جرّب نار الغيرة

في أوروبا لا أحد من “كبار القوم” سعد وهلّل كثيرا بعد فوز ريال مدريد بلقب دوري الأبطال للمرة الثالثة على التوالي والـ13 في تاريخه، طبعا هناك قلّة قليلة لمن يهوى فريقا آخر دون الريال سرّه ما فعله أبناء المدرب المستقيل زين الدين زيدان.
لكن من يمكن أن يكون أكثرهم حنقا وغضبا وتضايقا بعد هذا الإنجاز التاريخي؟ ربما يمكن التكهن والتأكيد أن برشلونة ذلك الغريم التقليدي بأنصاره وإدارته ولاعبيه الحاليين والسابقين هم أكثر من شعر بهذا الاستياء والحنق بعد التتويج الكبير للريال.
فإلى اليوم وبعد انقضاء أكثر من أسبوع على تلك السهرة التاريخية التي احتفى خلالها فريق “الميرنغي” مع أنصاره بالـ13، فإن أغلب مكونات “المعسكر الكاتالوني” تشعر ببعض من الغيرة ممّا حققه فريق العاصمة، ربما ليست بعضا من الغيرة فقط، بل أكثر من ذلك بكثير.
فما حقّقه برشلونة لدى الغالبية لا يمكن بالمرة أن يساوي ولو ربع ما حصده الريال في ضربة واحدة، لو تم جمع ثلاث بطولات محلية ومثلهما من الكؤوس الملكية وأكثر، فإن الشرب من كأس المسابقة الأوروبية المجيدة له حلاوة لا تضاهى، لأن مفعول “الماء” من هذه الكأس يبدو وكأنه سرمدي أزلي خالد، في حين يمضي غير ذلك إلى زوال.
أكثر من أسبوع مرّ على نهائي كييف ضد ليفربول، لكن التصريحات الواردة من معسكر برشلونة لم تمرّ، ويكاد الجميع هناك يدلي بدلوه تعقيبا وتعليقا على ما حققه الريال للمرة الثالثة على التوالي.
تحدث اللاعب السابق والقائد القديم للفريق البرشلوني كارليس بويول عن أسباب فوز الريال وتألقه أوروبيا، تبعه في ذلك اللاعب والمدرب الأسطوري السابق لفريق كاتالونيا بيب غوارديولا وحاول تقديم تفسيرات جعلت الريال يفوز أوروبيا مقابل فشل برشلونة.
تبعهما بعد ذلك القائد المغادر أندريس إينييستا وحدّد الفوارق “السبعة” التي رجّحت كفّة الريال أوروبيا مقارنة ببرشلونة، قبل أن يدلي قائد سابق آخر بدلوه في الموضوع، وهو تشافي هيرننداس ليحدّد أيضا مكامن الضعف وعوامل قلة تأثير فريق كاتالونيا على الساحة الأوروبية.
اعتقدت لوهلة أن الحديث من قبل “أساطير البرسا” عن إنجازات ريال مدريد الأوروبية مؤخرا قياسا بما قدّمه برشلونة مرتبط بغيرة مفرطة من الجار اللدود.
اعتقدت أن المطربة الجزائرية الراحلة وردة كانت سابقة عصرها وتكهنت بما سيحصل في هذا الزمن الكروي عندما أنشدت رائعتها “جرّب نار الغيرة”. اعتقدت أن ليس في الأمر لبس وكل التصريحات الصادرة من بويول وغوارديولا وإينييستا وتشافي وغيرهم، كلها تندرج ضمن هذه الخانة، كلها تحاكي وتتماهى مع بعض كلمات تلك الأغنية الشهيرة التي ملأت الدنيا واشتهرت خلال حقبة التسعينات.
الفنانة الراحلة تحدّثت في هذه الأغنية التي تحمل مفردات من اللهجة المصرية العامية عن الألم الذي يشعر به كل مغتاظ متضايق، تحدّثت عن نار الغيرة وأشواكها، أشارت إلى مرارة هذا الشعور الذي ينهك كل من يشعر بالغيرة.
بيد أن الأقسى والأقصى من ذلك أنها راوحت في مقاطع هذه الأغنية بين ريال مدريد وبرشلونة وتحدّثت عنهما عندما “شعرا بالغيرة” من بعضهما، فالريال غار كثيرا بعد أن تربع برشلونة على العرش محليا واكتسح لقب الدوري ثم رفع الكأس عاليا، مؤكدا بذلك أفضليته في إسبانيا على امتداد أغلب السنوات الأخيرة.
الريال بعد أن اكتوى بنار هذه الغيرة أصر على أن يذيقها لغريمه البرشلوني، فلم تخطئ وردة عندما تضمنت أغنيتها بعض المفردات التي جسّدت بشكل كبير حالة الريال بعد الظفر بالكأس الأوروبية، ولعل مقطع “يا ما الغيرة خذتني قدامك وجابتني وأنت في ناري فايتني.. قلت أذوقها لك وتجربها شوية” تحكي قصة هذه الغيرة المتبادلة.
قطعا فإن “نار هذه الغيرة” تبقى أكثر تأثيرا لدى برشلونة قياسا بالريال، ومن المؤكد أنها غيرة إيجابية محفزة، هي ليست هدّامة بلا أدنى شك، لأن كل خطابات المؤثرين في الفريق الكاتالوني تنم بالأساس عن ضرورة تحسين السائد والتوق إلى التوسع أوروبيا والسير على خطى الغريم.
كل عبارات “الغيرة” هي بلا شك تنبع من قناعة قوية بقدرة برشلونة على تحقيق إنجازات كبيرة، فكل الظروف ملائمة وكل العتاد متوفر بقيادة الساحر الأسطوري ليونيل ميسي، بقي قليل من العزم والحماسة والكثير من العمل المدروس، حينها سيكون بمقدور “البلوغرانا” إغاظة “الميرنغي”.
فتصريحات بويول التي أشار خلالها بضرورة تقوية الصفوف بلاعبين جدد حتى يكون بمقدوره المراهنة بأكثر ضراوة أوروبيا تندرج قطعا ضمن سياق التحفيز، وما قاله تشافي الذي ألمح إلى وجود بعض الهنات والنقائص هي أيضا تدخل ضمن هذا الباب، وأيضا فإن ما ذكره إينييستا الذي تحدّث عن وجود بعض التراخي كلما بلغ الأدوار المتقدمة في دوري الأبطال يصب كذلك في بحر البحث عن الحلول الكفيلة بتجاوز هذه المشاكل، ومن ثمة السير على خطى الريال أوروبيا.
لكن إلى أن يتحقّق هذا الإصلاح ويبلغ برشلونة مراده ستظل وردة تصدح “جرّب نار الغيرة” ردحا طويلا من الزمن إلى حين أن يحصد برشلونة تتويجات عديدة، ليضيفها إلى كؤوسه الخمس في دوري الأبطال علها تقلص الفارق الكبير وتقربه من الريال صاحب الـ13 كأسا.