الهجرة تمنح الشعبويين أول انتصار على الطبقة السياسية في أوروبا

تسوية يتخللها الكثير من الغموض، وأوروبا تسعى لاتفاق مع دول الضفة المقابلة للمتوسط شبيهة باتفاقها مع تركيا.
السبت 2018/06/30
قلق من منصات إنزال المهاجرين

لندن – أدخل اتفاق بخصوص الهجرة، توصل إليه الزعماء الأوروبيون خلال القمة التي أقيمت في بروكسل يومي الخميس والجمعة، أوروبا في عصر اليمين المتطرف، متجاوزة بذلك مرحلة صعوده، إلى حقبة تحكمه في صناعة قرارات ورسم سياسات الاتحاد.

وتمكن رئيس الوزراء الإيطالي اليميني غوزيبي كونتي من فرض رؤيته بخصوص ملف الهجرة، الذي استأثر بالاهتمام الأكبر على القمة، بعد أسبوعين من رفض إيطاليا رسو سفينتي مهاجرين غير شرعيين في موانئها.

وهدد كونتي بأخذ المخرجات النهائية للقمة "رهينة" إذا ما لم "يتخذ الزعماء الأوروبيون خطوات ملموسة لمشاركة إيطاليا عبء المهاجرين" بوصفها دولة استقبال محورية في التكتل.

وشكل البيان، الذي صدر عن القمة فجر الجمعة، انتصارا كبيرا لمعسكر اليمين، وتمكنت دول وسط أوروبا، مثل المجر وبولندا والتشيك، من فرض رؤيتها على القمة، والضغط لكي يكون استقبال اللاجئين من قبل الدول الأعضاء، ضمن توزيع عادل، "اختيارا".

ورغم ذلك أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاتفاق قائلا أمام الصحافيين إن "التعاون الأوروبي هو المنتصر"، مضيفا "لقد اتخذنا قرارا بالتكافل المتوجب علينا إزاء دول الوصول".

 

بعد مفاوضات متعثرة، تمكن زعماء الاتحاد الأوروبي، فجر الجمعة، من التوافق بشأن البيان الختامي لقمتهم، وتضمن سلسلة قرارات في قضايا مثل الهجرة، وروسيا والأمن والتجارة. وأعطى الزعماء الذين اجتمعوا في بروكسل، الضوء الأخضر لفكرة إقامة مراكز استقبال للاجئين الذين يتم إنقاذهم في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، خارج أراضي دول الاتحاد. لكن، رغم إشادة القادة الأوربيين بالاتفاق برزت بعض الشكوك بشأن إمكانية تنفيذ الحلول التي تم طرحها على مستوى الدول الأوروبية كما على مستوى دول الضفة الأخرى للمتوسط والمعنية بقضية الهجرة.

 ويقوم الحل الوسط الذي تم التوصل إليه في الساعة 2:30 بتوقيت غرينيتش على اعتماد "نهج جديد"، مع إنشاء "منصات إنزال" المهاجرين خارج أوروبا بهدف ردعهم عن اجتياز المتوسط.

وينص كذلك على إقامة "مراكز خاضعة للمراقبة" في دول أوروبية على أساس اختياري يوضع فيها المهاجرون بعد وصولهم، وتجري فيها بصورة سريعة عملية فرز المهاجرين غير الشرعيين الذين ينبغي ترحيلهم عن أولئك الذين يحق لهم طلب اللجوء، ويمكن توزيعهم ونقلهم إلى دول أوروبية أخرى وذلك بالمثل على أساس "تطوعي" ويشكل هذا استجابة لرغبة إيطاليا بأن يتم "تشارك المسؤولية" إزاء جميع المهاجرين الواصلين إلى أوروبا.

ويدعو الاتفاق الأعضاء كذلك إلى "اتخاذ كل الإجراءات" الضرورية على المستوى الداخلي لتجنب انتقال المهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي، في ما يجري من "حركات داخلية" غالبا ما تتجه نحو ألمانيا التي تشهد جدالا سياسيا أضعف المستشارة أنجيلا ميركل، وهدد بانهيار ائتلافها الهش.

