انسحاب المعارضة من البرلمان نكسة للديمقراطية في مصر

البرلماني هيثم الحريري يأمل أن يبقى الدستور المصري الحالي دون تغيير لتكون الفترة الرئاسية الحالية هي الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي.
الجمعة 2018/08/10
المعارضة المصرية تصارع لأجل البقاء

تواجه المعارضة المصرية داخل البرلمان، والممثلة في تكتل “25-30”، هجوما كبيرا من مؤيدي الحكومة الذين يتهمونها بتعطيل خطط التنمية والأمن والاستقرار، ودعا البعض من مؤيدي التكتل أعضاءه إلى الاستقالة من مجلس النواب وتفريغه من المعارضة لوضع النظام الحاكم في مأزق، وهو ما يرفضه البرلماني هيثم الحريري، موضحا في حوار مع “العرب”، أن الانسحاب سيستفيد منه النظام أمام توقعات بالتجائه إلى تعديل الدستور لإحكام قبضته على المشهد السياسي في البلد

القاهرة - يمثل تكتل “30-25” صوت الأقلية المعارضة تحت قبة البرلمان المصري ضد الأغلبية التي يمثلها “ائتلاف دعم مصر”.

ويضم 16 عضوا من اتجاهات سياسية متباينة، من اليسار بأطيافه الاشتراكية والناصرية والليبراليين وبعض المستقلين، ومن أبرز رموزه المخرج السينمائي خالد يوسف والسياسي محمد عبدالغني وضياء الدين داوود، والنائب هيثم الحريري، وجميعهم تعرضوا لمضايقات سياسية لثنيهم عن مواقفهم المعارضة للحكومة.

اشتق اسم التكتل للدلالة على انتماء أعضائه إلى ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، ويمثل التكتل نسبة ضئيلة داخل مجلس النواب، وقد خاض عددا من المعارك ضد قوانين أثارت غضبا شعبيا.

ويشير هيثم الحريري في حواره مع “العرب” إن “التكتل بذل جهدا من خلال تصديه للتشريعات التي قدمتها الحكومة للبرلمان، لكن الأغلبية قامت بعرقلتها”.

ودان أعضاء التكتل الحكومة لتوقيعها وتنفيذها اتفاقية صندوق النقد الدولي دون مناقشتها داخل المجلس، ورفضوا ما وصفوه بـ”التفريط في أي أرض مصرية”، وتصدوا لاتفاقية تيران وصنافير التي وقعتها مصر مع السعودية، وبموجبها تم الاعتراف بأحقية الرياض في الجزيرتين.

ويوضح النائب أن طرح البدائل التي تعالج الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلد ليس لإقناع الأغلبية، ولكن لإقناع الشعب المصري أن المعارضة تملك برنامجا سياسيا، وثمة كوادر قادرة على إدارة شؤون البلاد بشكل أفضل، والاعتراض هدفه التأكيد أن هناك بديلا خارج امتداد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك أو التيار الإسلامي.

طرح بدائل

يشير الحريري إلى أنه من الضروري “عدم محاسبة أي أقلية أو معارضة في العالم على نتيجة القرارات، لكن على ما تبديه من آراء وما تطرحه من بدائل، حيث “يقع على عاتقنا أن نكون صوت الشارع الذي ينقل مشاغله وهمومه، فإذا اختفى صوت التكتل من المجلس فإن الشارع السياسي لن يجد أمامه فرصة للتعبير عن أرائه وتختفي بذلك التعددية”.

ويقول “نرحب بالحوار مع كل من نختلف معه، لكن ثمة التزاما أخلاقيا تجاه المواطنين الذين منحونا أصواتهم وثقتهم، فقرار التكتل باستكمال دوره أو الانسحاب من المشهد يعود فيه إلى أهالي دوائرنا”. وتابع بقوله “هم يتمسكون ببقائنا في المجلس لكونهم لمسوا أداء جيدا يدعم مصالحهم، كما أنهم لم يتخلوا عنا في أزمتنا الأخيرة”.

