الخردة مصدر رزق يقصّر الأعمار في الخليل

رزق المئات من الفلسطينيين جمع الخردة وحرقها في محافظة الخليل، وهو مغمس بخطر التلوث والأمراض رغم أنها مهنة تنقذهم من شبح البطالة الذي يحاصرهم.
الثلاثاء 2018/07/03
عمل شاق في صيف ساخن

الخليل - جمع الخردة وحرقها ليسا بظاهرة جديدة، فهي تتركز بشكل أساسي في مناطق الخط الغربي من محافظة الخليل، خاصة مناطق أذنا، دير سامت، وبيت عوا، التي باتت مركزا لتجميع كافة أنواع الخردوات، سواء القادمة من الضفة الغربية، أو من داخل أراضي 48.

وتعتمد مهنة جمع الخردة أو “الطقش” كما يطلق عليه باللهجة المحلية على شراء الأجهزة المعدنية والبلاستيكية التالفة كالثلاجات، والغسالات، والسيارات، ومولداتها، وكوابل الكهرباء، والأواني المنزلية والكراسي وغيرها من أحياء ومدن الضفة الغربية؛ إضافة إلى استيرادها من داخل إسرائيل، ثم تجميعها في مجمعات خاصة تعمل على إعادة فرزها وتنظيفها، تمهيدا لتصديرها إلى مصانع الصهر في إسرائيل بهدف إعادة تدويرها.

وتقدر سلطة جودة البيئة حجم الخردوات الداخلة إلى هذه المناطق بحوالي ألف طن يوميا، 90 بالمئة منها نفايات مهربة من داخل أراضي العام 48، و10 بالمئة منها فقط يتم تجميعها من مناطق الضفة الغربية.

ووصف مدير سلطة البيئة في محافظة الخليل بهجت جبارين هذه الظاهرة بأنها “من أعقد الظواهر لارتباطها بالعديد من الأبعاد سواء من الناحية الاقتصادية، أو البيئية والصحية، وحتى السياسية والدولـية”.

فعلى الصعيد الاقتصادي، قال جبارين “إن هذه الظاهرة باتت تشكل مصدر الرزق الوحيد لما يقارب من 200 أسرة في محافظة الخليل، وإن ما يقارب الـ1800 شخص ما بين رجل وامرأة وطفل يعملون في حرق الخردة، بالإضافة إلى انتشار ما يقارب من 200 مشغل يجمعون هذه النفايات ويتعاملون معها، وتتركز بشكل أساسي في محيط منطقة أذنا، التي تفتقد للحد الأدنى من شروط الصحة العامة والسلامة البيئية، ناهيك عن أنها غير مرخصة بالمطلق”.

وأضاف جبارين “هنالك ما يزيد عن 500 موقع وقطعة أرض تتراوح مساحتها الإجمالية ما بين 100 و150 دونما من الأراضي الزراعية، تحولت بفعل عمليات حرق الخردة إلى أراضٍ ملوثة غير صالحة للزراعة، إضافة إلى تلوث عدد من الينابيع والآبار الجوفية بسبب تسرب المواد السامة إليها”.

وأشار جبارين إلى أن الهدف من عمليات الحرق هو التخلص من المواد البلاستيكية التي تغلف المعادن لجمعها لاحقا، وهي عملية مدمرة للبيئة.

"الطقش" ملاذ من لا عمل له
"الطقش" ملاذ من لا عمل له

وبعد عملية الحرق تتم عملية “التفريك” فيفرز كل معدن على حدة، الألمنيوم، والنحاس، والحديد، والستانلس، والطوج، بطريقة منظمة صالحة للتصدير ليتم بيعها بأسعار زهيدة بعد ذلك إلى تجار إسرائيليين، يقومون بتصديرها عبر موانئهم إلى الخارج بأضعاف ما يربحه التاجر الفلسطيني دون تعب أو جهد أو ضرر بيئي يذكر.