ولم يكن المعسكر الليبرالي التقليدي في أوروبا ليقدّم هذه التنازلات للشعبويين لولا أن المستشارة الألمانية في موقع ضعف غير مسبوق، إذ تواجه سلطتها في مسألة الهجرة تحديا كبيرا.

 فوزير الداخلية في حكومتها هورست سيهوفر يهدد بطرد المهاجرين المسجلين في بلد آخر عند الحدود بصورة أحادية ما لم تتخذ تدابير أوروبية بحلول الأول من يوليو ضد تنقّل المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي.

وغلق ألمانيا الحدود ليس أمرا سهلا. فالبلد بات المثل بالنسبة إلى السياسيين الأوروبيين الذين لا يزالون متمسكين بقيم أوروبا وانفتاحها. كما ينظر إلى برلين على نطاق واسع، وليس بروكسل، باعتبارها عاصمة أوروبا الحقيقية.

وأثارت تهديدات سيهوفر مخاوف سياسيين أوروبيين كثر من أن يؤدي غلق الحدود الألمانية في وجه المهاجرين إلى تأثير الدومينو بالنسبة للدول الأخرى، إذ ستتبع ألمانيا غالبية دول الاتحاد في غلق حدودها أيضا.

 وإذا حدث ذلك فسيقود حتما إلى انهيار مبدأ حرية الحركة عبر الحدود، أحد الأسس التي قام عليها الاتحاد، وسيقضي على فرص الأوروبيين في الحصول على الوظائف، وسيتراجع على إثره حجم التجارة البينية بين دوله.

مساهمة العرب

تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي هو أحد النتائج الرئيسية لقمة بروكسل، لكن، رغم حساسيتها، تبقى هذه المسألة خارج قدرات الاتحاد على تحديد مصيرها.

وستحتاج أوروبا إلى إنشاء ما يشبه “مراكز الفرز” تكون مسؤولة عن فحص المهاجرين وإعادة أغلبهم إلى بلدانهم الأصلية. وتتكون هذه العملية المعقدة والمكلفة من عدة مراحل، تبدأ بتعزيز الأوروبيين لمهام الإنقاذ في البحر، وسفن المراقبة وتنتهي بكلفة ترحيل من لا تنطبق عليه شروط اللجوء إلى أوروبا.

وبعد توقيف قوارب المهاجرين في عرض البحر، من المفترض أن تسحب سفن تابعة للقوات البحرية لدول الاتحاد هذه القوارب إلى نقطة الإنزال الواقعة في أقرب بلد أفريقي يقع على سواحل البحر المتوسط من أجل بدء عملية إيواء، تشمل إجراء فحوصات طبية على المهاجرين وتوفير العلاج والمواد الغذائية لهم على أراضي هذا البلد الأفريقي، قبل الاتفاق مع سلطاته على ترحيلهم إلى موطنهم الأصلي.

ولكي يدخل هذا التصور حيز التنفيذ، سيكون على الاتحاد الأوروبي عقد اتفاقات ثنائية مع مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ودول أخرى على الساحل الغربي لأفريقيا، مقابل تقديم مساعدات مالية كبيرة لهذه الدول لتمويل عملياتها للحد من الهجرة لأوروبا.

سيكون على الاتحاد الأوروبي عقد اتفاقات ثنائية مع مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ودول أخرى على الساحل الغربي لأفريقيا مقابل تقديم مساعدات مالية كبيرة لهذه الدول
 

وتريد أوروبا تكرار الاتفاق الذي وقعته مع تركيا في مارس 2016، والذي نص على منح الاتحاد الأوروبي تركيا مساعدات بقيمة 6 مليار يورو مقابل “تبادل اللاجئين”. وساهم هذا الاتفاق في خفض أعداد اللاجئين القادمين إلى دول الاتحاد بشكل كبير.

وتواجه أوروبا مواقف رافضة للمشاركة في هذه الخطة من مصر والمغرب على الأقل، كما تشهد تعنّتا من باقي الدول، التي عرضت تعاونا من الاتحاد، لكن بشكل سيادي.

ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن هناك دولا من شمال أفريقيا وافقت على الحصول على مساعدات مالية مقابل قيام مؤسساتها الوطنية بالتعامل مع ملف الهجرة، بدلا من تحدي سيادتها عبر إقامة مراكز إنزال تابعة لجهة أجنبية وتعمل بحرية على أراضيها.

وقال دبلوماسي مصري لـ”العرب” إن “في مصر هناك من ينظر إلى هذه النقاط المقترحة بأنها ترتقي إلى نفس مستوى القواعد العسكرية الأجنبية من منظور السيادة”.

وإذا تم تطبيق هذا النموذج، فمن المتوقع أن يقضي تماما على شبكة المهرّبين وتجار البشر، التي لا تزال تتخذ من دول يضربها عدم الاستقرار، مثل ليبيا، منصة لإطلاق أمواج من المهاجرين الذين بات معظمهم يأتي من دول أفريقية فقيرة، أو تعاني من صراعات داخلية.

مبدأ نحن وهم

جوزيبي كونتي يفرض رؤيته بخصوص ملف الهجرة
جوزيبي كونتي يفرض رؤيته بخصوص ملف الهجرة

يقول إغينيو أمبروزي، رئيس المنظمة الدولية للهجرة السابق، إن “الفكرة لا تعتمد على مبدأ نحن وهم، إما أوروبا وإما شمال أفريقيا”، مضيفا أنها “مقاربة أوسطية يجب أن تساهم فيها الدول التي تريد فعل ذلك.”

وأكد أمبروزي، الذي انتهت مهمته (أمس) الجمعة، ويخلفه السياسي البرتغالي والمفوض الأوروبي السابق أنطونيو فيتورينو، أن “ما لا نريد أن نراه هو مراكز فحص طلبات اللجوء في خارج الاتحاد الأوروبي، وبالطبع لا نريد أن نرى أيضا نموذج أستراليا يتكرر هنا”، في إشارة إلى مراكز احتجاز للاجئين تقيمها أستراليا على جزر في المحيط الهادئ.

ولم يتم التوصل إلى البيان الختامي بشكل سلسل. فرئيس الوزراء الإيطالي تبنى لهجة شكلت تهديدا لاستمرار القمة وأنذرت بفشلها.

وقالت مصادر حضرت القمة إن كونتي لوّح بعدم خبرة الزعماء الأوروبيين في القانون، قائلا “أنا أستاذ قانون”. لكنه واجه رد فعل عنيفا من قبل الزعماء الآخرين، إذ رد عليه رئيس وزراء بلغاريا بويكو بوريسوف قائلا “أنا كنت رجل مطافئ، لكن هذه ليست الطريقة المثلى للتفاوض معنا”، فيما قال رئيس وزراء السويد ستيفان لوفين إنه كان في السابق لحاما، وأكد لكونتي أن “هذا ليس أسلوبا تعبر به عن وجهة نظرك”.

وحذر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من أن يمنح عدم التوصل إلى حل “المزيد من الحجج” إلى حركات شعبوية تبدي “ميلا واضحا إلى التسلط”، وذلك رغم التراجع الكبير في عدد الوافدين إلى أوروبا بالمقارنة مع الأعداد الضخمة التي سجلت في خريف 2015.

النقاط الرئيسية في اتفاق الهجرة الأوروبي

بروكسل – بعد محادثات استمرت تسع ساعات، توصل قادة الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن الهجرة. ومن بين النقاط الرئيسية الواردة في الاتفاق إقامة “منصات إنزال” خارج أوروبا و”مراكز خاضعة للمراقبة” وتعزيز الحدود الخارجية.

*منصات إنزال: في مسعى لمنع المهاجرين من اجتياز المتوسط، تعهد قادة الاتحاد الأوروبي بدراسة مبدأ إقامة “منصات إنزال إقليمية” خارج أوروبا للمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في المياه الدولية.

لكن الفكرة لا تزال غامضة إلى حد بعيد. وتعهد القادة بالعمل بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية.

