الخرطوم تغرق في حرب مفتوحة على تجار العملة

الخرطوم – أثار مشروع قانون يجرم المتاجرة بالعملات الأجنبية في الأسواق السوداء موجة من الجدل في السودان بسبب صرامته، حيث تبرره السلطات بمحاولة حماية الاقتصاد، الذي لا يزال يعاني من آثار العقوبات الأميركية.
وتتزايد الضغوط على الحكومة للإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية جديدة للحد من تراجع قيمة الجنيه ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستقرة.
ويصر المسؤولون الحكوميون على أن قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي بوضعه الحالي يدعم اقتصاد البلاد في ظل الأوضاع الراهنة وأنه لا يمنع الحيازات النقدية أو المتاجرة بها لعموم السودانيين.
ويؤكد مساعد محمد أحمد نائب محافظ البنك المركزي أن التطورات الاقتصادية في البلاد أدت إلى مراجعة بعض القوانين التي تحكم الأنشطة الاقتصادية بغرض إحكامها حتى تكون أكثر وضوحا للمتعاملين.
وقال إن “بعض المستجدات تقتضي تعديل قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبي لعام 1981”، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي من المشروع هو حماية الاقتصاد السوداني من التلاعب بالنقد الأجنبي.
وناقشت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس الوطني (البرلمان) الأحد الماضي، المشروع، الذي يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ هذا الصيف، إذ اعتبر قاسيا لأنه يفرض غرامات وعقوبة بالسجن تصل إلى 15 عاما.
ووصف البرلماني المستقل مبارك عباس القانون الجديد بأنه “شوكة في خاصرة البلاد” كونه يمنع حيازة العملات الأجنبية، فضلا عن أنه “يضع المتعاملين خارج القنوات الرسمية في درجة المجرمين”.
ونسبت وكالة الأنباء الرسمية السودانية لعضو اتحاد أصحاب العمل، ياسين إبراهيم، قوله إن “القانون يمثل حصارا داخليا على أصحاب العمل” مطالبا الحكومة بمراجعة السياسات الاقتصادية بالطرق السليمة.
واعتبر علي أبرسي، نائب رئيس الاتحاد، القانون نموذجا للإفرازات والسياسات المالية والاقتصادية الفاشلة، مؤكدا أنها تفاقم أزمة الوقود والمواصلات والاستيراد وشح السيولة النقدية.
ويتضمن المشروع، إلى جانب منع تجارة النقد الأجنبي، حظر تجارة الذهب والأحجار الكريمة وما في حكمها، ويستثنى الأشخاص المرخص لهم والمصارف والجهات المعتمدة بالتعامل بالنقد الأجنبي كمكاتب الصرافة.
ويطالب خبراء ومصرفيون منذ فترة بتسريع اعتماد وسائل الدفع والخدمات الإلكترونية في التعاملات التجارية بهدف معالجة مشاكل تداول العملات الأجنبية وخاصة المزورة في الأسواق السوداء، وبالتالي الحد من استمرار تدهور الجنيه في السوق السوداء.
وتعد قضية التزوير واحدا من أهم مصادر القلق لدى حكومات العالم، في العادة، خاصة بعد أن تطورت أساليب الاحتيال. ولعل السودان من بين الدول المتضررة من هذه الظاهرة، التي ترعرعت بسبب غياب الرقابة على ما يبدو.
وفقدت العملة المحلية الكثير من قيمتها، ويؤكد متعاملون في السوق السوداء أن العملة المحلية هبطت إلى نحو 38 جنيها للدولار، متوقعين المزيد من التراجع في قيمتها في الفترة المقبلة.
وكانت السلطات قد أطلقت سلسلة من الحملات خلال الأشهر الماضية على تجار العملة في السوق السوداء لكبح نشاطهم المتزايد الذي قوض النظام المصرفي، في حين توقف البعض من المستوردين عن ممارسة أعمالهم نتيجة تقلص المعروض من الدولار.
ومع ذلك، خابت التوقعات المتفائلة داخل الأوساط الاقتصادية والشعبية، عقب إلغاء الحظر التجاري الأميركي، بتحسن سعر صرف الجنيه، الذي تعرض لمضاربة من تجار العملات، تسببت في انخفاض قيمته بشكل لافت مقابل العملات الأجنبية.
ويعاني السودان منذ سنوات، وخاصة منذ انفصال الجنوب في 2011، من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية للحكومات المتعاقبة للرئيس عمر البشير والتي لم تجد الاستراتيجية الملائمة للخروج من الدائرة المفرغة للأزمات المتلاحقة.
والتحقت الخرطوم بركب تونس والجزائر ومصر، التي أعلنت عن حزمة تدابير الغاية منها خفض الواردات وإعادة ضبطها لتقليل الطلب المتزايد على النقد الأجنبي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.
لكن الخط الذي تسير فيه البلاد يظهر حجم ارتباك السلطات التي تغير تحالفاتها بين فترة وأخرى وكان آخرها مع تركيا، وقد ازدادت متاعبها الاقتصادية قبل سنوات حين راهنت على التقارب الاقتصادي مع إيران.
ورافقت إقرار موازنة العام الجاري، زيادة سعر الدولار الجمركي لثلاثة أضعاف قيمته السابقة من 6.6 جنيه إلى 18 جنيها بهدف تقليص العجز التجاري.
وأصدر المركزي في مايو الماضي ضوابط جديدة، اشترط فيها عدم السماح بالاستيراد قبل الحصول على موافقة الجهات المختصة، وإلغاء الاستيراد دون تحويل قيمتها، ويستثنى من ذلك استيراد القمح والوقود.
كما حظر تنفيذ أي عمليات استيراد من الموارد الذاتية بالنقد الأجنبي، على أن تقوم المصارف بتمويل العمليات المسموح بها من مواردها المتأتية عن عائدات الصادرات.