جزر البحر الأحمر تضع مصر على خارطة السياحة العالمية

القاهرة – مع صخب الأماكن السياحية في الصيف، باتت “سياحة الجزر” خيارا للراغبين في العزلة والاستمتاع بالطبيعة والحياة البحرية ومشاهير الفن والرياضة، الذين يهربون من عدسات المصورين وكاميرات الهواتف المحمولة التي تطاردهم في كل مكان، والذين قد يجدون ضالتهم في الجزر المصرية بعد سنوات قليلة مع انطلاق مشروع يستهدف تطويرها.
انتهت وزارة المالية المصرية من تسعير أراضي خمس جزر طبيعية قريبة من مدينة الغردقة، عاصمة محافظة البحر الأحمر، ذات قيمة ثقافية واقتصادية تمثل 17 بالمئة من المساحة الإجمالية للجزر المصرية، للبدء في طرحها على المستثمرين، ووضعها على خارطة السياحة العالمية.
وقامت لجنة تضم عدة جهات حكومية بمعاينة عدد من مناطق الغوص والجزر المقترح طرحها، لوضع الضوابط الخاصة بحماية البيئة البحرية، وتحديد أنسب الأنشطة لاستغلالها سياحيا، بما لا يضر بطبيعة الكثير منها المصنفة ضمن المحميات الطبيعية.
وتبلغ جزر البحر الأحمر 39 جزيرة من المقرر استثمارها سياحيا على عدة مراحل، ويأتي أبرزها الجفتون وشدوان والفنادير وأبومنقار وجاويش وسعدانة وأم الجرسا والزبرجد وكولالا وحلايب وأبوالكيزان وسيال وأبورمادة وسيول.
سحر خلاب
لا توجد دلالات واضحة على مسميات تلك الجزر، لكن يوجد ارتباط بين اسم كل منها وطبيعتها الشكلية، فجزيرة “أم الكيزان” تتشكل في مجسم يشبه ثمارا ضخمة للأشجار التي تعني في اللهجة المحلية المصرية (كيزان)، و”مكوع” تبدو كما لو كانت منحوتا لرجل يستلقي على كوعه الأيسر.
وتبدو جزيرة “الزبرجد”، البالغ مساحتها 4.5 كيلومتر، الوحيدة ذات الاسم المفهوم والذي اشتقته من حجر الزبرجد النفيس (حجر نادر أخضر اللون)، الذي تمتلك منه كميات كبيرة، بينها أكبر قطعة في العالم بحجم 310 قيراط والمحفوظة بأحد متاحف المعاهد الأميركية، وقطعة أخرى تتسم بدرجة نقاء غير معتادة معروضة بالمتحف البريطاني بلندن.
وتعود تسمية الجزيرة للفراعنة الذين استخرجوا “الزبرجد” منها لاستخدامه في تزيين النساء وصناعة مجسمات خنفساء الروث “الجعران الأخضر” عام 1500 قبل الميلاد، ومارس العثمانيون التنقيب بها وتلاهم الأوروبيون خلال العهد الملكي، وزارها الملك فاروق على متن اليخت “فخر البحار” عام 1944، لكن أعمال التنقيب توقفت منذ 25 عاما.
وقال عدلي أنيس، أستاذ الجغرافية السياحية بجامعة القاهرة، إن “سياحة الجزر” باتت مطلوبة من رجال الأعمال وذوي الدخل المرتفع الباحثين عن الانعزال والخصوصية، ويمكن للجزر المصرية تحقيق ذلك الأمر، بشرط عدم فتحها أمام الجميع ورفع قيمة الحجز بفنادقها وخدماتها، حتى لا تكون امتدادا فقط للعمران بالمدن السياحية القريبة منها.
وباتت سياحة الجزر المرتبطة بالأغنياء، واحدة من أشهر أنواع السياحة في العالم والأكثر جذبا، التي بدأتها جزر أميركا الوسطى بشكل موسع في بداية السبعينات، كعامل جذب لرجال الأعمال في الولايات المتحدة وتجار المخدرات في أميركا الجنوبية.
وسرعان ما لاقت الفكرة إقبالا كبيرا، فتحولت الكثير من الجزر بالفلبين وتايلاند وإندونيسيا والمالديف إلى ملاذ جذاب لأصحاب الأموال والمتزوجين الباحثين عن قضاء شهر عسل في أماكن نائية تعطيهم خصوصية كاملة.
