رائحة الغربة تفوح من موائد إفطار النازحين في سوريا

النازحون في مراكز الإيواء المختلفة يجدون صعوبة في تأمين متطلباتهم في شهر رمضان لقلة المواد الغذائية.
الجمعة 2018/06/01
وجبة على قد الحال

معرة مصرين (سوريا)  – بعد سنوات تحت وطأة الحصار، باتت أم سامر اليوم قادرة على تحضير وجبات إفطار شهر رمضان ولا تخشى قلة المواد الغذائية أو ارتفاع كلفتها، لكن ذلك لا يبدد الشعور بالغربة التي تعيشها بعيدا عن منزلها في الغوطة الشرقية قرب دمشق.

في بلدة معرة مصرين في محافظة إدلب (شمال غرب سوريا)، اتخذت أم سامر (51 عاما) وأفراد عائلتها من غرفة صغيرة جدرانها من الطين وسقفها عبارة عن ألواح خشبية، منزلا لهم بعدما تم إجلاؤهم قبل شهرين من الغوطة الشرقية في دمشق. تقول أم سامر “صحيح الطعام متوفر هنا، لكن الغربة صعبة علينا”، متمنية أن تعود إلى منزلها، وأن يحظى أطفالها بالاستقرار والأمان.

وتجلس أم سامر على الأرض إلى جانب موقد غازي صغير، وهي تقطع شرائح الباذنجان وتضعها في قدر أمامها مع البصل والطماطم والبطاطا، تخلطها جيدا في انتظار أن تنضج لتصبح وجبة “المطبق” الشهيرة جاهزة على مائدة الإفطار. وتقول المرأة سمراء البشرة التي ترتدي عباءة سوداء طويلة “خلال رمضان العام الماضي، كنا نأكل الفجل والبقدونس والسبانخ والكزبرة”، مضيفة “لم نكن قادرين على شراء أي شيء” بسبب الغلاء الفاحش في أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت. وتتابع “لم نكن قادرين على شراء بسكويت للأطفال”.

ويُعد رمضان شهرا يجتمع فيه الأقارب والأصدقاء حول موائد الإفطار والسحور، لكن الحرب فرقتهم عن بعضهم البعض لتواجه العائلات النازحة مصيرا مجهولا، وتقول أم سامر “لم نكن نتجرأ على زيارة بعضنا البعض” في الغوطة الشرقية، أما في إدلب “فالأمور اختلفت”.

وفور ارتفاع صوت الآذان تشرع العائلة في تناول الطعام الذي وضعته أرضا، وهو عبارة عن طبقَين من الأرز الأصفر و”المطبق”، بالإضافة إلى اللبن والسلطة.

ورغم الهدوء والشعور بالأمان لا تخفي أم سامر غصتها قائلة “تمنيت لو بقينا هناك رغم الحصار و قلة ذات اليد والضيق، الواحد منا يكون مرتاحا في منزله وأرضه”.

وتضيف “لا يوجد عمل هنا، ونادرا ما تهتم بنا المنظمات الإغاثية”.

وخلال شهر رمضان تقيم المنظمات والجمعيات الخيرية الإفطار الجماعي وتوزع على المحتاجين وجبات من الطعام.

في إدلب تحضر إحدى الجمعيات يوميا العشرات من الوجبات المكونة من الأرز واللحم، وقبل موعد الإفطار ينتظر رجال ونساء في طوابير طويلة للحصول على حصصهم.

شهر رمضان بلا طعم بعيدا عن الديار والأهل باعتباره شهر يجتمع فيه الأقارب والأصدقاء حول موائد الإفطار والسحور

في شهر أبريل غادرت أم محمد (53 عاما) مع زوجها وأولادها الأربعة بلدتها العتيبة في الغوطة الشرقية، لتقيم في مخيم يضم غرفا طينية قرب بلدة معرة النعمان، دون أن تفارقها ذكريات الحصار والشعور بالحسرة بسبب مقتل اثنين من أولادها جراء القصف.

