الجزائر: الوزير الأول يروّج لثقافة المناشدة

ثقافة المناشدة حديثة العهد على الشعب الجزائري، ولكن أصبح من المؤكد راهنا أن أحزاب الموالاة والنقابات الرسمية والروابط الممولة من طرف أجهزة الحكومة تحاول اختراع وتعميم هذه الثقافة.
الخميس 2018/06/28
أويحيى يدافع عن مصالحه الشخصية لكي يبقى في سدة الحكم

كل الدلائل تؤكد الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن النظام الجزائري قد أصبح يعاني فعلا من أزمات سياسية حادة ومركبة، ويحاول تسييرها بواسطة قيام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بسلسلة الإقالات التي شملت بعض الشخصيات السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية المهمة.

علما أن الهدف المضمر من ورائها ليس تجديد الدورة الدموية للسياسة الوطنية، إنما من أجل أن يحصل هذا النظام المتهالك على أي مصداقية ما في الجزائر العميقة، وبهدف تحقيق طموح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في البقاء في منصب رئيس الجمهورية وضمان العهدة الخامسة أو ترشيح شخصية يزكيها هو شخصيا وتحظى على نحو متزامن بموافقة جماعة تلمسان والغرب الجزائري في حالة تفاقم وضعه الصحي.

في هذا المناخ الذي يتميز بالصراع المحتدم على السلطة خرج الوزير الأول أحمد أويحيى خلال هذا الأسبوع إلى العلن مناشدا الرئيس بوتفليقة بقوة وإصرار أن يترشح للعهدة الخامسة ليواصل حكم البلاد، وهو يعرف تماما أن رياح الظروف الصحية التي يعاني منها رئيس البلاد منذ 2013 إلى يومنا هذا تجري بما لا تشتهي سفن المناشدين مثله.

إن تحركات أحمد أويحيى تبرز أن الانتخابات الرئاسية القادمة محسومة مسبقا، وأن المعارضة هي مجرد شكل هلامي لن يؤثر في مجرى الحياة السياسية بأي شكل من الأشكال. كما أن تحوَل أويحيى إلى مناشد يعني في التحليل الأخير أنه يدافع عن مصالحه الشخصية لكي يبقى في سدة الحكم، خاصة وأنه قد تعلم الدرس جيدا من المصير البائس الذي انتهى إليه رئيس الوزراء والأمين العام السابق علي بن فليس عندما صار خصما لدودا للرئيس بوتفليقة ولجماعة الغرب الجزائري، وبسبب ذلك أقصي من جهاز الحكم ومن المشهد السياسي لفترة طويلة، ويعامل حزبه الذي يعاني من ضعف الإطارات التي توجد في قمة هرمه ومن عدم الوضوح العقائدي، ومن دكتاتورية بن فليس نفسه وذلك منذ إنشائه إلى يومنا هذا.

ويقرأ محللون سياسيون جزائريون لهم دراية بلعبة الصراع السياسي في الجزائر حركة أويحيى هذه على أنها ليست ارتجالية بل هي محسوبة بدقة، وتدخل في إطار التسليم بالولاء والطاعة المطلقين للرئيس بوتفليقة لكي يضمن بذلك مقعده السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2019. وعلى هذا الأساس أيضا يمكن فهم أسباب تكالب أحزاب الموالاة على مناشدة الرئيس بوتفليقة للترشح للعهدة الخامسة، وهي بدورها لا تخرج قيد أنملة في مسعاها عن مخططات الوزير الأول أحمد أويحيى الذي يناور باستمرار لكي يبقى حيا يرزق في الساحة السياسية الجزائرية.

ويمكن لنا أن نستنتج من تحركات أحمد أويحيى أن الحكم في الجزائر قد أصبح الآن، وعلى نحو لا جدال فيه، بين أيدي جماعة تلمسان بشكل كامل، وأن أمازيغ الشمال الجزائري المدعوين بالقبائل والقاطنين في ثلاث محافظات وهي بجاية وتيزي وزو والبويرة، وأحمد أويحيى واحد منهم، قد أصبحوا بلا رموز تاريخية تقودهم خاصة في ظل إفلاس كل من حزبي القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية جراء تخليهما عن فعل المعارضة الحقيقية.

إن هذا الوضع حوّل قيادات هذا القطاع من الأمازيغ إلى مجرد مناشدين ومطبلين للنظام الحاكم بقيادة مجموعة تلمسان والغرب الجزائري وذلك بهدف ضمان حصتهم من الكعكة. لا شك أن النظام الجزائري قد تمكن من تقسيم الأمازيغ إلى ملل ونحل متناقضة، بعضها مغضوب عليها جراء رفضها الاصطفاف مع طابور الموالاة مثلما هو حال بعض قيادات أمازيغ الأوراس المبعدين عن الحكم والذين يحاول علي بن فليس عبثا أن يظهر كممثل لهم بعد خروج الرئيس السابق اليمين زروال نهائيا من المسرح السياسي الوطني منذ زمان.

وفي الواقع فإن ثقافة مناشدة الرؤساء حديثة العهد على الشعب الجزائري، ولكن أصبح من المؤكد راهنا أن أحزاب الموالاة والنقابات الرسمية والروابط المهنية والثقافية الممولة من طرف أجهزة الحكومة وعلى رأسها وزارات الثقافة والتكوين المهني والإعلام، ومعها شخصيات ذات نفوذ ومعروفة بإتقان الرقص في كل أعراس السلطة، تحاول جميعا وبكل الطرق اختراع ثم تعميم هذا النمط من الثقافة الخبيثة في نسيج الحياة الاجتماعية والسياسية الجزائرية.

لا شك أن النظام الجزائري قد تمكن من تنفيذ سياسات رسخت ثقافة الموالاة، وخطب المناشدة، وتزييف الوعي الاجتماعي والسياسي وفي مقدمتها الثقافة التي أسستها سياسات شراء ذمم الشبان بالمال، والتي نفذت في صورة تقديم قروض لإنشاء مؤسسات اقتصادية عرجاء لهم، وكذلك صيغ تشغيل الشباب التي لم تقدم لهم سوى الوهم لأنها لم تنقذ حقيقة الملايين من الشبان من شبح البطالة والفقر إلى يومنا هذا.

9