يوم ولد مبابي تلحف برداء الأبطال

سنة 1998 عاشت فرنسا على وقع حدث “عظيم” طبع تاريخ الكرة والرياضة الفرنسية إجمالا، كل من ارتبط بهوى هذه الكرة “الساحرة الفاتنة” يدرك دون تفكير طويل أن هذا الحدث ليس سوى حصول المنتخب الفرنسي على كأسه العالمية الأولى.
في تلك البطولة التي أقيمت على الأراضي الفرنسية وخصص خلالها ملعب سان دوني لخوض مباراة الدور النهائي بين المنتخبين الفرنسي والبرازيلي، سجل زين الدين زيدان اسمه ضمن قائمة “أساطير” المونديال بعد تسجيله لهدفين تاريخيين في تلك المباراة، قاد بهما منتخب “الديكة” لنيل اللقب.
عاشت فرنسا على وقع احتفالات بهيجة لفترة طويلة، كان تأثير هذا الحدث كبيرا للغاية، كان عام 1998 مميزا وتاريخيا بأتم معنى الكلمة في تاريخ الكرة الفرنسية، واليوم بعد 20 سنة عندما تبادر أي فرنسي بسؤال عن رمزية ذلك العام سيجيبك دون تردد، إنه عام التتويج التاريخي، عام زيدان وهنري وبارتيز ودجوركاييف وتورام وبوتي وبقية اللاعبين المشاركين في النسخة الفرنسية للمونديال.
لكن ذلك العام المميز إلى أبعد الحدود في تاريخ الكرة الفرنسية لم يستمد خصوصيته وميزته من الفوز بلقب كأس العالم فحسب، بل كان عاما استثنائيا ومميزا لعائلة مهاجر كامروني وزوجته الجزائرية، لقد أنجبا طفلا ملأ حياتهما بهجة وسعادة، وبث في قلبيهما كل الغبطة والسرور.
سحر العام 1998 استمر وتواصل، فهذا الطفل الذي رأى النور بعد أشهر قليلة من الاحتفاء باللقب العالمي أسعد ولا يزال، عائلته المصغرة قبل أن يكتب له أن يسعد بعد 20 سنة الشعب الفرنسي، لقد حقّ له أن يبث في قلوب الفرنسيين كل الأماني الجميلة ويحيي الأحلام الوردية.
هو بلا شك النجم الشاب كيليان مبابي الذي لم يخيب الظن وقدم أوراق اعتماده في هذا المونديال الروسي، لقد نجح مبدئيا في أن يقدم صورة ناصعة لنفسه ولمنتخب بلاده فقاده ببراعة للوصول إلى الدور ربع النهائي. لقد فتن العالم خاصة في تلك المباراة التاريخية في مسيرته عندما “قهر” المنتخب الأرجنتيني وهزم ميسي.
مبابي لم يخيب الظن، وبدا كأنه حمل منذ ميلاده جينات التألق والتفوق والإبداع، كيف لا وهو الوليد في حقبة أبرز النجوم في تاريخ الكرة الفرنسية، فبدا اليوم وكأنه تأثر بنسمات الفرح التي عمت فرنسا في ذلك العام التاريخي، فزرعت فيه بذرة النبوغ الكروي لتكبر معه، وتنمو معلنة ميلاد نجم عالمي تلحف برداء الأبطال وأخذ من كل شيء جميل.
هو مبابي ذلك الفتى الأسمر الذي شبهه البعض منذ الموسم قبل الماضي عندما كان ينشط مع نادي موناكو بـ”الغزال الأسمر” تيري هنري، فانطلاقاته نحو مرمى المنافسين وقدرته الفائقة على تحسس طريق الأهداف، جعلته يتماهى مع هنري الذي كانت بدايته الفعلية مع موناكو.
مبابي هذا الشاب اليافع بملامح طفولية ذكّر البعض بـ”الظاهرة” رونالدو البرازيلية فسرعته الفائقة وقدرته على المراوغة واختراق دفاع “الخصوم” من الأمور التي أعادت إلى الأذهان ملامح وصور تلك “العبقرية” القديمة التي كان يملكها رونالدو.
مبابي لديه شيء من زيدان، فروحه التائقة للاستحواذ على كل الألق والنجومية والتفرد بالإبداع تشبه إلى حد كبير روح “زيزو” الذي فرض نفسه نجما أوحد سنة 1998 ضمن منتخب يعج “بالنجوم”، هي بلا شك نقطة لقاء تجعل من مبابي يوقظ تلك الرغبة الفرنسية في الهيمنة على الحدث العالمي، فكل المقومات التي جعلت من زيدان بطلا قوميا توفرت اليوم لدى هذا الشاب المبدع.
مبابي ورث من الجميع، فبدا كأنه سليل “اللاعبين العظماء” بامتياز، لقد ورث عن أبيه الكامروني قوة الإصرار والتحدي وورث عن أمه كل الشموخ والكبرياء. تشابه مع هنري وزيدان ومع رونالدو.. ومع بيليه أيضا.
مبابي اليوم أعاد إلى الأذهان صورة فتى “أسمراني” برز بشكل مبهر في مونديال 1958، وخط اسمه بأحرف من ذهب، إنه بيليه الذي خاض تلك البطولة وهو في سن الـ17 ربيعا، لكن صغر سنه لم يحل دون أن يكون اللاعب الأفضل في المونديال، و الذي قاد حينها منتخب البرازيل للحصول على اللقب العالمي لأول مرة.
كل المؤشرات توحي أن مبابي سائر على طريق بيليه، هو اللاعب الأصغر في منتخب بلاده البالغ 19 سنة، وهو اللاعب الأكثر تأثيرا، وهو أبرز نجوم البطولة إلى حد الآن، وإن كتب له تجاوز منتخب الأوروغواي من المؤكد أن الطريق ستكون أسهل أمامه كي يتلحف إلى الأبد برداء الأبطال.