رفع العقوبات الأميركية لا يفيد الخرطوم كثيرا طالما بقيت على قائمة الإرهاب

الخرطوم - إريك كينكت وخالد عبدالعزيز - على مدى 22 عاما ظل محمد محمود يودع إيرادات عمله التي يجنيها من المحاماة في بنك قرب مكتبه في الخرطوم. لكن الخوف من أن يَحُول خفض سقف عمليات السحب من البنوك دون سحب نقوده، جعله يحتفظ بها في خزّانه بمكتبه في الوقت الحالي.
ومردّ خشية محمود فرض قيود على السيولة المتاحة للبنوك التجارية ضمن إجراءات أقرتها الحكومة السودانية لكبح التضخم ومعالجة الأزمة الاقتصادية التي قد تعرقل خطة الرئيس عمر البشير للبقاء في السلطة بعد أن أمضى فيها نحو ثلاثة عقود.
وفي الأسبوع الماضي، بعد 11 شهرا من رفع العقوبات التجارية على السودان، والتي فرضتها الولايات المتحدة قبل عشرين عاما، أقال البشير الحكومة في خطوة قال إنها “ضرورية لمعالجة حالة الضيق والإحباط التي واجهتها البلاد خلال الفترة الماضية” وقلّص عدد الوزارات بنحو الثلث لخفض التكاليف.
ويقول خبراء اقتصاد إن استمرار واشنطن في تصنيف السودان دولةً راعية للإرهاب مثله مثل إيران وكوريا الشمالية وسوريا يُبعد المستثمرين الأجانب والبنوك. ومن المتوقع أن تجري مراجعة لإدراج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب. لكن وجود السودان على القائمة لا يعطيه الحق في الحصول على قروض وتمويل هو في أمس الحاجة إليه من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وقال سام بودلي سكوت، مسؤول الاستراتيجية في دال الغذائية، “كانت ثمة لحظة تفاؤل جميلة في نهاية العام الماضي حين زالت العقوبات واعتقدنا أن الجميع سيتهافت علينا من حيث الرغبة في الاستثمار”. وتابع “للأسف رجحت كفة الضغوط الاقتصادية المحلية والخارجية وما تبعها من تحديات أمام مزايا إنهاء العقوبات”.
على الجانب الآخر من سوق الذهب في الخرطوم، يستند تجار عملة في السوق السوداء على السيارات ويلوحون بأوراق مالية لجذب زبائن. وزادت أعداد هؤلاء على الرغم من الحملة التي تشنها الحكومة مع خروج الأموال من النظام المصرفي وزيادة الطلب على العملة الصعبة.
وخفض البنك المركزي سعر صرف العملة من 6.7 جنيه للدولار إلى 30 جنيها في العام الماضي، لكن سعر السوق السوداء لا يزال أقل عند حوالي 42 جنيها للدولار. ويقول تجار عملة إن الطلب على الدولار زاد مع تحويل الناس نقودهم للحفاظ على قيمتها.
وقال زهير سعيد، الرئيس التنفيذي لمجموعة سعيد -وهي من أكبر مجموعات الشركات في السودان- “ليس هناك ثقة في النظام السياسي والاقتصاد، ما حدا بكثيرين إلى الاحتفاظ بالعملة الصعبة في منازلهم وفي حاشيات وخزائن. الآن حتى ربات البيوت حين يوفرن نقودا يدخرنها بالدولار”.
تقول دال الغذائية، موزع كوكا كولا، ومجموعة سعيد، أكبر منتج للبسكويت في السودان، إن مبيعات الوجبات الخفيفة التي ينتجانها تماسكت خلال فترة التراجع الاقتصادي إذ لجأ إليها الناس بديلا عن أغذية ليست في متناول أيديهم.
وقال سعيد “أصبحت وجبة منتصف النهار لكثيرين قطعة من البسكويت مع حليب أو شاي”. وقال سكوت إن “الناس يعتبرون كوكا كولا سلعة اقتصادية للحصول على ما يحتاجونه من كربوهيدرات”.
وعلى الرغم من الهدوء الذي يعم الشوارع منذ احتجاجات الخبز في يناير الماضي، فإن الأزمة تمثل مشكلة للبشير الذي أعلن حزبه الحاكم أنه سيرشحه لخوض الانتخابات في عام 2020، ما سيتطلب تعديل الدستور. وقال الرئيس، الذي تولى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري عام 1989، إن الإنفاق الحكومي سيكون عند أقل مستوى ممكن.
وربما تكبح الاحتجاجات ذكريات عام 2013، حيث تشير التقديرات إلى أن قوات الأمن قتلت نحو 185 شخصا حين نزل الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على رفع أسعار الوقود. لكن الصحافي فيصل صالح يقول إن الناس بدأوا يشعرون بأنه لم يعد هناك ما يخسرونه.
وعلق على ذلك قائلا “هذه أسوأ أزمة اقتصادية واجهناها على الإطلاق. أخشى أن نكون أمام انهيار الاقتصاد بشكل كامل… استبد الغضب بالناس، ويمكن أن تتوقع كل شيء في المستقبل. لا أعلم ماذا سيفعلون”.