حالة طوارئ في تركيا: تعبئة عامة لمراقبة صناديق الاقتراع

أنقرة – في أجواء من الحر الشديد في المركز الصغير في إسطنبول، يصغي المئات من الأشخاص باهتمام إلى الحديث وهم يدونون ملاحظات عن الدرس المتعلق بكشف وإحباط محاولات محتملة لتزوير انتخابي.
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة التي تجري الأحد، تشهد تركيا تعبئة لأحزاب معارضة وجمعيات ومواطنين عاديين لمراقبة صناديق الاقتراع والتأكد من عدم حدوث أي مخالفة.
وتفرض شفافية التصويت نفسها كقضية أساسية في هذه الانتخابات التي تعد أكبر منافسة يخوضها حزب العدالة والتنمية ورئيسه ورئيس البلاد رجب طيب أردوغان منذ وصولهما إلى السلطة قبل 15 عاما.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتائج التصويت في الانتخابات التركية قد تكون أكثر تقاربا مما كان متوقعا عندما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان الانتخابات المبكرة في أبريل، الأمر الذي يشير إلى احتمال خوضه جولة ثانية من انتخابات الرئاسة وأن حزبه، العدالة والتنمية، قد يفقد أغلبيته البرلمانية. غير أن المعارضة تقول إن تغييرات في قواعد الانتخابات أقرها البرلمان فتحت الباب أمام التلاعب في يوم التصويت.
وللمرة الأولى، انضمت سيلتشان إلى حزب لتكون شاهدة في مراكز الاقتراع، في قرار جاء بعد دخول قانون انتخابي جديد مثير للجدل حيز التنفيذ واتهامات بوقوع مخالفات خلال استفتاء على تعديل الدستور الذي جرى في 16 أبريل 2017، ومنح الرئيس سلطات موسعة ومطلقة.
وتقول سيلتشان، وهي تركية في العقد الثالث من عمرها، “نحن قلقون (…) كان للاستفتاء تأثير كبير علينا”. وتحدثت عن قلقها خلال ورشة تأهيل نظمتها في إسطنبول المنظمة غير الحكومية التركية “التصويت وما وراءه” (اوي في اوتيسي) التي تعمل من أجل شفافية الانتخابات.
وعلى غرار سيلتشان، سيتوزع عشرات الآلاف من الأشخاص الأحد في مراكز الاقتراع للسهر على حسن سير الاقتراع.
وقالت غوزدي أليف سويترك، رئيسة المنظمة التي تأمل في تأهيل بين خمسين وستين ألف شاهد قبل الاقتراع، “بقدر ما تكون المراقبة أكبر تصبح المشاكل أقل”. لكن الدعوة إلى هذه الانتخابات قبل موعدها الذي كان مقررا في نوفمبر 2019، باغتت الجمعيات وأحزاب المعارضة التي يتوجب عليها أيضا التكيف مع قواعد انتخابية جديدة.
ومن بين الإجراءات التي تثير استياء كبيرا، القبول بالبطاقات والمغلفات التي لا تحمل ختم السلطات المحلية، مع أن المراقبين يعتبرون هذا الختم حصانة من حشو صناديق الاقتراع. وكانت اللجنة الانتخابية العليا أدرجت في اللحظة الأخيرة هذه القاعدة خلال الاستفتاء الذي أقر التعديل الدستوري بفارق طفيف (51.4 بالمئة) بينما تحدثت المعارضة عن تزوير في اتهام رفضته الحكومة.
وقالت المحامية ياسمين أولوشان، التي تنظم دورات لزملائها الذين يريدون المشاركة في مراقبة الانتخابات، “سيكون ذلك أول أمر يجب مراقبته”. ولاقتراع الأحد، انضمت حوالي ثلاثين نقابة في خطوة غير مسبوقة، لإرسال محامين إلى مراكز الاقتراع. وقالت أولوشان “سنشكل خلية أزمة”.
وتسمح التغييرات التي طرأت على القانون الانتخابي بقبول أوراق التصويت غير المختومة بخاتم المجلس الانتخابي المحلي، الأمر الذي يمثل اعتمادا رسميا لما كان يحدث من قبل وأدى إلى انتقادات واسعة من معارضي الحكومة وأثار قلق مراقبي الانتخابات في استفتاء أبريل.
ووعد رئيس المجلس الانتخابي الأعلى سعدي غوفن بأن تكون الانتخابات “آمنة جدا” و”شفافة”، كما سمحت الحكومة لمراقبين أجانب بالتوجه إلى تركيا، لكن هذا لا يكفي لطمأنة المعارضة، التي تكافح لتوصيل أصواتها في الإعلام التركي في ظل سيطرة الحكومة عليه.
وقال كمال كيليشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، “لا أثق في المجلس الانتخابي الأعلى”، في حين أكد عضوان معارضان في هيئة مراقبة البث التلفزيوني (آرتوك) أن محطة التلفزيون الرسمية الرئيسية في تركيا خصصت 67 ساعة من بثها للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الشهر الماضي في إطار الاستعداد للانتخابات، في حين لم يحظ منافسه الرئيسي محرم إينجه سوى بأقل من سبع ساعات.
وقال أوميت أوزداج، نائب رئيس حزب الخير المعارض الذي حصل على 12 دقيقة فقط من البث التلفزيوني في احتجاج بمقر هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي.آر.تي) في الآونة الأخيرة “يخصصون البث المساند للحكومة بما ندفعه من ضرائب”.
