خطة مصرية لدعم غزة وتفويت الفرصة على صفقة القرن

القاهرة - تدرك القاهرة أنها مقبلة على مواجهة تحديات دقيقة من قبل الولايات المتحدة، عقب رفض التعاطي الإيجابي مع صفقة القرن بالخطوط والعناوين التي وصلت إليها حاليا، وتتخذ من الأوضاع الإنسانية الصعبة في الأراضي الفلسطينية مدخلا لترويجها.
وكشف مصدر مصري مطلع أن رفض القاهرة تمرير صفقة القرن مرتبط بأن “ما يتم طبخه في المكتب السياسي الأميركي والإسرائيلي لا يتفق مع الحدود الدنيا لمطالب القيادة والشعب الفلسطينيين”.
وقال لـ”العرب” إن مصر أبلغت المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنر، المستشار السياسي للرئيس دونالد ترامب، وجيسون غرينبلات، مبعوث ترامب للشرق الأوسط الأسبوع الماضي، بأن أي شيء مرتبط بالقضية الفلسطينية “لا يمكن يمر سوى عن طريق القيادة الفلسطينية والشارع والفصائل.. وقلنا لهم إننا لن نسمح بأن تكون القدس خارج إطار التفاوض مستقبلا، حتى وإن تعاملت الإدارة الأميركية بوضع مختلف في هذا الشأن”.
وأضاف “عندما طرحنا هذا الأمر على مبعوثي ترامب المعنيين بقضايا الشرق الأوسط أجابوا بأن هذا كلام غير واقعي (ضم القدس للمفاوضات المستقبلية).. هم يتعاملون مع حل القضية الفلسطينية من منظور ضيق الأفق، يتعلق بتسوية إنسانية في قطاع غزة مقابل رضا الفلسطينيين عن الصفقة”.
زيارة كوشنير وغرينبلات للقاهرة مؤخرا كان بين أهدافها أن تقوم مصر بممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية، لدراسة بنود صفقة القرن ليقبل منها ما يقبل بحيث يتم التفاوض وتقريب وجهات النظر
وذكر المصدر المصري أن “مشكلة ترامب أنه أسند إدارة الملف الفلسطيني لهواة، لا يمتلكون خبرة في التفاوض، يجربون العمل السياسي الدولي في قضية خطيرة ومحورية.. هم يعتبرون أن إنهاء المشكلات الإنسانية في غزة بوابة تمرير الصفقة، بحيث تكون هناك تسهيلات في المواقف وإضعاف فرص التوتر والعنف، ونحن حذرناهم من هذه الرؤية القاصرة للموقف”.
وأوضح أن مصر عندما تتمسك بأن تكون أيّ مبادرة تسوية مرتبطة بفكرة حل الدولتين وإقامة دولة على حدود 1967 وتستمر القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، فإنها ضمنيا ترفض صفقة القرن وتعتبر ذلك مبدأ غير قابل للمساومة، وقال “صحيح لا نعلن عن رفض الصفقة بشكل صريح، لكن ما بين السطور واضح جدا لإسرائيل وللولايات المتحدة”.
وأشار إلى أن زيارة كوشنر وغرينبلات للقاهرة مؤخرا، كان من بين أهدافها أن “تقوم مصر بممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية، لدراسة بنود صفقة القرن، ليقبل منها ما يقبل، بحيث يتم التفاوض وتقريب وجهات النظر بشأن البنود المرفوضة، كي يكون هناك مجال للنقاش، لكن القيادة المصرية رفضت ذلك”.
وألمح إلى أن ثمة مشكلة تكمن في أن بعض القيادات الفلسطينية بدأت تروج لوجود جوانب إيجابية في صفقة القرن، ويمكن التفاوض على البنود المرفوضة، وهذا يمهد لانتهاء فكرة القدس التي تتمسك بها مصر وأطراف عربية مؤثرة مثل الأردن والسعودية.
