغضّت بعض الجهات الرسمية الطرف عن هؤلاء لفترة، بعد أن نشأت شبكة مصالح بين جميع الأطراف المتحكّمة في اللعبة، جعلت من مهمة الهجرة أمرا يسيرا، الأمر الذي يفسر أحد الأسباب التي حوّلت مصر لمحطة رئيسية للهجرة إلى أوروبا.

ظهر التعامل الحاسم مع شبكات الهجرة المختلفة، منذ أن تأكدت مصر أنها على وشك تتحوّل إلى باب شرعيّ لدخول المتطرّفين من دول مختلفة، وضبط الأمن والحصول على الاستقرار يستلزمان التعامل مع ملف الهجرة بمزيد من الحسم.

رفضت القاهرة الرضوخ للإغراءات المادية والسياسية التي قُدّمت لها من بعض الدول الأوروبية لاستقبال المهاجرين في معسكرات، ونظرت للاقتراح على أنه التفاف يؤدي لمزيد من المشكلات الأمنية والاجتماعية، واختارت التعامل مع هذه القضية على طريقتها.

معروف أن مصر من الدول القليلة لا تستقبل لاجئين في معسكرات، على غرار تركيا، وينخرط المهاجرون واللاجئون سريعا في المجتمع. منهم من يبقى أعواما طويلة، ومنهم من ينتظر دوره لانتهاز فرصة الهجرة.

أفضت السيولة، عن قصد أو دونه، في التعامل مع ملف المهاجرين إلى مشكلات أمنية كبيرة، وأصبح من الصعوبة السكوت عليها، عقب تصاعد حدّة الإرهاب في البلاد، واكتشاف علاقة طردية بينه والهجرة غير الشرعية.

وعلمت “العرب” من مصادر أمنية، أن ملف الهجرة أُسند لجهات عسكرية، وكان ضمن أولويات خطة سيناء الشاملة للقضاء على الإرهاب غلق جميع الأبواب أمام الهجرة لأن السفن (المراكب) التي تحمل مهاجرين وتسلمهم لسفن أخرى في عرض البحر المتوسط لتتولّى القذف بهم إلى شواطئ دول أوروبية، ثبت أنها تعود محمّلة بأسلحة ومتشدّدين من قطاع غزة وليبيا.

وأكدت المصادر أن العمل تم على جميع الجبهات في وقت واحد، وتوظيف الأدوات الدبلوماسية إلى جانب الأمنية، وجرت تفاهمات مكتوبة وشفوية، مع السودان لضبط الحدود من جهة جنوب مصر، ومع حركة حماس لضبط عملية دخول البشر إلى سيناء، فضلا عن تدمير الأنفاق بين رفح المصرية ونظيرتها الفلسطينية.

علاوة على ضبط جزء كبير من الحدود الغربية الممتدة مع ليبيا لنحو 1400 كيلو متر، بالاستعانة برجال قبائل يقطنون على الحدود بين البلدين، والمساهمة الفعلية في توفير قدر كبير من الأمن والاستقرار في شرق ليبيا، ناهيك عن تكثيف الملاحقات للعناصر الإرهابية داخل ليبيا بوسائل مختلفة.

شملت الإجراءات المحكمة إغلاق كل النوافذ على الإرهابيين، وهو ما أدى تاليا إلى سدّ الأبواب على عمليات الهجرة غير الشرعية، وانخفاض المعدل خلال العام الجاري إلى الصفر تقريبا، ما جعل بعض الدول الأوروبية تشيد بالخطة المصرية.

Thumbnail

الربط بين الإرهاب والهجرة

أكد مصدر دبلوماسي، أن القضاء على المتطرّفين الطريق السريع للتخلّص من الهجرة غير الشرعية، وبدت في حلق الرجل غصة من عدم إدراك كثير من الدول الأوروبية لهذه المعادلة.

وقال لـ”العرب”، “بعض المسؤولين في الغرب مصمّمون على غلق آذانهم عن سماع نصائحنا في هذا المجال، يريدون اختراع العجلة، من خلال الفصل بين ملف الإرهاب والهجرة غير الشرعية، كي لا يحرجوا أنفسهم، لكن الأيام ستثبت لهم صواب تقديراتنا”.

بدا الدبلوماسي المصري كأنه يشكو حال بلاده التي لم تلق تعاونا كافيا من حلفائها في أوروبا للعمل وفقا لخطة شاملة تكافح الإرهاب والهجرة غير الشرعية في آن واحد.

أشار الرجل إلى ليبيا بالتحديد، واعتبرها المنفذ الأول لتمركز المتطرفين والمهاجرين غير الشرعيين، لافتا إلى أن الفريق الأول (المتطرفين) يستثمر في الفريق الثاني، بمعنى أنه يسهل دخول الكثير من البشر القادمين من دول أفريقيا عبر الحدود المشتركة، بذريعة أنهم مهاجرون، يندس وسطهم متشددون، يستقر بها المقام في مصر أو بعض دول جنوب المتوسط، ملمحا إلى استخدام بعض الميليشيات لمهاجرين كعناصر تنضم إلى صفوفها، وهو ما لا تريد بعض الدول الأوروبية الوقوف عندها.

وأضاف هذه المسألة قمنا بشرحها لمسؤولين من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا وغيرهم، لكنهم لم يستمعوا أو ينتبهوا لتحذيراتنا جيدا، قائلا “عندما تتخلّصون من المتطرفين وترفعون الغطاءات التي يوفرها بعضكم، سوف يتم تحجيم الهجرة غير الشرعية”.

