منارات لبنان في حماية اليونسكو

بيروت – في حراك حضاري متميز، يقدم أهل بيروت تجربة حياتية، حاولت أن تكرس في وجدان المدينة العريقة تاريخا بحريا وتجاريا هاما يتمثل في إعادة التألق لمنارة بيروت الحديثة التي تشمخ على شاطئ بيروت الممتد تاريخيا لعشرات آلاف السنين.
فمن خلال تعاون العديد من الجهات الأكاديمية والفعاليات المجتمعية المهتمة بحماية التراث من خلال فن الضوء والتأثيرات البصرية، وبتفاهمات مع الجهات الرسمية لتسجيل هذه المنارات في اليونسكو بشكل رسمي وموثق يحفظها للأجيال القادمة، تم الوصول إلى صيغة العمل على إعادة تلوين وإضاءة منارة بيروت الحديثة في حفل رسمي تم برعاية رئيس الحكومة وحضور أحد الوزراء وعدد من النواب والمهتمين.
الحدث جاء تتويجا لعملية الترميم والتجهيز، التي قامت ضمن إطلاق مشروع منارات بيروت على لائحة اليونسكو وكان بمبادرة من جمعية The Lighthouse Keepers of Beirut وبتعاون مع مكتبUN Global Compact في الجامعة الأميركية.
تاريخيا، كانت بيروت ميناء بحريا تجاريا هاما للمنطقة كلها، يشكل حلقة الوصل بين فعاليات التجارة وحركة السفن في ثلاث جهات، أوروبية آسيوية وأفريقية. فبحكم موقعها الجغرافي على الساحل الشرقي للمتوسط، الساحل الشامي، كانت بيروت المنفذ البحري لبر الشام والعراق على البحر، وكانت محطة إجبارية لطريق البضائع بين تجار الداخل الشامي والعراقي وصولا لتجار شمال أفريقيا في مصر والجزائر وتونس وصولا للمغرب وأوروبا الجنوبية من خلال تواصلها مع مدن اليونان وإيطاليا وفرنسا. وهذا ما خلق في المدينة شكلا من النشاط التجاري والإنساني الذي جعلها كخلية النحل، وهو الذي جعلها لاحقا أكثر المدن العربية انفتاحا على أوروبا والتعايش مع آخر ما تعرفه هذه القارة من قفزات حضارية كبيرة.
أنشئت في العام 1820 منارة بحرية حجرية، لكي تدل السفن على وصولها لبر المرفأ بحيث تتفادى الاصطدام بالرمال أو الصخور الشاطئية وتتعرض للغرق. وقد عملت المنارة منذ بنائها، وخدمت آلاف السفن وأرشدت ملاحيها على الرسو الآمن في بيروت.
واستمر العمل بهذه المنارة لمدة تزيد عن المئة وأربعين عاما، توقف العمل في منارة بيروت العديد من المرات، كانت المرة الأولى أثناء الحرب العالمية الأولى، لكنها عادت إلى العمل بعدها، ومع وجود الاحتلال الفرنسي للبنان عاد العمل ليتوقف فيها، ثم توقفت خلال السنتين الأوليين للحرب الأهلية في لبنان بدءا من عام 1975، وعادت إلى العمل بعدها.
تقع المنارة القديمة في منطقة رأس بيروت، وقد سمي الحي الذي تقع فيه بحي المنارة، الذي قامت إحدى الجهات العقارية في أواسط تسعينات القرن العشرين بمشروع عقاري، حجب المنارة تماما عن الإطلالة البحرية، فصارت محاصرة بالأبنية، وللتعويض لصالح المدينة عن ذلك، اتجهت نحو الكورنيش، قريبا من صخرة الروشة، لتشيد هنالك منارة جديدة بعلو ستين مترا، تحمل أحدث مواصفات المنارات في العالم.
قد لا تحمل المنارة الحديثة لبيروت، عند أهل المدينة نفس البعد الإنساني والبيئي الاجتماعي الذي كانت تحمله المنارة القديمة، التي عايشت مع أهل لبنان حروب السفر برلك والحربين العالميتين وكذلك الحرب الأهلية، وما يتبع ذلك من ذكريات عن المنارة وضوئها الذي كان يسامر الناس في فترات انقطاع الكهرباء في المدينة، وهي التي كانت في زمن محدد مقصدا للسياح العرب والأجانب على أن المنارة الحديثة بما تحمله من مستوى تقني معاصر وموقع مميز في أحدث شواطئ بيروت ولبنان، تحمل رمزا لآمال الشعب اللبناني وتطلعاته المستقبلية نحو غد أكثر إشراقا ونجاحا، لذلك يحاول بعض من الشباب اللبناني الحديث عنها كما لو أنها موجهة نحو نجاح وطني قادم.
ولعل هذا ما دفع الجانب الرسمي لإعادة الاعتبار لها من خلال إطلاق حملة تلوين وإضاءة لتكون في حال أكثر بريقا وجمالا بالتعاون مع جهات أهلية وعلمية.
المنارة الحديثة تقع على امتداد كورنيش الحمرا والروشة، وتعد أحد عوالم بيروت الحديثة ووجها مشرقا آخر لها، ينظر إليها الشباب اللبناني كقيمة روحية تمثل الكثير من الطاقة الإيجابية. وهي بدخولها للسجل الرسمي لقائمة اليونسكو ضمن الأماكن الأثرية المحمية ستكون لفترات طويلة قادمة دليلا على طاقة العمل الخلاق الذي يمتلكه أهل هذه المدينة.