تنسيق عربي وتربص تركي

بشأن التنسيق المصري العربي، قال المصدر “هناك تنسيق كامل مع السعودية والأردن، وما جرى في عمّان خلال الفترة الماضية من توترات أمنية واحتجاجات كان ورقة ضغط بسبب موقفها من صفقة القرن، ومصر مستعدة لضغوط كبيرة خلال الفترة المقبلة، وسوف تظل متمسكة بموقفها مهما بلغت التحديات”.
وأفاد بأن “أكثر القادة العرب لديهم قناعة راسخة بأن أيّ تنازلات تتعلق بالموافقة على تمرير صفقة القرن، سيضعهم ذلك في مكانة سيئة للغاية مع شعوبهم ومع باقي الشعوب العربية. وما يطمئن الدول العربية المرتبطة بالقضية الفلسطينية أن الولايات المتحدة لا تقف على أرض ثابتة بخصوص التسوية المرتقبة، وهناك شبه إجماع عربي على أنه لا تمرير للصفقة مقابل المال”.
وقال المصدر لـ”العرب” إن من بين المطالب الأميركية من مصر أن تكون هناك “محطات كهرباء في سيناء لتغذية قطاع غزة، ضمن الحلول الإنسانية المرتبطة بالتسوية، لكننا رفضنا هذا الطرح، وطلبنا بأن تقام هذه المحطات في شمال غزة. ونحن متمسكون بإبعاد سيناء عن أيّ محاولة لجرها ضمن أي تسوية مستقبلية”.
ورفضت القاهرة أن تكون هناك تسوية سياسية للقضية الفلسطينية على حساب سيناء. وكان مطروحا أن يستقطع منها 720 كيلومترا للفلسطينيين، مقابل مزايا مادية عدّة لمصر تنقذها من أزمتها الاقتصادية. وهي خطة أيدتها حركة حماس، ودعمتها جماعة الإخوان عندما كانت في الحكم، لكن تصدت لها المؤسسة العسكرية في مصر، وأفشلتها وانحازت لثورة المواطنين في 30 يونيو 2013 لإزاحة الجماعة عن حكم مصر.
وشدّد المصدر على خطورة وجود مواقف إقليمية أصبحت تمثل خطرا على القضية الفلسطينية، “مثل تركيا التي تتدخل حاليا لدى إسرائيل لعقد هدنة مع حركة حماس تستمر عشر سنوات، مقابل تسهيلات في غزة وإنهاء الحصار المفروض على القطاع، عن طريق إقامة مشروعات وفتح ميناء للصيد وزيادة عدد المعابر الحدودية على حدود غزة”.
وقال المصدر “هذا الكلام خطير جدا ويصب في صالح إسرائيل أولا، لأنه يرسخ فصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية ويمنح الشرعية لحكم حماس.. نحن لا نمانع في تدخل قوى إقليمية، لكن شريطة أن تحقق الحدود الدنيا من مطالب الشعب الفلسطيني، وليس أن تلعب هذه القوى لحساب أطراف تبحث عن مصالح شخصية ضيقة”.
فكرة المشروع تتلخص في إقامة منطقة حرة حدودية مشتركة يتم تطويرها وتشغيلها من قبل القطاعين الخاص والعام، والإشراف عليها من قبل لجنة تملك صلاحيات تسهل العمل وتكفل نجاح الخطة
وعلمت “العرب” أن القاهرة تسعى إلى سد الثغرات الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، والتي منحت الحديث عن التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، زخما غربيا خلال الفترة الماضية.
واستقبلت القاهرة وفدا إداريا وماليا ومهنيا من حركة حماس على مرحلتين (الثلاثاء والخميس)، لمناقشة مشروعات اقتصادية لحل الأزمة الإنسانية في غزة، منها إنشاء منطقة حرة على الحدود بين رفح المصرية ونظيرتها الفلسطينية.
والتقى الوفد الفلسطيني، الذي يرأسه يوسف الكيالي، وكيل وزارة المالية في غزة التابعة لحماس، مسؤولين أمنيين مصريين، وبحث الوفد مع مسؤولين آخرين في وزارات مختلفة، قضايا تتعلق بأزمة الكهرباء والمياه، وزيادة البضائع التي يتم إدخالها عبر معبر رفح إلى غزة.
