الجزائريون يتخلصون من قمامتهم نهارا فتؤرقهم ليلا

الجزائر – شدد خبراء في علم الحشرات والأمراض المتنقلة من معهد باستور ووزارة الصحة الجزائرية على ضرورة التخلص من النفايات المنزلية والمياه الراكدة بشتى أنواعها وذلك للقضاء على أعشاش البعوض والتخفيض من نسبة انتشاره خاصة في الجزائر العاصمة.
تقول الشابة زهراء (28 عاما) إنها تعرضت لثلاث لسعات دفعة واحدة أسفل كاحل قدمها، عندما كانت جالسة مع أطفالها في حديقة عمومية، ولأنها حكّت مكان اللسع بشدة انتفخت رجلها في ظرف ثوان وظهرت عليها بقع حمراء، ورغم أنها توجهت إلى المستشفى واستعملت الأدوية إلا أن مكان اللسعات ترك آثارا وتشوهات بعد المداواة.
تفاوتت تفسيرات الأطباء والمختصين بشأن لسعات الحشرات التي تعرض لها الكثير من المواطنين عبر مختلف المحافظات خلال الصائفة، وتسببت لهم في مضاعفات مشابهة لأعراض الإصابة بالتهاب. وفيما أرجع بعض الأطباء الأمر إلى وجود ذباب مسموم تكاثر بسبب الاستقرار في ارتفاع درجات الحرارة أرجعه آخرون إلى ظهور نوع من البعوض يطلق عليه اسم “بعوض النمر” بسبب أرجله المرقطة مثل جلد النمر، وهذا النوع من البعوض تكاثر بسبب النفايات المنتشرة في كل مكان، والمياه القذرة والراكدة المتجمعة في الحدائق وأقبية العمارات والوديان.
وأكد المختص في البيولوجيا بمعهد باستور، سعيد بويدي، أن المواطنين تعرضوا مؤخرا إلى لسعات تسببت في تسجيل حالات التهاب، ويتعلق الأمر ببعوض النمر.
ويرجع خبراء الصحة انتشار بعوض النمر في الجزائر إلى سلوك المواطن المتمثلة في “عدم التخلص من النفايات المنزلية وعدم إبعادها عن الأحياء السكنية من جهة، وشتى أنواع المياه الراكدة المتواجدة في المنازل وقرب التجمعات السكنية، وهي أماكن تمثل الأعشاش المفضلة التي يتكاثر فيها هذا النوع من البعوض”.
ومعروف عن بعوضة النمر أنها تلسع ليلا ونهارا باحثة عن الدم، وهو ما يجعلها من ناقلات الأمراض والفيروسات، وقد تنقل مرض حمى الضنك التي تعتبر مرضا فيروسيا، وتنتقل من شخص إلى آخر عن طريق لدغ الحشرات لجسم الإنسان، وقد تؤدّي الإصابة بهذه الحمّى إلى الوفاة في بعض الحالات وتظهر أعراضها بعد مرور ثلاثة إلى ستّة أيام من لدغة البعوضة الحاملة للفيروس.
ومن أعراض حمّى الضنك ارتفاع درجة حرارة الجسم، وآلام الرأس والصداع الشديد، وظهور الطفح الجلديّ، والشعور بآلام في عضلات الجسم ومفاصله، والإحساس بأوجاع خلف منطقة العيون بالإضافة إلى التقيؤ والغثيان.
رغم انتشار بعوض النمر في الجزائر العاصمة ومحافظات أخرى إلا أن لسعاته حسب البروفيسور نورالدين إسماعيل لا تشكل أي تهديد لصحة المواطن، خاصة إذا لم يكن يحمل فيروسات.
وينفى إسماعيل تسجيل إصابات بالفيروسات التي ينقلها بعوض النمر في الجزائر، عكس ما روج من وجود 3 حالات لمرض حمى الضنك، مؤكدا أن ذلك غير صحيح خاصة وأن وزارة الصحة لم تصرح بأي حالة تخص الفيروسات الثلاثة الخطيرة والمتمثلة في زيكا وشيكونغونيا وحمى الضنك.
