الفراغ الفكري يفتح أبواب الصراع على عقول الشباب

ضعف المنطلقات الفكرية مفتاح لمن يملك التأثير والقدرة على الإقناع لتحريك الشباب.
الأحد 2018/05/27
لا هدف واضحا

تونس - تلتقي المخاوف من تسرب الفكر المتطرف أو الإلحاد عند قضية واحدة يعاني منها أغلب الشباب العربي وهي الفراغ الفكري وغياب الهدف، اللذان يجعلان الشباب أكثر سهولة وميلا لتبني آراء ومواقف منحرفة أو سلبية، وفقا لقدرة الطرف الآخر على التأثير والإقناع.

ويرى العديد من الاختصاصيين الاجتماعيين أن الشباب بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم يعانون مشكلات وأزمات، دون وجود جهات داعمة تستمع لشكواهم وتتفهم احتياجاتهم ومعاناتهم. وهذه الخطوة تجعل من الممكن لمن يمتلكون التأثير والقدرة على الإقناع أن يصلوا إلى قلوب الشباب وأن يحركوها كما يريدون.

منزلقات متطرفة

لا تخلو الممارسة الإقناعية من خطورة قد تحيد بالشاب إلى منزلقات فكرية متطرّفة، وقد تكون خطوة نحو البناء والإيجابية. ويكمن التحدي الحقيقي في البحث عن الدواء الأنسب لحاجات الشباب وإقناعهم بوعي بمدى أهمية العلاج وتحسين أحوالهم النفسية بالدرجة الأولى لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقيمهم.

ويذهب بعض المختصين إلى القول إن ضعف المنطلقات الفكرية لدى الشباب، تعود إلى الثورة التكنولوجية المتسارعة ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا فيسبوك، حيث أصبحت مرجعيتهم الفكرية التي يستمدون منها مصادر معلوماتهم دون إمكانية التحقق من صحة تلك المعلومات، إضافة إلى عدم صلاحية تلك الوسائل،  تشكل مصادر موثوقة يمكن الاعتماد عليها لتشكيل هوية فكرية لحاملها.

ويلاحظ أحمد أبوحجل، اختصاصي فلسطيني في علم الاجتماع، أن حجم الفراغ الفكري الذي يعاني منه الجيل الشاب، يعود إلى النمط الاستهلاكي الذي يعيش عليه شباب اليوم بقضاء معظم أوقاتهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، على حساب القراءة والاطلاع على العلوم.

تأسيس أرضية فكرية ثابتة، يعمل على تقوية الشخصية والفكر وإيجاد مناعة ضد المؤثرات السلبية التي قد تطمس المعالم الإنسانية السوية والقيمية لدى الفرد، عندها لا حاجة للخوف من الانفتاح على الثقافات الأخرى

ويضيف في تصريحات لـ”العرب”، أن ذلك يحمل خطورة كبيرة باعتبار وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما فيسبوك، ليست لها أي هوية أو مرجعية فكرية يمكن الوثوق بها أو الاعتماد عليها كمصدر للمعلومات.

وتترتب على حالة الفراغ الفكري لدى الشباب الكثير من السلبيات منها عدم القدرة على المشاركة في صنع القرارات وعدم القدرة على حل المشكلات التي قد تواجههم والشعور بانعدام الأهمية. يضاف إليها الفشل في الحياة العامة والعجز عن التطوير والابتكار، والاستسلام للموروث السلبي والتقاليد والنمطية الفكرية. ويرتبط الفراغ الفكري ارتباطا وثيقا بغياب الهدف.

ويؤكد موسى مطارنة اختصاصي علم النفس  في الأردن على أهمية هذا الجانب، بالقول “الهدف عنصر رئيسي وأساسي في حياة الإنسان، وعليه يجب على الآباء مساعدة الأبناء على تحديد أهدافهم في الحياة تجنبا لجعل الأبناء يعيشون فراغا يخلق عندهم حالة من الارتباك”.

وأضاف، “للأسف نرى الجيل الجديد يهتم بمظهره متأثرا بثقافات غربية أكثر من اهتمامه بتحقيق هدف يضعه نصب عينيه، وهذا نتيجة غياب الثقافة، لذلك هناك أهمية كبيرة لدور المؤسسات التربوية والأسرة والمدرسة في تعليم الطلبة كيفية وضع الهدف وتحقيقه وكيف يبنون خارطة طريقهم نحو هذا الهدف، وكيف يصنعون أولوياتهم ومتطلباتهم لأجل تحقيقه، وتعليمهم المهارات اللازمة وصقل شخصياتهم، وجميعها تولد لديهم تفاعلا داخليا يبني عندهم ثقافة مختلفة”.