ويسعى الوفد الحمساوي للوصول إلى اتفاق لتنفيذ خطة تم الاتفاق عليها بشكل مبدئي في يوليو من العام الماضي، تتضمن تخفيف حدة الأزمة الإنسانية في القطاع، والتي تفاقمت مع حالة التأزم السياسي والاقتصادي بين حماس والسلطة الفلسطينية، وأفضت إلى زيادة التدخلات الإقليمية والدولية، ما أقلق القاهرة كثيرا ووضعها أمام خيارات غامضة.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن القاهرة متوجسة من “انتهازية حماس ومناوراتها السياسية”. وتخشى من أن يؤدي تزايد الضغوط على غزة إلى انفجار القطاع، أو حدوث مواجهة عسكرية بين حماس وإسرائيل تؤثر على الاستقرار الأمني في منطقة سيناء، التي لا يزال الجيش المصري يخوض عملية عسكرية ممتدة لتجفيف منابع الجماعات المتطرفة التي اتخذتها قاعدة لشن عمليات إرهابية عديدة.
وأجرى مسؤولون مصريون حوارات مع قيادات حماس، حذرت في مجملها من مغبة الانسياق وراء أي استفزازات، أو محاولة الهروب من الوضع الاقتصادي الخانق، أو جريا وراء تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة، وافتعال حرب مع إسرائيل، التي نقلت لها القاهرة أيضا رسائل بضرورة ضبط النفس.
وتحاول مصر إبعاد حماس عن الصفقة وإغرائها بمزايا اقتصادية كانت ألحّت عليها من قبل، كي لا تتحول إلى منغص توظفه واشنطن وقطر وقبول مقترحات تصب في تحويل غزة إلى كيان منفصل تحت حكمها، والمشكلة أن الحركة لا تمانع في ذلك، ومستعدة لأن تقيم علاقات مباشرة مع إسرائيل لتحقق “حلم الخلافة الإسلامية من بوابة غزة”.
وتخشى بعض الدوائر السياسية من أن تتلكأ حماس في التجاوب مع المساعي المصرية لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في القطاع، وتتظاهر فقط بالتجاوب، وتجري حوارات خفية مع جهات أخرى، وهو ما يضطر القاهرة إلى ممارسة ضغوط قاسية على حماس، قد لا تستطيع تحمل تكاليفها.
وكشفت المصادر لـ”العرب” أن مصر تتوقع ممارسة ضغوط أميركية عليها للتخلي عن تمسكها بالثوابت الرئيسية لحل القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وتعطيل المشروعات الاقتصادية مع غزة، لتظل واشنطن ممسكة بالخيوط الإنسانية.
وبدأت قوات الأمن المصرية ترفع من جاهزيتها على الحدود مع ليبيا والسودان وتضاعف من استنفارها في سيناء، خشية تسرب عناصر إرهابية، واستئناف عمليات العنف التي تراجعت كثيرا خلال الأسابيع الماضية في أنحاء مصر.
منطقة حرة

تقدمت حماس بمقترح لإقامة منطقة تجارية حرة مع مصر عوضا عن الأنفاق التي تهدمت غالبيتها، وكانت ظرفا استثنائيا لجأ إليه سكان غزة لفك الحصار الذي فرضه الجانب الإسرائيلي عليهم.
وأشار الخبير الاقتصادي الفلسطيني ماهر الطباع إلى أن “عام 2017 هو الأسوأ في غزة، وجميع المؤشرات تؤكد أن القطاع حاليا دخل في مرحلة الانهيار الاقتصادي، وأصبح نموذجا لأكبر سجن في العالم”.
وحذر الطباع من أن الانفجار قادم لا محالة، مؤكدا أنه “مطلوب من مؤسسات ومنظمات دولية الضغط الفعلي على إسرائيل لإنهاء حصارها لغزة، وفتح المعابر التجارية وإدخال الاحتياجات من السلع والبضائع، وعلى رأسها مواد البناء دون قيود وشروط، لإنقاذ القطاع من حالة الموت السريري التي يعاني منها”.