وتتسبب الروائح والمخلفات الناتجة عن عمليات الحرق، في التأثير المباشر على الجهاز التنفسي والقلب لاحتوائها على مواد سامة تنبعث منها، وتحولت العديد من المناطق المأهولة بالمواطنين إلى مكرهة صحية.

يشير الدكتور عثمان شركس، المحاضر في جامعة بيرزيت، إلى أن عمليات الحرق تتم بشكل يومي في إذنا وفي منطقة الخليل عموما، حيث يتم جمع أسلاك الكهرباء وحرقها لاستخراج النحاس، وهذا يؤدي إلى زيادة ثاني أكسيد الكربون وبعض الكبريت والديوكسين والغازات المضرة بصحة الإنسان، ما يتسبب في حدوث أمراض متعددة وخاصة الربو وأمراض الصدر والسرطان، وتحديدا في مناطق محافظة الخليل.

ووصلت نسبة تلوث الهواء في مناطق جنوب الضفة إلى 95 بالمئة، وفق نتائج لجنة علمية من فنلندا أجرتها عام 2011 على الهواء الطلق في مناطق الجنوب، وأشارت اللجنة إلى أن هذه النسبة تصل إلى هذا الحد في حال نشوب حرب نووية أو دفن مواد إشعاعية وعمليات حرق للمعادن.

وكشفت دراسة لمعهد الأبحاث العلمية التابع لجامعة بولتكنيك فلسطين (2013)، حول معامل الخردة في مناطق جنوب الضفة، أن 28.5 بالمئة من الأشخاص مصابون بضيق التنفس، و17.5 بالمئة مصابون بالحكة والتهاب الجلد، و13 بالمئة منهم مصابون بأزمة قلبية، في حين كانت هذه الأمراض موجودة بشكل متدن قبل حرق الخردة فوق أراضيها.

بالإضافة إلى المخاطر البيئية والأمراض الناتجة عن التلوث فإن خطر الموت يواجه العاملين بحرق الخردة نتيجة الانفجارات التي قد تحدث بشكل مفاجئ، ويشير المواطن محمد الرجوب  الذي يقطن
في قرية الكوم إلى أن العديد من المواطنين قتلوا نتيجة حرق الخردة وما تسببه من انفجارات نجمت عن قنابل وقذائف وصواريخ وأعيرة نارية دخلت مع خردة مخلفات الاحتلال.

جاوزت المصائب والقصص التي نتجت عن حرق الخردة المألوف، وألقت بظلالها على الثروتين النباتية والحيوانية، وتراجع إنتاج محصول الزيتون، وهلكت العديد من الأشجار التي قاومت العطش والتصحر، لكنها وقفت عاجزة أمام مقاومة حرق الخردة ومخلفاتها، وغابت العديد من أصناف الحياة البرية عن المكان.

وفي سبيل السيطرة على الظاهرة المقلقة لأهالي المنطقة، يشير جبارين إلى أن هنالك سلسلة من الإجراءات والمشاريع التي تم العمل عليها، ساهمت إلى حد كبير في وضع حد لهذه الظاهرة، من أهمها تنفيذ مشاريع التوعية في التجمعات السكانية حول الآثار الكارثية لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى الملاحقة القانونية لمن يقوم بعمليات الحرق، وقيام سلطة البيئة بتوقيع اتفاقية مع إحدى الشركات التي تعمل على فرز المعادن عن باقي المواد. ويوضح جبارين أنه وضمن الاشتراطات الصحية والبيئية، يستطيع العاملون في هذا المجال التوجه بما لديهم من نفايات إلى هذه الشركة، التي تقوم بدورها بفرز المعادن عن المواد الأخرى، وتقدم هذه الخدمة بالمجان، ويتم استيفاء تكاليف عملية الفرز هذه من ممولين من قبل سلطة البيئة.

إرهاق وصعوبة تنفس
إرهاق وصعوبة تنفس

 

20