ويدعو إيدير بيطام -المختص في الأمراض المعدية بمعهد باستور- إلى”المحافظة على نظافة المحيط والغلق المحكم لكل الوسائل التي تخزن فيها المياه والتخلص من المياه الراكدة وذلك من أجل التصدي لتكاثر بعوض النمر وكل الحشرات التي تتسبب في الأمراض التي تتفشى خلال فصل الصيف”.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر تفاعلا واسعا من قبل نشطاء ومدونين مع تحذيرات المختصين، معبرين عن مخاوفهم من انتشار هذا البعوض انتشارا لافتا.
وطالب بعض المدونين بضرورة تدخل السلطات ومصالح البلديات من أجل القيام بحملات تطهير واسعة على مستوى الأحياء والتجمعات السكنية وخاصة منها الشعبية.
وكشف بيطام أن هذا النوع من البعوض قدم من جنوب شرق آسيا قبل أن ينتقل إلى أوروبا، ثم إلى الجزائر عن طريق حاويات الألبسة والأحواض المخصصة لغرس النباتات، باعتبارها مناطق رطبة كثيرا ما تكون وراء الانتشار السريع لبعوض النمر الذي انتشر مؤخرا في بعض مناطق محافظة الجزائر.
وشدد من جهة أخرى على ضرورة تجنيد كل الفاعلين في المجتمع للتخفيض من انتشار بعوض النمر الذي يتسبب في الأمراض والفيروسات المعدية على غرار حمى الضنك وشيكونغونيا وحمى غرب النيل وزيكا.
ويقول بيطام إن تجنيد عمال النظافة واستعمال المبيدات “وحدهما لا يكفيان دون إشراك المواطن في هذه العملية”، مؤكدا في السياق ذاته أن استعمال المواد الكيميائية بشكل متكرر للتخفيض من انتشار هذه الحشرة ومن ثمة تقليص نسبة الإصابة بلسعاتها مضر بالبيئة ويساعد الحشرة على مقاومة هذه المواد التي يصبح استعمالها غير ناجع.
ويوضح أن الحالة الوبائية بخصوص انتشار هذه الحشرة في الجزائر تصنف في “المرحلة 1” أي لا تشكل خطورة ولا تدعو للقلق حتى الآن، مشيرا إلى كل الإجراءات والوسائل التي وضعها معهد باستور في مجال المراقبة وتكوين المستخدمين في هذا المجال.
من جهتها تشير السيدة ليندة شاب الله من مؤسسة النظافة وحماية المحيط ، إلى أن المؤسسة قامت بمختلف التدخلات على مستوى الجزائر العاصمة سواء ما تعلق منها بعمليات رش المبيدات في الأحياء المتضررة من انتشار بعوض النمر أو ما تعلق بالحملات التحسيسية حول الوقاية من لسعات هذه الحشرة.
وأكدت في هذا المجال على ضرورة القيام بحملات نظافة واسعة في الحدائق العمومية والخاصة خلال فصل الشتاء للتخلص من جميع البقايا التي قد تشكل “أعشاشا للبعوض خلال فصل الصيف”.
والخطير في الأمر أن بيض هذه الحشرة يقاوم لعدة سنوات، فمخطط القضاء على الحشرة سيكون دون جدوى ما لم يتعاون المواطنون مع الفرق المختصة لتمكينهم من عمليات الرش في أماكن تواجدها داخل المنازل، إضافة إلى الإسراع في التخلص من أماكن تواجدها.
ويؤكد المدير العام بوزارة الصحة فورار جمال على ضرورة مشاركة المواطنين في مكافحة انتشار بعوض النمر المتسبب في العديد من المشاكل منذ ظهوره في الجزائر، مضيفا أن “الأمر يتعلق بالقضاء على البؤر والأماكن التي تستعمل لفقس بيض هذه الحشرة”، موضحا أن تلك الحشرة تفضل التكاثر في المياه والأماكن المغطاة وفي النباتات وكل أنواع العلب، كما “يمكن تحديد تواجدها بسبب تفضيلها لسع الإنسان على مستوى الكاحل وذلك خلال كل ساعات اليوم وخاصة أثناء الغسق والفجر”.