توجهات إصلاحية إيجابية في منطقة الشرق الأوسط

لندن – توقع تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي الذي أصدره صندوق النقد الدولي انتعاشا اقتصاديا في كل من الاقتصادات المصدرة والمستوردة للنفط هذا العام والعام المقبل، لكنه حذر من أن إجراء إصلاحات أعمق ضروري لخلق فرص العمل والاستفادة من النمو الذي تشهده المنطقة وعودة الاستقرار إليها.
ويؤكد جهاد أزعور، مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أن الأمر ظاهريا آخذ في التطور ويوفر فرصة للحفاظ على محرك الإصلاح، مشيرا، في تصريحات لصحيفة “العرب ويكلي”، إلى أن التعافي الحالي الذي نشهده في المنطقة والتحسن العالمي في التوقعات يوفران الخلفية والبيئة المناسبة لدول المنطقة للإسراع في خططها الإصلاحية.
وخص صندوق النقد الدولي الدول العربية بالتحذير، منبها لخطورة التقاعس إزاء أزمة دين تلوح في الأفق. وحث على مواصلة إصلاحات اقتصادية للإنفاق الحكومي.
ويؤكد أزعور، الذي شغل في السابق منصب وزير المالية في لبنان في الفترة من 2005 إلى 2008 بعد عمله في القطاع الخاص في شركات الاستشارات والاستثمار، أن كلّا من الحكومات ليس لديها الآن الوقت للاسترخاء وتأخير خطة الإصلاحات.
وستكون هناك بعض التحديات أو المخاطر بالنسبة للتوقعات لهذا العام. على سبيل المثال، قد ترتفع أسعار الفائدة، وهذا ما يجب أخذه في الاعتبار، خاصة بالنسبة للدول المستوردة للنفط ذات مستويات الديون العالية. كما أن ارتفاع سعر برميل النفط، من 30 دولارا للبرميل في أوائل عام 2016 إلى حوالي 75 دولارا للبرميل، يمكن أن يسمح للمستوردين بالتسريع في عملية إصلاح خطة الدعم الحكومي.
وينطبق الشيء نفسه على العوامل الجيوسياسية التي يمكن أن يكون لها تأثير على فكر المستثمرين وينبغي أن تكون حافزا للحكومات من أجل تفعيل الإصلاحات للحفاظ على صورتها في المنطقة.
وأثارت بعض الخطط الإصلاحية التي أطلقتها دول في المنطقة مثل تونس ومصر والأردن ردود فعل شعبية غاضبة ضد هذه البرامج التي وصفتها بالقاسية، واعتبرت أن تعليمات صندوق النقد الدولي مجحفة، في حين يؤكد مؤيدو هذه الإصلاحات على أهميتها رغم أنها صعبة.
ويشيد أزعور بما يتحقق من تقدم، معتبرا أن هذا العام هو أفضل من العام الماضي أو السنوات السابقة بسبب التحسن في الأنشطة الاقتصادية والتوقعات. لذلك، من السهل متابعة خطة الإصلاحات في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى عندما كان مستوى النمو أبطأ. العنصر الثاني المهم هو عندما تقوم ببرنامج إصلاح شامل، فإن الهدف منه هو الحصول على مردود أسرع.
ويذكر أمثلة على ذلك منها مصر والمغرب اللتان أصدرتا أكثر من قانون إصلاحي في وقت واحد ومن ثم بدأ اقتصاد هذه البلدان في الانطلاق من جديد. ويعتقد أزعور أنه من المهم الاعتراف بأنه سيكون هناك شعور بالإحباط ولكنه سيستمر لفترة قصيرة، لكن الالتزام بالإصلاح يمكن أن يقلل من فترة عدم الراحة هذه في الوقت الذي يعطي المشهد الإيجابي الحالي خلفية أفضل للدول لمتابعة برنامجها الإصلاحي.
ويتوقف الخبير في صندوق النقد الدولي عند التجربة السعودية، مشيرا إلى أن البرنامج الإصلاحي الذي توصل إليه السعوديون هو المزيج الصحيح لخطط الإصلاحات. لكن المفتاح هنا هو التنفيذ والالتزام بها. ولكن المهم الآن ألا يأخذهم الرضا الكامل عن أنفسهم بسبب ارتفاع أسعار النفط، حيث ستواجه دائما التحديات عندما يكون لديك ارتفاع في سعر النفط ليجبرك على العودة إلى دورة العمل القديمة من الازدهار والكساد.
ويشير إلى أن التحديات الرئيسية أمام الحكومة هي مواصلة تنفيذ الإصلاحات، وتحقيق الأهداف التي حددتها للمالية العامة، والإحجام عن معاودة التوسع في الإنفاق الحكومي تماشيا مع ارتفاع أسعار النفط.
تركز الإصلاحات التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي على دعم الشفافية ومحاربة الفساد، وهو أمر يؤكد جهاد أزعور أنه سجل تقدما ملحوظا. تقوم بعض الدول بالفعل بعمل المبادرات بشأن ذلك، لكن الطريق مازال طويلا أمامها لمعالجة الفساد الحكومي وتحسين الخدمات الحكومية وزيادة الشفافية.
ويعتقد أزعور أن هناك اعترافا بأهمية هذه العناصر ولكن لا تزال هناك خطوات معينة يجب اتخاذها تجاه المسألة، مشيرا إلى أن بعض الدول قامت بالفعل بعمل إجراءات لتحسين بيئة الأعمال والحصول على التمويل والمؤسسات وقوانين الإفلاس والحد من عدد الإجراءات الروتينية.
ويرى أن تمكين القطاع الخاص هو أفضل فرصة حالية لخلق فرص العمل. في الماضي، حاول القطاع العام التعويض عن نقص فرص العمل في القطاع الخاص، وهذا لم يؤد إلى انخفاض معدلات البطالة أو تحسين الخدمات العامة. ولذلك، فإن المطلوب اليوم هو تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أن تكون لديها القدرة على النمو والسماح للقطاع الخاص بلعب دور أكبر في البنية التحتية.
ويعتقد أنه من المهم تسريع وتيرة ذلك لأن التكنولوجيا تقدم فرص كثيرة ولكنها أيضا تخلق بعض التحديات لأن بعض الوظائف يمكن أن تختفي في المستقبل. وهذا هو السبب في أنه من الضروري الآن القيام بكل ما هو مطلوب لتحسين بيئة الأعمال وتسريع بعض الإصلاحات الرئيسية.