قنوات تواصل سلبية

ومن جهتها ترى رجاء البوعلي، أن حالة التذبذب الفكري والعقدي التي يعيشها الكثير من الشباب اليوم، هي نتيجة طبيعية لحركة التبادل المعرفي والثقافي عبر قنوات التواصل العالمية.

وأضافت خلال ندوة بعنوان “الفراغ الفكري والشباب المعاصر”، عقدت في العاصمة الأردنية عمان هذا الأسبوع، أن المجتمع يعيش حالة من التحدي على مستوى الفكر، وعليه أن يهب لإدراكه وكسبه في نهاية المطاف.

واعتبرت أن الشباب هم الأكثر تأثرا وتأثيرا بهذا المخاض الفكري، متأملة ولادة حالات إيجابية بناءة، تساعد في تقويم الفكر واستعادة قوته وضمان نتاجه الصاعد لدى الشباب.

وفي مداخلة للاختصاصية التربوية منى عبدالله الصالح، لفتت إلى أن الفكر عبارة عن إنتاج لفكرة جديدة، لم تكن موجودة لكنها تشكلت نتيجة تمازج أفكار متنوعة مع بعضها البعض، وهذا التفعيل الإيجابي للتفكير يعود بالغنى والثروة الفكرية على الإنسان، بينما يظل المتجاهل له يعيش فراغا فكريا كبيرا.

وعرفت الفراغ الفكري بأنه خلو العقل من الوعي، بمعنى أن العقول تحتوي على أفكار ولكنها لم تصنع وعيا، فكلما زاد وعي الإنسان كلما زادت قدرته على الإبداع والتفكير النقدي والإنتاج الخصب. وأرجعت، حقيقة وجود حالة من الفراغ الفكري لدى الشباب، إلى المؤسسات الحاضنة؛ كالأسرة والمدرسة.

تجنب الفراغ
تجنب الفراغ

 وشددت على أنها تنتقل بسلاسة وانسيابية من المربين إلى الأجيال الشابة، فالبيئة الحاضنة التي ينشأ فيها الأبناء تتحمل وزر الضياع الذي يعيشه بعض الشباب.

ونوهت أنه على العكس تماما؛ فإن توفير مساحات حرة للتساؤل والاعتراض والنقد حول مختلف الموضوعات الحياتية، يخلق حالة من الوعي والنضج الفكري والسلوكي مع مرور الوقت.

وعبّرت عن أسفها لاستمرارية منهج التلقين لدى بعض المناهج والأساتذة في المدارس والجامعات وعدم منح الطالب فرصة كافية لطرح فكره المختلف، ما يؤثر سلبا في بعض الأحيان على النشاط الذهني والطموح لدى المتعلمين.

ورأت أن المؤسسات التربوية والاجتماعية يجب أن تمنح الفرد الحق في التعبير عن الرأي والرغبة الشخصية والميول، دون أن تهمل دورها في التوجيه والإرشاد المعقول، لأن ذلك يصنع فكرا نقديا ومنتجا يثري الوسط الشبابي في المجتمع.

وأكدت أن تأسيس أرضية فكرية ثابتة لدى الأبناء، يعمل على تقوية الشخصية والفكر وإيجاد مناعة ضد المؤثرات السلبية التي قد تطمس المعالم الإنسانية السوية والقيمية العالية لدى الفرد، عندها لا حاجة للخوف على الأبناء من الانفتاح على الثقافات الأخرى، بل إن ذلك قد يفتح لهم آفاقا بعيدة مليئة بالوعي والنضج.

وتطرقت إلى أن دور الإعلام في تسطيح الفكر وتحجيم مدارك العقل لدى الأجيال الشابة، يأتي نتيجة لبساطة البرامج وضحالة المحتوى الفضائي بشكل عام، فنسبة البرامج البناءة والهادفة لا تقارن قياسا بالأعداد الهائلة من البرامج الهابطة والخاوية من السمو الفكري والأخلاقي، ومع هذا فإن الإعلام الحديث يعد عاملا رئيسا في تحريك الثقافة والوعي بتلاقح الأفكار وتمازج الرؤى وتوفير المصادر المتنوعة والثمينة، الأمر الذي لم يكن متوافرا في السابق.

خطة عمل

وأظهرت نتائج دراسة بعنوان “الشباب في مواجهة الفكر المتطرف” أعدها صندوق دعم البحث العلمي في الأردن، أن الجهل والفراغ الفكري من أبرز أسباب تطرف الشباب.

وتهدف الدراسة التي اشتملت على خطط تنفيذية لكل محور من محاورها، إلى البحث في أسباب انتشار الفكر المتطرف وتأثيره على الشباب، ووضع خطة عمل وطنية تتضمن مجموعة من الإجراءات التنفيذية العملية لمواجهته ومحاصرته وتحصين الشباب من الوقوع فريسة لهذا الفكر.