ولم توافق أي دولة ثالثة بعد على استضافة هذه المراكز حيث ستقوم السلطات بعملية فرز المهاجرين غير الشرعيين الذين ينبغي ترحيلهم عن أولئك الذين يحق لهم طلب اللجوء في الاتحاد الأوروبي.

ورفض المغرب استضافة مراكز الاستقبال في وقت شككت عواصم أوروبية عدة في مدى توافق الفكرة مع القانون الدولي.

*مراكز خاضعة للمراقبة: بموجب الاتفاق، يمكن نقل المهاجرين الذين يتم العثور عليهم وتوقيفهم داخل الاتحاد الأوروبي إلى “مراكز خاضعة للمراقبة” تقام في الأراضي الأوروبية ليتم نقلهم لاحقا ضمن التكتل في حال استحقوا اللجوء أو إعادتهم إلى بلدانهم ما لم يستحقوه.

لكن إقامة المراكز التي سيتم تمويلها من الاتحاد الأوروبي هو أمر يعود إلى الدول الأعضاء وسيكون “على أساس طوعي” كما هو الحال بالنسبة إلى مسألة نقل طالبي اللجوء الذين يتم توقيفهم في المراكز.

وبينما رحبت إيطاليا بالاقتراح إلا إنها لم توضح ما إذا كانت ستقيم مراكز من هذا النوع على أراضيها. وفضل الاتحاد استخدام مصطلح مراكز “خاضعة للمراقبة” بدلا من “مغلقة”.

*حركات داخلية: يتضمن الاتفاق فقرة للحد من تنقل المهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي. وتشكل ما تسمى “الحركات الداخلية” محور التوترات بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والحزب الرئيسي المتحالف مع حكومتها الاتحاد المسيحي الاجتماعي الذي هدد بأن تتم بشكل منفرد إعادة المهاجرين الذين يتم تسجيلهم في بلدان أخرى لدى وصولهم إلى الحدود الألمانية.

وأوضحت استنتاجات الاتفاق أن “على الدول الأعضاء اتخاذ جميع الإجراءات التشريعية الداخلية والإدارية الضرورية لمواجهة حركات من هذا النوع والتعاون عن قرب بين بعضها البعض لتحقيق هذا الهدف”.

*الحدود الخارجية: ينص الاتفاق على زيادة موارد وكالة حرس الحدود الأوروبية، التي يطلق عليها فرونتكس، (دون تحديد أرقام) وتوسيع صلاحياتها.

ويخطط كذلك لتعزيز الدعم لخفر السواحل الليبي ويدعو في تحذير للمنظمات غير الحكومية “جميع المراكب التي تعمل في المتوسط” إلى الامتثال للقوانين المطبقة وعدم تعطيل عمليات خفر السواحل الليبي.

وفي جزئية أيدتها مالطا وإيطاليا على وجه الخصوص، اتفق القادة الـ28 على الإفراج عن رزمة تمويل ثانية بقيمة ثلاثة مليارات يورو لمساعدة اللاجئين في تركيا والمساهمة في صندوق الاتحاد الأوروبي لأفريقيا بهدف خفض الهجرة إلى أوروبا من نقطة انطلاقها الأساسية.

*اتفاقية دبلن: كان من المفترض أن تكشف القمة عن تسوية بشأن هذا التشريع الأوروبي الذي يحمّل بلدان الوصول مسؤولية معالجة طلبات اللجوء. لكن الخلافات لا تزال كبيرة بشأن هذه النقطة ما يصعّب إدخال تعديلات عليها.

وقال الاتفاق عن التعديل الذي تعثر إتمامه على مدى سنوات إنه “يجب التوصل إلى تسوية بشأن نظام دبلن ليتم إصلاحه على أساس يحقق توازنا بين المسؤولية والتضامن”.

وتقترح المفوضية الأوروبية عدم التقيّد بهذا المبدأ في أوقات الأزمات مع إعادة توزيع طالبي اللجوء من نقطة وصولهم. لكنّ دولا على غرار المجر وبولندا إلى جانب النمسا ترفض هذه الفكرة، وتطالب إيطاليا بوضع نظام دائم لتوزيع طالبي اللجوء والتخلي عن مبدأ مسؤولية بلد الوصول بمجمله.

 

7