أبوصابر مهدد بالفناء في العراق بسبب لحومه

العراقيون في مختلف المحافظات يستهلكون لحوم الحمير دون علمهم بسبب ضعف الرقابة البيطرية على المجازر، وفقر الناس وبحثهم عما يؤكل بسعر زهيد.
الثلاثاء 2018/09/04
العراقيون يأكلون لحم الحمير على أنه لحم بقر أجنبي

يشهد العراقيون بمختلف المحافظات في الفترة الأخيرة انتشار ظاهرة بيع لحوم الحمير على نطاق واسع واستهلاكهم لها على موائدهم على أنها لحوم أبقار، فإلى جانب غياب الرقابة البيطرية على المجازر وقعوا ضحايا قصر ذات اليد وبحثهم عما يؤكل بسعر زهيد.

العراقيون هذه الأيام يواجهون استفحال ظاهرة بيع لحوم حمير للزبائن على أنها لحوم أبقار. ويتم البيع في مناطق فقيرة كثيرة من بغداد، كمدينة الصدر والشعلة والأمين الثانية والزعفرانية والراشدية والدورة وأطراف بغداد.

 انتشرت الظاهرة بشكل واسع أيضا بمحافظات كالبصرة والموصل وديالى والديوانية والسماوة وغيرها، لضعف الرقابة البيطرية على المجازر من جهة، وفقر الناس وبحثهم عما يؤكل بسعر زهيد من جهة أخرى.

 ولم يتوقف الاستهلاك على بعض العائلات الفقيرة لهذا النوع من اللحوم، بل شمل الولائم التي تقام في مناسبات، كالزواج والختان والأعياد وليالي رمضان والمناسبات الانتخابية ومؤونة الجيش والحشد الشعبي.

 ويدور الكثير من اللغط والشائعات منذ سنوات بين العراقيين حول هذه الولائم، التي يشرف على تجهيز لحومها مقاولون تخصّصوا بادعاء استيرادها من الخارج. ويتم توزيعها على الكثير من منافذ التسويق، كمقاولات تزويد الجيش والحشد الشعبي باللحوم، واتضح في ما بعد بفضيحة إعلامية مدوية عن اللحم المجهز، لأكثر من سنة لهذه الجهات بعد فحصه من الجهات البيطرية، فكانت النتيجة أنه يعود لحمير.  وقال أحمد يونس (30 سنة) قصاب في الأمين الثانية ببغداد لـ”العرب” “يوجد بمنطقتنا أكثر من قصاب، ويجهزنا منذ عشر سنوات أبوفلاح، وهو مجهز لحوم معروف في بغداد، ولحومه عراقية، ونحن لا نبيع إلا اللحم الذي يأتينا من مجازر مرخَّصة وبإشراف بيطري”.

 وأضاف يونس “هناك حالات تم فيها بيع لحوم حمير بمدينة الصدر، من مجازر عشوائية عرضت اللحوم في أكشاك على الأرصفة. ووجد الناس في أرض مهملة من المدينة رؤوسا وأطرافا لحمير مرمية. ونقلت الواقعة قنوات تلفزية، مما جعل الناس في بغداد يمتنعون عن شراء اللحم، واتجهوا لشراء الدجاج والأسماك لفترة من الزمن ثم شاعت حكاية الدجاج الصيني المسرطن، فعادوا لشراء اللحم من محلنا”.

وقالت أم محسن (50 سنة) ربة بيت تعيش بمدينة الصدر، لـ”العرب” إنها وأولادها الثلاثة وزوجها العامل باليومية بقوا لعدة شهور يأكلون لحوم حمير دون أن يعرفوا.

سكين الجزارة تعدل الأدوار
سكين الجزارة تعدل الأدوار

وتابعت “يشتري أبومحسن اللحم كل جمعة من جزار في نهاية شارع الفلاح، بسعر زهيد. كان الجزار يبيعنا اللحوم مرات بالأَجل، مما شجعنا على الشراء منه، وقبل العيد وجدنا كشكه مغلقا. وعرفنا من جيرانه أنه كان يبيع لحم الحمير. اكتشف ذلك أحد الزبائن مصادفة، إذ وجد رؤوس حمير خلف الكشك، مخفية بغطاء”، مضيفة “عرفنا أننا طول المدة السابقة كنا نأكل لحوم حمير”.

 وأكدت لـ”العرب” “طعم اللحوم التي كان يبيعها لنا لا يختلف عما نعرفه عن لحوم البقر، لكن هذا اللحم خشن وكثير العَصَب، والمدة التي يستغرقها للنضوج طويلة. كنا نعتقد أنه لحم أبقار مُسنَّة”.

