الكاتبة السعودية هنادي الوادعي: أكتب اليوميات كرواية

رغم حداثة سنها إلا أن تجربة الكاتبة هنادي الوادعي مرت بالكثير من الحالات النفسية والمزاجية فكانت شخصية سردية مركزية، منطلقة من الذات (الأنثى)، وتأملاتها اليومية.
الخميس 2018/05/31
لوحة: أنس سلافة

زكي الصدير

صدر مؤخراً عن دار أثر السعودية كتاب “سفانة” وهو الكتاب الأول للكاتبة السعودية الشابة هنادي الوادعي التي اهتمت في بنيته الفنية بتكامل النص السردي مع اختلاف الجنس المتكلم، محاولة من خلاله التوغل في نفسية الجنس الآخر عبر التحري الدقيق للتفاصيل الداخلية الصغيرة.

ورغم حداثة سنها إلا أن العمل على تجربتها الأولى استغرق أربع سنوت، بالتالي فقد مر بالكثير من الحالات النفسية والمزاجية، وتقلب القناعات، وتبدل الأفكار، حيث قد يلاحظ القارئ بعض التناقضات في المسار الكتابي بسبب النمو العقلي وتنامي النضج الفكري المنوط بتعدد القراءات لا العمر وحده بالنسبة للكاتبة.

 

تحاول الكتابة أن تكتشف مناطق جديدة للتعبير عن الأنا، فهي بين الحين والآخر تختبر أشكالاً للتعبير عن علاقة الذات بالآخر، وعلاقة الذات بذاتها. من هنا تولّد جيل ثقافي جديد في السعودية، يكتب وهو يجرب أشكاله الأدبية التي تعبّر عن أسئلته وأجوبته، محاولاً الوصول إلى صيغة أدبية ترضيه وترضي قرّاءه

تقول الوادعي متحدّثة لـ”العرب” عن مناخات كتابها المتكون من نصوص أدبية “كنت أحاول للأمانة أن أبرر تلك التناقضات، ولم أحذف منها أي شيء. على سبيل المثال قد أكتب فصلاً في بداية الكتاب يتحدث عن قناعة معينة، ثم أنقض جزءاً منه في آخره تحت سبب أن الإنسان كالشجرة، تبقى جذوره (مبادؤه) ثابتة، أما أوراقه فتتبدل وتسقط وتنمو من جديد (أفكاره وقناعاته). مع العلم أنني أسقطت نفسي في شخصية سفانة. ولست بشخصها”.

وتؤكد الوادعي في معرض حديثنا عن تجربتها في الكتاب على أنها تبني في كتابها “سفانة” شخصية سردية مركزية، منطلقة من الذات (الأنثى)، وتأملاتها اليومية، من جوانب متعددة، تتفاوت بين الوجودية الاجتماعية والثقافية والنسقية فيما يدور حولها. وكأنها تعيد صناعة العلاقات المزدوجة بين أشيائها؛ بين الأنثى والرجل، الأنا والله، الذات والآخر. حيث أن هذه هي الفكرة من كل الكتاب؛ أن تصبح هناك علاقة بين المرء وتفاصيله. تقول “في التفاصيل حياة أخرى لا ينتبه لها إلا متبصر، ولا يعيها إلا شخص يريد أن يحيا فعلاً لا أن يعيش فقط”.

نجحت ضيفتنا إلى حد كبير في تعميق أبعاد شخصيتها الأساسية “سفانة” من خلال ضمير الأنا المتكلمة. وكان السؤال لماذا لم تفكر في تشكيل نصها كرواية بدل تقديمه كنصوص في شكل يوميات.

تجيب “بالنسبة لي لم أجد نفسي ككاتبة روائية إلى الآن بهذا المعنى الدقيق. إن تشكيل شخصيات ومواقف وأحداث لا يناسبني. وكل إنسان لما خلق له. أما تصنيف الكتاب كنصوص فقد اعتاد الناس على فكرة واحدة تجاه النصوص (مقتطفات صغيرة) مع أنها تحتمل أكثر من معنى. ولم يكن هذا في صالحي ككاتبة جديدة، لولا أنه كان المعنى الأقرب في نظر دار النشر. ثم اقتنعت لسبب بسيط، وهو أن بقية التصنيفات المتاحة لم تمثلني”.

توغل في نفسية الجنس الآخر
توغل في نفسية الجنس الآخر 

تتفق كاتبتنا معنا على أن معظم الكاتبات العربيات يجنحن للسرد الرومانسي/ العاطفي، وهو نص متشابه بين جيل كبير من التجارب النسائية. وتعلّق بهذا الخصوص “الكاتب يحتاج إلى جزء من الحقيقة، كما قيل. وإن كانت هذه حقيقة الغالبية من النساء ونتاج أفكارهن. فقط، دون أن يكون الجانب العاطفي جزءاً من كثير. فقد صدق من قال ‘إنها أوقات عصيبة؛ الكل أصبح يؤلف الكتب‘. المغزى من الكتابة يتضح بعد الكتاب الأول عادة، سواء كان جانباً عاطفياً أو غيره”.

لا يشغل ضيفتنا ملف حقوق المرأة بقدر انشغالها بالإنسان وقضاياه النفسية، فحقوق المرأة -حسب قولها- أخذت من الكتب والندوات والمحاضرات والألسن كفايتها. وترى أن العالم العربي حالياً تشغله المئات من القضايا التي لا تحصر. وتجد نفسها مع جيلها في حالة وعي تجاه هذه القضايا حتى لو لم تتم مناقشتها بشكل استيعابي علنا وبكثرة.

تقول موضحة “من خلال محاوراتي الاجتماعية، ومتابعتي لرواد مواقع التواصل، ومن عامة الناس أجد أن الأفكار بدأت تتبلور عند الكثير، والاختلاف الصحي موجود، وتعدد الثقافات بدأ يزداد. هناك المهتم بالمذاهب، والمهتم بالفلسفة العربية، والفلسفة الغربية، والديانات، والأدب بأنواعه، وحقوق المرأة، والقضايا الوطنية، والرياضات الجسدية. هذه القضايا تتعدد بشكل مُرضٍ وصحي”.

يرى بعض النقاد أن إشكالية السرد الجديد لدى الأدباء الشباب هي غياب القضايا القومية والوطنية الكبيرة، وتقف ضيفتنا على النقيض من هذا الرأي وتقول مختتمةً الحوار “على العكس من ذلك، فالقضايا في هذا الجيل كثيرة ومتعددة، بل ومختلفة. ولأنني لم أستقصِ عن أي كاتب جديد لأسباب معينة -إلى الآن على الأقل- فلا أدري من تناول في الكتابة قضايا محددة، إن صح أنه لم يتتبع أي كاتب هذه القضايا فإني أُرجع السبب إلى الكاتب نفسه لا إلى غياب القضايا”.

وتضيف في الشأن نفسه “لا يخفى عليك أن هذا الجيل أصبح القارئ فيه نهماً تجاه الأدب الغربي لرقته وقوته في الوقت نفسه. وكثرة الترجمة ساعدت على ذلك فأدت إلى ميلهم إلى الكتابة السردية الأدبية. ولا أراها من هذا المنظور أبداً (فخ)، بل كما تنبأ أحدهم ‘الكتابة تنمو مثل بذرة وتهدد بإفشاء سر‘. وكل سر عبرة وعظة”.

15