وعرض عبدالناصر أبوالبصل في الدراسة نتائج المحور الديني، وقال إن من أهم أسباب انتشار هذا الفكر: الجهل، والفراغ الفكري، وقلة التحصين، ووجود شبهات لا يملك الشباب القدرة على ردها بسبب المعرفة السطحية لها، ومرور الشباب بظروف خاصة بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة، وانتشار المخالفات الشرعية دون معرفة لفقه الدعوة الصحيح، بالإضافة إلى وجود هجوم مبرمج وفق منهجية علمية من قبل الجماعات المتطرفة موجهة للشباب من مستخدمي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المتاحة وغيرها من التقنيات الحديثة.

إدارة وقت الشباب بطريقة إيجابية
إدارة وقت الشباب بطريقة إيجابية

وتوصلت الدراسة من حيث علاج ظاهرة التطرف إلى مجموعة من الإجراءات التي يتوجب اتخاذها بين مؤسسات الدولة كافة ذات العلاقة وكلّ حسب اختصاصه.

وبينت أهمية تخصيص برامج متخصصة للشباب في وسائل الإعلام وإيجاد وسيلة لإيصاله من خلال رسائل التواصل الاجتماعي، وتدريب وتأهيل العاملين في المؤسسات التعليمية ليتمكنوا من التصدي لأي أفكار قد تؤدي إلى انزلاق الشباب، والتركيز على رسالة عمان وإدخالها في المناهج الدراسية، وتدريب الطلبة على إدارة الوقت وتكثيف البرامج اللامنهجية في أوقات الفراغ وغيرها من الإجراءات.

وعلى النقيض يرى بعض الباحثين أن الفراغ الفكري قد يقود إلى الإلحاد. ويقول الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، إن فلسفات الغرب تدفع بأفكارها وكتاباتها المستهجنة الرخيصة والمترجمة إلى لغتنا في قصص جذابة يقرؤها شبابنا فيجد فيها رفعا لسائر الحواجز، وتفتُح لهم الباب واسعا أمام رغباتهم وشهواتهم الإباحية، وتصور لهم الدين عائقا أمام تلك الرغبات، وأن الإلحاد هو الذي يحقق لهم كل ما يتمنون، فلا أمر ولا نهي ولا حدود ولا دين، كما أن الأجندات السياسية الدولية وبعض قوى الشر في الداخل، ليست بغائبة عن المشهد، من خلال بث الأفكار المتطرفة المتلبسة بالدين زورا وبهتانا لدفع الشباب إلى اعتناقها بغية تدمير المجتمع وتفكيك أواصره وتقسيمه إلى طوائف متناحرة، تخدم أعداء الإنسانية، وما يحدث في المنطقة العربية خير شاهد على ذلك.

البحث عن حلول
البحث عن حلول

ما يرغب الشباب العرب في قوله للعالم

تناقش كل من لورا بونفورا ومريام كاتوس ما يرغب الشباب العرب في قوله للعالم والرغبة في التعرف بصورة أفضل على واقع المجتمعات التي تعيش منذ عام 2011 تقلبات لم يسبق لها مثيل، وذلك في كتاب “الشباب العرب من المغرب إلى اليمن.. أوقات الفراغ، الثقافات والسياسات”.

ويتجاوز الكتاب الأحكام المسبقة المختزلة وغيرها من البديهيات المغلوطة التي انتشرت منذ عام 2011، حين كان الشباب العرب مدعوين إلى إعطاء معنى للربيع الذي يتصف بالصفة ذاتها ولجملة التحولات التي أطلقتها هذه المسارات الاحتجاجي، وذلك حسب ما ذكرت دار النشر على موقعها الرسمي.

وترى مؤلفتا الكتاب أن الواقع يشي بغير ذلك، فالشباب العرب، بين بلد وآخر وبين شريحة اجتماعية وأخرى، يفتقرون إلى التجانس في أنماط عيشهم. وقد تتصف أوقات فراغهم بأنها انتهاكية، كتفحيط الشباب السعوديين بسياراتهم، واسترجال شقيقاتهم “البوية”، أو الجرأة الذكورية لدى الفتاة التونسية، أو التفلت من الضوابط لدى بعض الطالبات المغربيات. بيد أن ثمة ما يفوق ذلك. فهؤلاء الشباب يرفضون تحجيمهم إلى مجرّد ردة وراثية.

وغالباً ما يفضل الشباب إعادة تفسير موروثهم الاجتماعي والثقافي، وإعادة بنائه وتوليفه بدلاً من دفنه. ما العمل إذن لمعرفة ما “يعد به” هؤلاء الشباب؟ سوى التقرب من حياتهم اليومية، “بعيدا من الخطب التقليدية”، وتعلّم لغاتهم، وفك رموز شعائرهم القديمة والجديدة، وتفهم لهفتهم.

 

19