منير جاسم متعهد بتزويد القصابين باللحوم بمدينة بغداد الجديدة (37 سنة) أكد لـ”العرب” صحة الكثير مما يتداوله الناس في الأيام الماضية من خلال تجربته الخاصة، أن موضوع اللحوم المشكوك في مصدرها من موضوعات الساعة في البيوت العراقية، كون بعض المتعهدين بتوفير اللحوم للقصابين يهدفون إلى كسب أكبر ربح من الاتجار بلحم الحمير بدلا من لحم البقر والعجول أو الأغنام، الغالية نسبيا، فسعر الحمار المحلي مع جزارته ومصاريف نقله لا يتعدى 100.84 دولار ويمكن بيع الكيلوغرام منه بـ(6.72 دولار- 8.4 دولار)، والربح الصافي من بيع 50 كيلوغراما من هذا اللحم 277.3 دولار، ومعدل كمية اللحم من حمار واحد 250 كلغم بينما يباع كيلو لحم الغنم بـ13.45 دولار، والذبيحة تكلف بين 600 ــ 700 ألف دينار، والربح الصافي 126 دولارا فقط، وهذا يعني أن ربح المورد والجزار من بيع اللحم المغشوش أكثر من خمسة أضعاف، وكذلك سرعة بيعه للحم الحمير لرخص ثمنه.

 وأضاف “هذا الغش لا يمكن لأحد من المتعهدين في السوق أن يقوم به لولا ضياع الضوابط والإشراف البيطري، والفساد المستشري في أغلب دوائر الدولة الصحية والأمن الاقتصادي”.

واعتبر الطبيب البيطري مؤنس كاظم أن “الكثير من العراقيين يأكلون هذه الأيام لحم حمير دون أن يعرفوا هذا. وتوجد عشرة آلاف مجزرة عشوائية في العراق، وأكثر من مئتي مزرعة في أطراف بغداد والمحافظات، لتربية الحمير وتسويق لحومها، وكل مزرعة فيها أكثر من خمسمئة حمار.

ويشرف على تسويق لحومها متنفذون فاسدون وتُجَّار وجزارون أسبوعيا في سوق قرب الرحمانية غربي بغداد. ومسؤولية الرقابة ضائعة بين أمانة بغداد ووزارات البلديات والصحة والبيئة والزراعة. وانعدام المتابعة الجادة والمراقبة البيطرية النزيهة على الجزارين والمطاعم وبرادات الجيش منذ سنوات”.

جهل تغذيه الخصاصة
جهل تغذيه الفقر

وتابع “لا توجد مشاكل ولا أضرار صحية من أكل لحوم الحمير لا في الحاضر ولا في المستقبل، فهي حيوانات عاشبة ــ تأكل العشب ــ مثل الخيول والأبقار والأغنام والماعز. وعندما يتم تقطيع لحومها إلى قطع صغيرة، لا يمكن تمييزها عن غيرها من اللحوم. ولمعرفة مصدر اللحم، ملاحظة الألياف العضلية فيه، فإن كانت كثيرة وغليظة، فهي تعود لحمار. كما أن لحم الحمير خشن الملمس بينما لحم البقر ناعم، ودهنه غزير عند الطبخ ويلصق بالأصابع، ولونه أحمر معتم بعكس لحم الأبقار الفاتح اللون. كما أنَّه يقاوم الفساد لكثرة الجليكوجين فيه، وهذه المادة تبطئ فساده”. وأشار إلى أن هذا “ابتلاء جديد ابتلى به أبوصابر ــ تسمية للحمار في العراق ــ غير بلاءاته السابقة، كشحّ العشب بسبب التصحُّر والجفاف وحرارة الطقس والأوبئة. أبوصابر اليوم مُهَدَّد بالفناء بسبب الجزر الواسع وتقديمه على الموائد العراقية كلحم بقر أجنبي مستورد”.

 وأوضح مؤذن وإمام مسجد المصطفى الشيخ صلاح جثير (47 سنة) بالقبلة في محافظة البصرة عن تحريم أكل لحم الحمير، قائلا “تُحرّم بعض الفرق الإسلامية أكل لحوم الحمير، ويعتبرها البعض الآخر مكروهة كالمالكية، بينما يعتبر القسم الآخر أن تحريمها تم لظروف وقتية، فالتحريم لم يأتِ في القرآن، ولكن النهي عنه جاء يوم خيبر، لمنع الناس من جزر الحمير، لأنها واسطة النقل، فقد أوشكت على النفاد في يثرب، فقيل لرسول الله (ص) إن الحمير توشك على النفاد، بسبب جزر الناس لها، فنهى الرسول عن جزرها لئلا تفنى.

ونصت الآية 3 من سورة المائدة على المحرَّمات في الإسلام ‘الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلَّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمُتردّية والنَّطيحة، وما أكل السّبُع إلّا ما ذكَّيتم وما ذبح على النّصب’. واعتبر مذهب ابن عباس النَّهي وقتيا عن’أكل لحوم الحمير في يوم خيبر لقلة وسائط نقل الظهرــ المتاع ــ فالحمير، واسطة نقل، والنهي عن جزرها أمر فرضته ظروف مؤقتة'”.

إسقاط مشهد ذبح الخروف من الأجواء العراقية
إسقاط مشهد ذبح الخروف من الأجواء العراقية

 

20