الأسعد حظا
تعتبر جزيرة “الجفتون”، الأسعد حظا بين تلك الجزر فهي الوحيدة المستغلة نسبيا بمقهى ومطعم ومرسى لاستقبال السياح الذين يفدون عبر لنشات من مدينة الغردقة التي تبعد عنها بنحو 11 كيلومترا والذين يقدر عددهم بنحو 188 ألفا سنويا يمثلون حوالي 12 بالمئة من إجمالي سياح البحر الأحمر، ويستوطن بها قرابة 50 بالمئة من طيور النورس.
وتلعب “شدوان”، دورا استراتيجيا بتحكمها في حركة الملاحة بقناة السويس.
ورغم صغر مساحتها، إلا أن “سيول” باتت الأشهر بين الجزر المصرية بعد تصوير أحد مشاهد الفيلم الأميركي “مجسم من أجل الملك” (هولوغرام فور ذا غينغ) لتوم هانكس، على شاطئها، ما قدم دعاية مجانية للمنطقة عالميا، وتسعى وزارة السياحة لتكرار ذلك السيناريو بتسهيل إجراءات تصوير الأفلام السينمائية الأجنبية بمصر وتقليل الرحلة الطويلة من الموافقات المطلوبة.
ورغم أن جزر”الباهاماس وتاهيتي وبالي وسانتوريني وهاواي” الأشهر عالميا بمجال “سياحة الاسترخاء”، إلا أن الحكومة المصرية اختارت “المالديف” بالذات لتكرار نجاحها، في جذب الأثرياء المتمسكين بشروط تتعلق بمدى التعري بالأماكن السياحية، التي يقضون إجازاتهم بها، والذين يحجزون في بعض الأحيان جزيرة كاملة لقضاء إجازة بحرية عليها.
وتتسم “كولالا” بأنها مثالية للانعزال بطبيعتها الرملية المنخفضة على حاجز مرجاني ساحلي قرب جزيرة حلايب الكبرى في أقصى الجنوب الشرقي لمصر، كذلك “أبورمادة” التي تم اكتشاف موقع حطام سفينة تجارية يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر بمحيطها وتجذب محبي الغوص بجانب السفن الغارقة التي اخترقتها الشعاب المرجانية ونمت على جوانبها.
وأضاف أنيس، لـ”العرب”، أن الطبيعة الجغرافية للجزر المصرية تعطيها مزايا عن مثيلتها بالخارج فهي بمثابة حديقة حيوان مفتوحة لوقوعها على مسارات هجرة الطيور النادرة وامتلاكها تجمعات سمكية للدلافين والسلاحف وشعاب مرجانية نادرة، ما يجعلها مثالية للأثرياء من دول مختلفة.
وتعتبر “أبومنقار”، التي تبلغ مساحتها 1.4 كيلومتر، الأجمل بين جزر البحر الأحمر بسبب التركيبات الجيولوجية النادرة الموجودة على سطحها وامتلاكها شواطئ رملية بيضاء ممتدة لمسافة كبيرة تحت الماء.
وتحظر وزارة البيئة إقامة أي أنشطة على يابسة “أبومنقار” على عكس شواطئها، لكن يتم السماح لأهالي الغردقة بالنزول إليها، يوميّ عيد الفطر وعيد شم النسيم فقط، باعتبارهما عادات قديمة للقبائل البدوية التي قطنت المدينة.
ويرى أنيس أن مشروع تطوير الجزر يخلق نوعا من السياحة الإقليمية مع إعلان السعودية عن مشروع مشابه بالناحية الأخرى من البحر الأحمر، عبر تسيير رحلات مشتركة بينهما لاستقطاب السياح الذين يريدون زيارة بلدان مختلفة في الإجازة ذاتها ليصبح البرنامج مشتركا بين زيارة الجزر المصرية والسعودية ثم التوجه لمقاصد أخرى كالإمارات.
ورغم عدم إعلان عناصر تفاصيل المشروع المصري رسميا، إلا أن مصادر بوزارة السياحة المصرية أكدت، لـ”العرب”، أن التطوير سيكون شاملا بما فيه السياحة العلاجية بالمنطقة من خلال استغلال المناخ الجاف للمكان والرمال السوداء وربطها بمنطقة سفاجا التي تبعد 53 كيلومترا عن جنوب الغردقة، وتعالج رمالها أمراضا كالالتهابات المفصلية وبعض الأمراض الجلدية.
وأفاد مصطفى رسلان رئيس غرفة السلع السياحية بالبحر الأحمر، أن مشروع تطوير الجزر سيحدث نقلة جديدة للسياحة المصرية ويساهم في جذب شرائح جديدة من المسافرين، لكن نجاحه مرهون بحل مشكلات مزمنة للسياحة بجنوب سيناء.