وحصلت “العرب” على ملامح خطة إنقاذ غزة التي تقدمت بها مصر، وهي خطة مغلفة بأبعاد اقتصادية ظاهرة. وتشمل إنشاء منطقة صناعية في رفح المصرية والفلسطينية، وتوفير حرية الحركة لسكان القطاع عبر معبر رفح، والحق في استخدام مطار العريش.
وتتلخص فكرة المشروع في إقامة منطقة حرة حدودية مشتركة يتم تطويرها وتشغيلها من قبل القطاعين الخاص والعام، والإشراف عليها من قبل لجنة تعمل على جذب المستثمرين إليها، في ظل أوضاع قانونية ولوائح محددة، وتملك اللجنة المشتركة صلاحيات تكفل نجاحها في تطوير الصناعة والتجارة وتوفير الأيدي العاملة الفلسطينية والمصرية.
وتُعطَى الفرصة للجانب المصري أو الفلسطيني أو شركة من الجانبين للقيام بعملية إنشاء البنية التحتية والمنشآت وتطوير المنطقة وتشغيلها وفق شروط ومحددات تضعها اللجنة المشرفة، أي إعطاء عقد امتياز لشركة مطورة وعقد امتياز لشركة مشغلة للمنطقة، كما يمكن إشراك بعض الدول العربية والصديقة المعنية التي لها باع في هذا المجال.
ووضع المشروع في تصوّره أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والترابط بين الشعبين المصري والفلسطيني، وفتح آفاق عربية ودولية للشعب الفلسطيني من خلال بوابة مصر، وتأمين مناخ استثماري آمن، وإنشاء قاعدة صناعات رديفة على الجانبين لإيجاد ترابط هيكلي بين الأنشطة الصناعية، والاستفادة من البنية التحتية المصرية من طرق وموانئ ومطارات وكهرباء ومياه، وتأمين مراكز عبور آمنة للبضائع والمواد الخام والمنتجات.
ويتم تنفيذ المشروع على مراحل عدة. ووضع الجانب الفلسطيني مساحة مقترحة للمشروع تتراوح ما بين 10 آلاف دونم و20 ألفا، يتم تنفيذها على مرحلتين كل مرحلة بمساحة 10 آلاف دونم، (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وتم البدء في تخصيص 200 دونم بالقرب من معبر رفح.
وثمة معايير وضعت لاختيار هذا الموقع، أهمها قرب المشروع من خدمات البنية التحتية والطرق الرئيسية في مصر، وارتباطه بالموانئ القريبة، البحرية والبرية، وتوافر الأراضي الحكومية على طرفي الحدود لتقليل التكاليف.
ووضعت وسائل تنفيذ أهمها تقديم رؤية سياسية وأمنية لتحقيق المشروع، وعقد مذكرات تفاهم بين الحكومتين المصرية والفلسطينية لإنشاء وتشغيل المنطقة لتشمل النواحي الاقتصادية والأمنية والبيئية والاجتماعية والسياسية والقانونية والفنية والجمركية، والتوصل إلى تفاهمات مع دول عربية للدعم والتمويل وبمشاركة القطاع الخاص.
من بين وسائل التنفيذ أيضا التي طرحها المشروع إنشاء النافذة الاستثمارية الموحدة لإدارة المنطقة، وأن يتم إعلان المنطقة حرة، على أن تتمدد لاحقا حسب التطور الطبيعي، ويمكن أن تشمل لاحقا كامل قطاع غزة وصولا إلى مدينة العريش المصرية، حتى يتم الاستفادة من مطار وميناء المدينة، على أن يكون ذلك ضمن ترتيبات متفق عليها.
ولم يغفل المشروع التطرق إلى الجوانب الأمنية التي حاول تغطيتها من خلال تكوين لجنة أمنية مشتركة للإشراف على النواحي الأمنية، وتكوين شركة أمنية تابعة للشركة المشغلة تكون مسؤولة عن الأمن داخل المنطقة الحرة، تحت إشراف اللجنة الأمنية المشتركة.