الدور الأكبر في مسألة تغيير الدستور لن يكون للبرلمان، بل للشارع المصري، لأن أي تعديل سيتم عرضه على المجلس سيمر بسهولة لامتلاك الحكومة أغلبية كاسحة، وبالتالي نحن إزاء معركة توعية سياسية

ويشكو نواب التكتل من ضغوط السلطة، ورغم أن المعارضة السياسية عانت من التضييق على مدار الأنظمة المختلفة السابقة، إلا أن الحريري يلاحظ فرقا شاسعا بينها، واصفا المناخ السياسي الذي تمر به مصر حاليا بأنه “الأكثر صعوبة خلال العقود الستة الماضية”. ويلفت إلى أنه قبل اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011 التي ثار فيها الشعب ضد نظام مبارك، كانت هناك فرصة لتنظيم وقفات احتجاجية والظهور عبر وسائل الإعلام، كما مارست الأحزاب أنشطتها في الشارع، لكن استُهدف رموز المعارضة من السلطة أو الإعلام كما هو عليه الوضع حاليا.

في المقابل ينتقد حقوقيون التكتل ويرون أنه نموذج للمعارضة المصرية الضعيفة والمشتتة، ويعكس وزنها الضئيل في الشارع، وأنه لا يملك القدرة للتأثير في المشهد السياسي، ومرد ذلك الأهداف الشخصية والرغبة في الاستعراض السياسي التي طغت على الأهداف العامة.

 ولا ينكر الحريري أن التكتل ليس رأس الحربة للمعارضة المصرية، ويبرر ذلك بقوله “السلطات قامت بتجريف الحياة السياسية، عبر التدخل في الانتخابات النقابية والعمالية، وحجب المواقع الإلكترونية التي تعبر عن الرأي المخالف، وبالتالي أصبح الصوت الوحيد الموجود على الساحة السياسية هو تكتل 25-30، والبعض لديه الرغبة في قهر هذا الصوت وجعله يصمت إلى الأبد، عبر أدوات استهداف غير منطقية”.

ويواجه أعضاء التكتل بعض العراقيل في ما يتعلق بتقديم الخدمات لدى مواطني دوائرهم، بينما تمنح الحكومة نواب ائتلاف الأغلبية البرلمانية (دعم مصر) دعما ماليا لتقديم خدمات إلى دوائرهم لتكريس المشروعات الخدمية، ما يعزز الثقة في هؤلاء النواب الذين ينحصر دورهم في إبداء الموافقة على قوانين البرلمان، لذلك تحاول الحكومة تقديمهم في أفضل صورة أمام المواطنين. مع ذلك يؤكد الحريري أن أعضاء التكتل مازالوا صامدين ويحاولون التعاطي مع مشكلات الشعب، وتقديم خدمات جيدة لدوائرهم عبر ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي ومقاومة الضغوط.

ويلفت الحريري أنهم في التكتل لم يكونوا معارضة لمجرد المعارضة، لكنهم يتوقفون عند القضايا المهمة والحاسمة والمصيرية، وقد اصطف التكتل إلى جانب الحكومة ضد نواب الأغلبية في بعض القوانين مثل القانون الخاص بشركتي نقل الركاب المعروفتين، “أوبر وكريم”، وكان نواب الأغلبية يرغبون في منح امتيازات للشركتين وإعفائهما من قيمة بعض الرسوم، كما آزروا وزير القوى العاملة محمد سعفان، أثناء مناقشة القوانين العمالية لأن هدفهم هو صالح المصريين.

انتزاع الديمقراطية

لا يستبعد مراقبون إمكانية تعديل الدستور لتسهيل مهمة النظام الحاكم في مصر للمزيد من السيطرة على الحكم، ومن ضمن التعديلات المتوقعة عدم تحديد مدد زمنية لرئيس البلاد. ويعلق الحريري على ذلك “الدور الأكبر في قضية تغيير الدستور لن يكون لأعضاء مجلس النواب، بل للشارع المصري، لأن أي تعديل سيتم عرضه على المجلس سيمر بسهولة لامتلاك الحكومة أغلبية كاسحة، وبالتالي فنحن إزاء معركة توعية سياسية من قبل النواب والقوى المدنية والأحزاب”.

ثم يشرح ذلك “إن هناك استفتاء واجبا على أي تعديل دستوري، ومن الضروري توفير ضمانات عادلة له ومنع حدوث إخلالات تؤثر على نتائجه” ويضيف “إجراء التعديل في مثل هذه الأجواء يمثل ردة سياسية جديدة”.

ويأمل النائب هيثم الحريري في ختام حواره مع “العرب” أن يبقى الدستور المصري الحالي دون تغيير لتكون الفترة الرئاسية الحالية هي الأخيرة للرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي. وأردف بقوله “بذلك سوف تتحقق أبسط قواعد الديمقراطية وتتعزز ثقة الشعب وإيمانه في وجود تداول للسلطة، ما من شأنه أن يضخ دماء جديدة في شرايين الحياة السياسية”.

12