لم تتجاوب غالبية الدول الأوروبية مع النصيحة، ربما تكون فرنسا أخذت تقتنع بها مؤخرا، وأدركت أهمية الربط بين القضيتين، وانخرطت في الأزمة الليبية بقوة، ومنحت أولوية لمكافحة الإرهابيين، وهو ما تمثّل في الدعم الذي وفرته للمشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، وظهرت تجلياته في دخوله درنة والقضاء على عناصر ما يسمى “مجلس مجاهدي درنة”، ثم طرد ميليشيات الإرهابي إبراهيم الجضران التي حاولت السيطرة على الهلال الليبي النفطي.

تابع المصدر لـ”العرب”، “لم يكن أمام مصر من خيار سوى الاعتماد على نفسها، وتدبير الأمر بمجهوداتها، لذلك وضعت الربط بين القضيتين نصب عينيها، فحققت تقدّما لافتا انعكس في شكل تخفيض مستويات العمليات الإرهابية في سيناء وغيرها، وتراجع الهجرة غير الشرعية بصورة غير مسبوقة، استحقت إشادات غربية”.

وأوضح أن هذه العملية استغرقت وقتا لاتخاذ التدابير اللازمة، لأن هناك أطرافا خارجية، اضطرت القاهرة للتعامل معها وتجاوز أخطائها في حق مصر (يقصد حماس وحكومة الخرطوم)، لأن مقتضيات الأمن القومي أكبر من الوقوف عند ألاعيب صغيرة.

تبدو الفرصة مهيأة لتوثيق العلاقات بين القاهرة والدول الأوروبية، خاصة تلك التي لا تزال لها تحفظات ظاهرة على النظام المصري في مجال الحريات وحقوق الإنسان، لكن عندما تتعارض المصالح الغربية مع غيرها من الشعارات سوف يتم تغليب الأولى.

لذلك تحاول القاهرة استغلال النقلة المتعلقة بالترحيب بتعاملها مع ملف الهجرة لمنح أولوية لمكافحة الإرهاب بكل صوره من دون انتقائية غربية، وهو الهدف الذي أخفقت السبل السياسية في الوصول له طوال السنوات الخمس الماضية.

Thumbnail

انطباعات سلبية

ينظر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى النجاح الذي حققته مصر في ملف الهجرة باعتباره فرصة.

ويقول مسؤولون أوروبيون إن الهجرة غير الشرعية باتت تشكل “دي.إن.ايه” الاختلاف الذي مازال يهدد بتفكك الاتحاد الأوروبي، وتسبب في إضعاف حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كما كان نقطة التحوّل الرئيسية التي دفع البريطانيين في يونيو 2016 للتصويت من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ولم يجد الأوروبيون مفرا من التعاون مع تركيا لوقف تدفق المهاجرين، لكن هذا التعاون كان مكلفا، إذ نص الاتفاق على دفع الاتحاد الأوروبي 6 مليار دولار لأنقرة، كمساعدات في مقابل القبول بتوقيع الاتفاق.

لكنّ الأوروبيين تفاجأوا بقضاء مصر على موجات الهجرة التي كانت تنطلق من سواحلها بالجهود الذاتية، ودون طلب مساعدات مقابلة. وشكل ذلك بادرة حسن نية من قبل السيسي تجاه عواصم لطالما شككت في ممارسات مصر، خصوصا ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير.

وكان ذلك هو السبب الأساسي لإرسال كوروز إلى مصر، إذ مازالت ألمانيا تشكل عقبة أمام تعزيز التعاون بين عدة دول أوروبية مع مصر على أسس ثنائية.

لكن النجاح في ملف الهجرة قد يحدث اختراقا في صورة نظام الحكم في مصر في اتجاهات غير مسبوقة، إذ يثبت قدرة السيسي على إنجاز ملفات محورية في أوقات قصيرة. ويحوّل ذلك مصر إلى قوة أمر واقع في ملف الهجرة ومكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تخطيها. كما سيجبر الحكومات الأوروبية المترددة في تعميق العلاقات مع حكومة السيسي على تغيير مواقفها.

ويقول دبلوماسيون غربيون إن التحركات المصرية الحاسمة في ملف الهجرة غير الشرعية “تضيف شرعية دولية على نظام الحكم في مصر هو في أشد الحاجة إليها”، في ظل اعتماده على الدبلوماسية لتدوير الزوايا في ملفات كانت تشكل عقد استراتيجية بالنسبة للقاهرة، كعلاقتها مع إثيوبيا والسودان، إلى جانب إقناع دول أوروبية محورية بوجهة النظر المصرية في الملف الليبي، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في عصر إدارة الرئيس دونالد ترامب.

لكن واشنطن سرعان ما تدخلت لعرقلة الوتيرة المتسارعة للتقارب المصري الأوروبي، إذ أعلنت الخارجية الأميركية، مساء الخميس، قلقها من أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة.

ولا تبدو محاولات الولايات المتحدة، الحليف القريب لمصر، موجهة ضد طبقة الحكم في القاهرة، لكنها تبدو كضغط على أوروبا لعدم استثمار تحركاتها في المنطقة كقوة عالمية مستقلة عن الهيمنة الأميركية. وأظهر الاتحاد الأوروبي استعدادا، في ملف الحرب التجارية الأميركية على الصين والتعامل مع روسيا وملف الاتفاق النووي الإيراني، لمعارضة توجهات إدارة ترامب، والدخول في تنافس صريح مع الولايات المتحدة على المصالح الاستراتيجية للجانبين.

وفي نهاية المطاف سيتحول التنافس الأوروبي الأميركي إلى قيمة مضافة بالنسبة لمصر، وخصوصا السيسي، الذي يبدو في موقع أقوى كثيرا مما كان عليه، عندما تولّى الحكم تحت ضغط دولي غير مسبوق عام 2014.

6