إمدادات الأسلحة الأميركية تُغرق العالم

واشنطن - ليس من المفاجئ أن نعلم أن الحرب، للأسف، تعني مكاسب مادية، ففي حين كانت الحرب العالمية الثانية مدمرة إلا أنها خفضت أيضا من نسبة البطالة في الولايات المتحدة، ولا تزال حاليا تتعافى من الكساد المستشري، بعد انخفاض نسبة الـ25 بالمئة إلى نسبة 10 بالمئة.
وتم توظيف بعض الأشخاص في صنع الأسلحة والإمدادات اللازمة لجهود الحرب، ما أدى إلى طفرة اقتصادية هائلة في الفترة التي تلتها والتي جلبت الرخاء للولايات المتحدة.
هنا يطرح التساؤل حول مقدار المنفعة التي تجنيها الولايات المتحدة من جراء الحروب؟ حيث شهدت البلاد والعالم بأسره فترة سلام طويلة نسبيا، وكانت الصراعات المسلحة تتخذ طابعا إقليميا أكثر منه عالميا. ورغم أن إجمالي نقل الأسلحة الرئيسية لم يصل إلى أعلى مستوياته كما حدث في ثمانينات القرن العشرين، إلا أنه كان ينمو بشكل عام في العقدين الماضيين.
ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، يبلغ حجم سوق السلاح العالمي حوالي 100 مليار دولار، وتعتبر الولايات المتحدة اليد المهيمنة عليه.
ويقول داني سجورسن، وهو استراتيجي ومؤرخ للجيش الأميركي “بصراحة، هي واحدة من أهم الصناعات الأميركية المتبقية، إنها واحدة من آخر الأشياء التي تقوم بها الولايات المتحدة بشكل جيد، فهي تقف في المركز الأول في سوق الأسلحة بالعالم”. وتُظهر الأبحاث التي أجراها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن صادرات الولايات المتحدة شكلت 34 بالمئة من صادرات الأسلحة الرئيسية من 2013 إلى 2017، في حين حلّت روسيا في المرتبة الثانية بنسبة 22 بالمئة.
ويكتب ويليام هارتونغ في كتابه “المحافظون الأميركيون” أن حصة الولايات المتحدة تراوحت ما بين ثلث ونصف حجم السوق العالمي خلال العقدين الماضيين، وبلغت ذروتها عند 70 بالمئة تقريبا من جميع الأسلحة التي تم بيعها في عام 2011. ويشير هارتونغ إلى أن “صفقات الأسلحة هي أسلوب حياة في واشنطن” وأن جزءا هاما من الحكومة، بدءا من الرئيس، “عازم على ضمان أن تغرق الأسلحة الأميركية السوق العالمي”. وتذهب معظم المبيعات إلى الدول النامية، وهيفئة واسعة جدا تضم جميع الدول باستثناء الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية وكندا واليابان وأستراليا ونيوزيلندا.
ووفقا لنفس التقرير فقد زودت واشنطن 98 دولة بالأسلحة ، مع بيع معظم صادراتها (49 بالمئة) إلى دول الشرق الأوسط. وتشتري السعودية أكبر كمية من الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة وتقدر بحوالي 18 بالمئة من الإجمالي. فيما تحل الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة 7.4 بالمئة.
100 مليار دولار حجم سوق السلاح العالمي، والولايات المتحدة اليد المهيمنة عليه
ومع ضخامة حجم الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة إلى العالم، فإن بعض آليات التوزيع باتت تزعج المجتمع الدولي خاصة بعد الكشف عن وصول الأسلحة الأميركية إلى الأيدي الخطأ. وحسبما ذكرته مؤسسة “تاسك آند بيربوز”، فإن الولايات المتحدة بينما كانت تحارب انتشار تنظيم داعش منذ عام 2014، وجدت نفسها تواجه الأسلحة التي تنتجها.
وحدث هذا نتيجة انعدام الرقابة على الأسلحة الأجنبية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها إلى أن انتهى بها الأمر إلى التسبب في تدفق كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة إلى العراق وسوريا. وبمجرد أن وصلت الأسلحة إلى تلك المناطق، تم توزيعها على شركاء ساحة المعركة، كما كتب غاريد كيلر، ووجدت طريقها بالطبع إلى أيدي داعش.
وأظهر تقرير نشرته منظمة العفو الدولية لعام 2015 أن غالبية ترسانة أسلحة داعش “تأتي من المخزونات التي تم الاستيلاء عليها من الجيش العراقي المتحالف مع واشنطن. كما كشفت دراسة نشرت في أواخر 2017 من قبل مؤسسة أبحاث “كونفليكت أرمامينت ريسيرش” العلاقة الواضحة بين أسلحة اللاعبين الدوليين وقوة تسلّح تنظيم داعش الإرهابي.
وذكر التقرير أن “إمدادات الأسلحة الدولية إلى الفصائل في النزاع السوري قد عززت بشكل كبير كمية ونوعية الأسلحة المتوفرة لقوات داعش، بأعداد تفوق بكثير تلك التي كانت ستُتاح لعناصر التنظيم في ساحة المعركة وحدها”.
كل هذه الاستنتاجات تعدّ بمثابة التذكير المليء بالتناقضات الكامنة في إمداد الأسلحة في صراعات مسلحة تعمل فيها جماعات مقاتلة متعددة غير متنافسة ومتداخلة. وفي حلقة مثيرة تُثبت مدى اختلاط تجارة الأسلحة الدولية، وجد التقرير أن حوالي 90 بالمئة من أصل 40 ألف سلاح ناري وذخائر معدنية يمكن أن تكون مستندة إلى روسيا والصين وغيرها من الدول التي أنتجت أسلحة في عهد حلف وارسو، والتي تم شراؤها من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ولكن في النهاية حصل عليها داعش من خلال عمليات نقل غير مصرح بها.
وداعش الذي يستخدم أسلحة الولايات المتحدة لصنع أسلحة جديدة، مثل العبوات الناسفة، ليس المستفيد الوحيد غير المقصود من الأسلحة الأميركية. ففي أفغانستان، يحدث نفس السيناريو في ظل وجود أسلحة أميركية الصنع بأيدي طالبان.
ووفقا لمراجعة وزارة الدفاع عام 2016، كان التقصير في حفظ السجلات واللوائح سببا في ضياع بما يصل إلى نصف 1.5 مليون قطعة سلاح تم توفيرها لقوات الأمن العراقية والأفغانية بعد عام 2002.
وتتزايد صادرات الأسلحة الأميركية، وقد توسعت بنسبة 25 بالمئة في ما بين عامي 2013 و2017 مقارنة بالسنوات الأربع السابقة، وفقا لدراسة نشرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. من ناحية أخرى، انخفضت صادرات روسيا بنسبة 7 بالمئة خلال نفس الفترة. وجعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من بيع المزيد من الأسلحة إلى الحلفاء أولوية حيث كان دائما يدعو إليها في اجتماعاته مع القادة الدوليين.
ومن الصعب تخيّل تعاقدات هذه الصناعة حاليا، لكن من الممكن أن تتطلب المزيد من الرقابة والإشراف على الأماكن التي تتنقل فيها الأسلحة ومناقشة أوسع لكيفية انتفاع الولايات المتحدة من وراء هذه التجارة.