ويقول معارضون إن احتكار أردوغان لوسائل الإعلام أكبر عقبة تقف في سبيل حرية ونزاهة الانتخابات التي تجري في ظل حالة الطوارئ السارية منذ انقلاب فاشل وقع قبل عامين. ولا يتوقف الأمر على وسائل الإعلام الرسمية بل تمتد سيطرة الرئيس على وسائل الإعلام الخاصة. وفي مارس باعت شركة دوغان القابضة، التي تعتبر من أعمدة المؤسسة العلمانية في تركيا صحيفة حريت، أوسع الصحف انتشارا، وعددا من قنوات البث من بينها سي.إن.إن ترك إلى شركة دميرورين القابضة التي تملك اثنتين من الصحف اليومية المؤيدة للحكومة. ولم يتبق سوى عدد محدود من الصحف التي لا تؤيد أردوغان، والتي تواجه عملية تضييق.
محطة تلفزيونية تركية تبث النتائج قبل أيام من الانتخابات

أنقرة – كشفت محطة تلفزيونية مؤيدة للحكومة التركية عن نتائج الانتخابات الأولية التي أظهرت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد فاز بنسبة 53 بالمئة من الأصوات في الساعات الأولى من صباح الخميس، وفقا لموقع “أودا تي في” الإخباري القومي.
وفي حوالي الساعة الثانية فجرا، قامت وكالة الأنباء التركية الرسمية “أناضولو” بنشر النتائج الأولية لانتخابات 2018، والتي أظهرت قيما مسبقة لنتائج الانتخابات النهائية. وفي البث التلفزيوني، فاز رجب طيب أردوغان بـ53 بالمئة من الأصوات، وفاز محرم إنيجه بنسبة 26 بالمئة من الأصوات، وأكشينار بنسبة 12 بالمئة، وصلاح الدين ديمرطاش بنسبة 7 بالمئة، فيما فاز المرشحون الباقون، تامال كارامول أوغلو ودوغو بيرينشيك، بنسبة1 بالمئة لكل منهما.
وقد تمثل نسبة الأصوات التي حصل عليها ديمرطاش، وهي نسبة أقل مما تشير إليه استطلاعات الرأي، الأمل بالنسبة إلى من أدخل هذه الأرقام في ألا يحقق حزبه، حزب الشعوب الديمقراطي، نسبة الـ10 بالمئة التي تؤهله لدخول البرلمان، مما يضمن للحكومة الفوز بأغلبية أصوات المنتخبين.
وقالت منظمات حقوقية إن “قدرة الناخبين محدودة للغاية على الوصول إلى المعلومات والتغطية الإخبارية المستقلة والتعليقات التي لا تخضع لسيطرة الحكومة عن كل المرشحين والأحزاب المتنافسة في الانتخابات”.
ووجه أردوغان انتقادات متكررة لوسائل الإعلام المستقلة على تغطيتها السلبية للحملة التي شنتها الحكومة بعد الانقلاب الفاشل في 2016 وكذلك لعمليات الجيش التركي في شمال سوريا. وقد تم احتجاز أكثر من 120 صحافيا وإغلاق أكثر من 180 وسيلة إعلامية للاشتباه في صلتها بشبكة فتح الله غولن الذي يقيم في الولايات المتحدة وتتهمه السلطات بتدبير محاولة الانقلاب. وقال أحمد شيك، الصحافي والمؤلف البارز، الذي كانت أقسى الأحكام من نصيبه وهي السجن سبع سنوات ونصف السنة، “لفترة طويلة جدا حدث قمع شديد للغاية لوسائل الإعلام وهيمنة عليها. وسائل الإعلام الرئيسية إما منحازة للحزب الحاكم أو استسلمت للحزب الحاكم أو ركعت أمامه”. وأضاف أن محطات البث في تركيا عبارة عن “صوت واحد وقنوات عديدة”.
وفي تحد للسلطة ورفض لسياساتها، رشح أحمد شيك نفسه في الانتخابات البرلمانية عن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد.
وبات هذا الحزب يفرض حضوره منذ الانتخابات البرلمانية في 2015. وفي انتخابات 2018 أيضا، يتوقع أن تحدد أصوات الأكراد جزئيا النتيجة. فإذا حصل حزب الشعوب الديمقراطي، أكبر حزب موال للأكراد، على أكثر من عشرة بالمئة من الأصوات التي تسمح له بدخول البرلمان، يمكن أن يحرم حزب أردوغان (العدالة والتنمية) من أغلبيته.
وعلى الرغم من الاستعدادات التي يقومون بها، يخشى المراقبون عمليات تزوير في بعض مناطق جنوب شرق تركيا حيث الأغلبية كردية، التي يصعب الوصول إليها وتصعب مراقبتها، في حين تؤكد الأحزاب المعارضة أن التزوير قد لا يقتصر على المناطق البعيدة فقط، مشيرة إلى أن التغييرات في قواعد الانتخابات التي أقرها البرلمان قبل ثلاثة أشهر تفتح الباب أمام التلاعب في يوم التصويت.
وستراقب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الانتخابات غير أن جماعات حقوقية دولية وساسة معارضين يقولون إن القيود المفروضة على حرية الصحافة ألقت بظلها على شرعية الانتخابات. وطالب الأمير زيد بن رعد الحسين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان مرارا برفع حالة الطوارئ.
وقال “من الصعب تصور كيف يمكن أن تكون للانتخابات مصداقية وهي تنعقد في مناخ تفرض فيه عقوبات في غاية القسوة على الآراء المعارضة للحزب الحاكم”.