شباب الكويت يغوصون في البحر بحثا عن لؤلؤ الأجداد

الكويت - انطلقت رحلة إحياء ذكرى الغوص السنوية في الكويت الخميس الماضي، مدشنة عامها الثلاثين في تأكيد ثابت ومتواصل على أهمية تراث الكويت البحري.
ومن الاستعدادات لهذه الرحلة السنوية فعالية الهباب والشونة على أنغام الهولو واليامال، حيث قام النواخذة والشباب المشاركون بتنظيف السفن من الأسفل ومن أجزائها الملامسة للماء وطلائها بالزيت، وهو ما يسمى بـ”الهباب” ثم تنفيذ ما يسمى بـ”الشونة” والمتعلقة بطلي أسفل السفينة بـ”النورة” وهي مادة من الجص لمنع تسرب الماء إلى داخل السفينة.
وعلى نهج الآباء والأجداد انطلقت الخميس مراسم “يوم الدشة” وهي النزول إلى البحر وبدء السفر للغوص بمشاركة 175 شابا من البحرية على متن 13 سفينة بينهم 18 نواخذة (النوخذة هو قبطان السفينة) و31 مجدميا و(المجدمي هو رئيس البحارة يتقدمهم في المركز ووجوده ضروري
للسفينة وهو نائب النوخذة)، بحثا عن اللؤلؤ الذي كان ينتظره الطواش (تاجر اللؤلؤ) على أحر من الجمر لبيعه وجلب الخيرات للبلاد.
وتعد رحلة الغوص التي ينظمها النادي البحري الرياضي الكويتي سنويا علامة مميزة، تمثل أبرز الفعاليات في مجال إحياء التراث البحري على المستوى المحلي والخليجي والعالمي، وفرصة لتذكير الشباب بما كان يقدمه الآباء والأجداد من تضحيات في سبيل توفير حياة كريمة لأهلهم.
وتتواصل رحلة إحياء ذكرى الغوص السنوية التي تنظمها لجنة التراث البحري في النادي البحري الرياضي الكويتي إلى 26 يوليو الجاري برغبة وحماس الشباب في إحياء صور الماضي بكل ما تحمله من صعوبات ومشقات وتجسيدا للصور الرائعة والمعبرة عن تراث الكويت.
ومارس أهل الكويت قديما مهنة الغوص للبحث عن اللؤلؤ بما فيها من مشقة وسفر طويل وأخطار، ووصل الطواشون الكويتيون إلى أوروبا سعيا للرزق ضاربين من خلال رحلاتهم أمثلة خالدة على قوة بأسهم وعزيمتهم وإصرارهم على مواجهة قسوة الحياة، لا سيما أن مهنة الغوص كانت كأي مهنة أخرى تتعرض لفترات من الازدهار وأخرى من الكساد.
ويذهب الغواصون بسفنهم إلى مغاصات الكويت وهي قريبة من الساحل، ومغاصات القطيف في السعودية، بالإضافة إلى ذهابهم إلى مغاصات البحرين ومغاصات قطر سلطنة عُمان.
الغواصون يبدأون رحلتهم بالبحث عن اللؤلؤ منذ الفجر، ويأكلون القليل من الطعام ليتمكنوا من الغوص في الماء لفترات طويلة، وكان الغواص يخوض غمار البحر رغم أهواله مرتديا فقط الشمشول وهو سروال قصير أسود ويضع على أنفه (الفطام) وهي قطعة صغيرة مصنوعة من عظام السلاحف يبلغ طولها نحو إصبع لمنع تسرب الهواء من رئة الغواص أو دخول المياه إليها.
ويمسك الغواص أثناء نزوله إلى القاع بحبل يجره جرا خفيفا كإشارة إلى الشخص الآخر الموجود على ظهر السفينة كي يسحبه إلى السطح.
وينزل الغواص كل يوم إلى القاع مرات عدة دون أجهزة تنفس أو أوكسجين معتمدا فقط على طول نفسه وقوة عزيمته ومن دون نظارات تحمي عينيه من ملوحة البحر أثناء بحثه عن المحار.
وفي القاع يتحرك الغواص سريعا لالتقاط المحار وجمعه في وعاء يضعه على رقبته مصنوع من الحبال الرفيعة يسمى “الديين”، وذلك على مدى نحو دقيقتين كل حسب طول نفسه ثم يشد الحبل الذي يربطه بـ”السيب” وهو الشخص الموجود على ظهر السفينة الذي تكون مهمته جر الغواص إلى الأعلى عند تلقيه تلك الإشارة.
وقد ينتهي نفس الغواص في قاع البحر أو بين القاع والسطح فيخرج في الرمق الأخير وبحالة غيبوبة تسمى بالعامية “السنا”، مما يدفع بزملائه إلى النزول إليه ليحملوه على ظهر السفينة كي يرتاح وقد يموت بسبب ذلك لا سيما عندما يكون القاع عميقا جدا ولا ينتبه الغواص لذلك.
وينتهي الغواصون من عملهم بعد غروب الشمس، ويخرجون من البحر إلى السفينة. وكان قائد السفينة (النوخذة) يردد “اطووا أحبالكم” أو “هلل عليهم”، فيقول الغاصة "لا إله إلا الله.. والغوص عادة والصلاة عبادة”.
ويتناولون طعام العشاء على السفينة وهو مكوّن من الأرز والسمك، ويتوجهون للنوم على فراش خشن جدا يسمى “جودري”، وهو قطعة مستطيلة من الحبال على شكل سجادة عرضها نحو ثلاثة أشبار وطولها يقارب طول الشخص.
ويوجد في الكويت عدد كبير من تجار اللؤلؤ يبيعونه في مدينة بومباي بالهند والتي تعتبر مركزا تجاريا مهما لتجار اللؤلؤ، وفيها عدد كبير من تجار اللؤلؤ العرب والأجانب.
ويسمى اللؤلؤ في الكويت “إقماش”، واللؤلؤة الواحدة تسمى “إقماشة”، وينقسم اللؤلؤ إلى أنواع ولكل نوع اسم خاص به.
ومن العادات القديمة عند نهاية الغوص للبحث عن اللؤلؤ، أن تخرج النساء والأطفال إلى البحر ويدعون لأن يرجع ذووهم سالمين، وينشدون “توب توب يا بحر”، وتكون بأياديهم سعفة يشعلونها بالنار ثم تغمس في البحر وتسمى هذه العملية كيّ البحر بالنار، وبعد ذلك تدخل امرأة البحر وبيدها “قطة” تغمس جسمها في البحر.
ولعل من أفضل سنوات ازدهار مهنة الغوص بحثا عن اللؤلؤ ما شهدته الكويت في ثلاثينات القرن الماضي، إذ كان الكويتيون يخرجون للغوص في مواسم محددة على ظهر سفن خشبية شراعية تنوعت مسمياتها حسب أشكالها وأحجامها. وكان موسم الغوص الرئيسي يبدأ في شهر مايو كل عام ويطلق عليه (الدشة) وينتهي أواخر شهر سبتمبر بـ(القفال) أو (الردة) وهناك مواسم أخرى أقصر في المدة الزمنية تسمى “الخانجة” أو “باكورة”. واعتمد أهل الكويت قديما على النجوم لمعرفة الطرق البحرية واتجاهاتها وكانوا يقيسون عمق البحر ويتعرفون على نوع التربة باستخدام قطعة مستطيلة من الرصاص تسمى “البلد”.