وتقول أم محمد “أذكر أنه مرّ علينا 11 يوما دون أن أضع طبخة على النار.. كان الطعام يصلنا ولكن بأسعار مرتفعة جدا. والذي لا يملك مالا لا يستطيع أن يشتري غذاء”. وتروي أنها كانت تطبخ الحشائش الخضراء من سلق وسبانخ، مضيفة “كنا تحت الحصار، نأكل ما توفر، وإذا وفرنا بعض الأموال نأكل بشكل أفضل”.

وتفترش السيدة الأرض مع زوجها لتناول طعام الإفطار الذي حصلت عليه من منظمات الإغاثة، ويتكون من وجبتين من الأرز والدجاج والسلطة، وصفائح “لحم بعجين” أرسلها إليهما الجيران.

وتقول “نحمد الله على رمضان هنا، هناك فرق بينه وبين رمضان الماضي”، قبل أن تضيف بغصّة “أحاول ألا أتذكر شيئا لأنني سأجنّ. أكثر ما أفتقده.. أولادي”.

بعيدا عن منازلهم يجد النازحون من الغوطة الشرقية المقيمون في مراكز إيواء مختلفة صعوبة في تأمين متطلباتهم في شهر رمضان المبارك، وهم يسعون جاهدين إلى الحفاظ على البعض من طقوس الصيام في ظل ظروف الفقر والعوز، وما يأملونه خلال شهر الصيام هو العودة إلى ديارهم وعيش حياتهم من جديد.

في مركز إيواء النشابية بادر بعض السكان النازحين -بالتعاون مع الجمعيات الخيرية- بالمساعدة على تحضير وجبات جاهزة من الطعام لتقديمها إلى النازحين المقيمين في المركز عند الإفطار خلال رمضان.

يقول رضوان كحالة -وهو نازح من مدينة عربين- بينما يقوم بتحريك الأرز والبازلاء واللحم في قدرٍ كبير “نحن نتعاون مع بعضنا البعض على تحضير وجبات طعام الإفطار للنازحين في الموقع، ونعمل على تحضير الوجبات المطبوخة يومياً”.

مرّ سكان الغوطة الشرقية بظروف قاسية خلال السنوات السابقة، وعلى وجه الخصوص خلال شهر رمضان، يقول رضوان “لقد ضاقت بنا الدنيا، وشهدنا أوقاتا صعبة في أشهر رمضان خلال السنوات السابقة، ففي تلك الأوقات اشتد الغلاء في سائر الأشياء سيما الخضروات والفواكه، ولم نكن نحصل إلا على القليل، فأطفالي لا يعرفون الموز حتى الآن”.

يعيش رضوان حالياً مع أخيه في مركز النشابية، وهو يتمنى أن يلتقي بأطفاله الثلاثة وزوجته، الذين كانوا قد فروا قبل عدة سنوات إلى مدينة صحنايا بريف دمشق، يقول “كل ما أتمناه في هذا الشهر الكريم هو أن ألتقي بأبنائي، وأن أضمهم إلى صدري، وأن يضموني هم إلى صدورهم أيضا، فقد مروا بظروف قاسية، وأتمنى أن يعيشوا أياماً أفضل من تلك التي مضت”.

تقول ملكة -وهي نازحة من بلدة بيت سوا في الغوطة الشرقية- “لم يقصّر المتطوعون السوريون في مد يد المساعدة لنا منذ وصولنا إلى مركز الإيواء، ولكننا بحاجة إلى الكثير من الأساسيات كالخضروات والفواكه، فمعظم الذين خرجوا من الغوطة يعانون من سوء التغذية، ولا يملكون النقود حتى لشراء قطعة من البسكويت لأطفالهم، والأمهات المرضعات بتن عاجزات عن إرضاع أطفالهن بسبب سوء التغذية”.

تقول رانيا اللحام (32 عاما) -وهي أم لثلاثة أطفال ووصلت إلى موقع النشابية بعد فرارها من مدينة حزة في الغوطة الشرقية منذ حوالي شهرين- “لم يكن لدي ما أقدمه لأبنائي الصائمين عند السحور لهذا اليوم (اليوم هنا نسبة إلى زمن التكلم).

وأنا أنتظر وجبة من المنظمات الخيرية. تلك هي أيامنا بعيدا عن بيوتنا وأهالينا في الغوطة”.

20