رمضان المصريين بلا لحم وياميش

القاهرة- لطالما كان معروفا أن استهلاك المصريين من السلع الغذائية يرتفع في شهر رمضان بنسبة تتراوح بين 50 بالمئة و80 بالمئة، إلا أن العين لا يمكن أن تخطئ أن عادات المصريين الاستهلاكية الغذائية لم تعُد كما كانت عليه قبل تعويم الجنيه.
فمنذ أعلن البنك المركزي المصري في الثالث من نوفمبر من عام 2016 عن تحرير سعر صرف الجنيه، تغيّرت عادات المصريين وأصبحوا أقدر على ترشيد عاداتهم الشرائية. وإذا كان هذا واضحا في الأشهر العادية، فإنه بلا شك يكون أكثر وضوحا في شهر رمضان، حيث عادة ما يزداد الطلب على منتجات الألبان والدقيق والسكر والزيوت والسمن، فضلا عن تبادل العائلات للدعوات إلى المآدب وما يشكله هذا من عبء مالي إضافي على العائلة.
وكشفت شعبة العطارين في الغرفة التجارية المصرية مؤخرا أن استيراد الياميش هذا العام تراجع بنسبة 40 بالمئة، مرجعة ذلك إلى تخوف التجار من التراجع الكبير بمعدلات الاستهلاك.
يرتفع معدل الاستهلاك عند العائلات العربية التي تصوم شهر رمضان، وتصبح مائدة الإفطار أكثر تنوعا وبذخا، ويستوي في ذلك الغني بمتوسط الحال، لكن غلاء المعيشة في مصر وتعويم الجنيه، من الأمور التي جعلت ربات البيوت في مصر يحاولن التوفيق بين ميزانية البيت والاستهلاك في شهر الصيام فتنازلن عن الكثير من العادات الشرائية وعوضنها بمهاراتهن في الطبخ وصناعة الحلويات
ورغم أن الزيادة في أسعار الياميش (المكسرات والفواكه المجففة التي يتم استخدامها على موائد الإفطار في رمضان وتستورد مصر معظمه من الخارج) لم ترتفع مقارنة بالعام الماضي إلا بنسبة تتراوح بين 10 و15 بالمئة، فإنه يبدو أن معدلات الشراء تراجعت بصورة أكبر بكثير.
وقال تجار إنهم لجأوا إلى تقليل أحجام بعض العبوات لعدة منتجات للبيع بسعر أقلّ من أجل تحريك السوق، خاصة وأن بعض الأسر أصبحت تكتفي بأقل القليل حتى لا تقطع عاداتها الاستهلاكية بصورة كاملة.
تقول إيمان (28 عاما)، إن “التعويم لم يُعلّم المصريين فقط ثقافة الترشيد، وإنما أيضا ثقافة الاستغناء. أنا أقف أمام سلعة في المتجر وأقول لها ‘كم كنت أحبك ولكن سعرك ارتفع بصورة كبيرة’، ثم أمضي في طريقي”. وأخذت ربّات البيوت على عاتقهنّ مهمة توفير بدائل لبعض السلع الغذائية التي ارتفعت أسعارها بصورة كبيرة.
تقول هناء (35 عاما)، “لقد أصبحتُ ماهرة في صنع الزبادي والكيك والفول واللحوم المصنّعة كاللانشون والشيكولاتة السائلة. وبعدما كان أطفالي يعشقون منتجات بعينها، أصبحوا يعشقون منتجاتي أنا”.
وتضيف، “عندما كنت أذهبُ للمتجر الكبير، كنت أتوجه إلى منتجات شركات بعينها، ولكن بعد التعويم أصبحت أتوجه إلى المنتجات الأفضل سعرا حتى وإن تخليّت في سبيل ذلك عن مستوى الجودة الذي كنت أرى أنه الأفضل”.
وتقول أميرة (45 عاما)، “إذا ما جربت طبخة جديدة أو سلعة لم أكن قد استخدمتها من قبل وأعجبتني، أو إذا كان هناك محلّ يقدّم خصومات، أخبر أقاربي وأصدقائي. وكذلك يفعلون هم. إننا نتبادل الخبرات وأخبار الأسعار. أحيانا عندما أجد خصومات كبيرة في المتاجر على سلع بعينها أشتري لأخواتي وصديقاتي. هذه أمور فرضها الوضع الجديد”.
أما دعاء (31 عاما)، التي تعيش بإحدى قرى محافظة القليوبية، فترى أن عادة تخزين المنتجات الغذائية لم تعد كما كانت، وتوضح، “كنا نشتري الأرز والمعكرونة والسكر بالأجولة. وكنا لا ننتبه كثيرا لكمية الطعام التي نعدها لأنه كانت هناك دائما طيور على سطح المنزل تأكل ما يتبقّى من طعام. ولكن الوضع الآن تغيّر كثيرا. أصبحنا نشتري الاحتياجات بكميات أصغر، ونعدّ من الطعام ما يكفي”.
وتروي أن من العادات التي رصدت تغيّرها بعد تعويم الجنيه هو عدم إسراف أبناء القرية في الحصول على الخبز المدعوم حكوميّا، وتوضح، “كان الناس يحصلون على كامل حصتهم من الخبز المدعم (خمسة قروش للرغيف الواحد) رغم أنهم يعرفون أنه قد يكون أكثر من استهلاكهم. كانوا يأكلون ما يأكلون ويلقون بالباقي إلى الطيور، ولكن بعد برنامج ‘فارق نقاط الخبز” أصبح الناس يحصلون على ما يحتاجونه فقط ويوفرون الباقي للحصول على سلع مدعومة أخرى كالأرز والسكر”.
أما تغريد (35 عاما)، فرصدت تغيّرا في نمط الكثير من برامج الطهي، وتقول، “كنت أرى أن معظم برامج الطهي تركز على عنصر الإبهار، حيث يقوم الطاهي باستخدام مكوّنات ربما لم يسمع عنها أكثرنا وعادة ما لا تكون متوفرة في الكثير من المتاجر. أما حاليا فتركز معظم البرامج على كيفية إمكانية إعداد أصناف بأقل التكاليف وأبسط المكوّنات”.
وتضيف، “لم أعُد أشتري أي حلوى لرمضان من المحالّ الشهيرة، فأسعار منتجاتها أصبحت خيالية. عندما أريد أن أصنع شيئا أفتح اليوتيوب وأبحثُ عن الصنف الذي أريده وأنفذه خطوة بخطوة. كما أصبحتُ أستخدم الخضر والجبن وليس اللحم المفروم مثلا كحشو لمعظم الأطباق التي أعدّها. وأصبحتُ أعتمد على الزيوت أو السمن الأقل سعرا نظرا إلى ارتفاع الكبير في أسعار السمن البلدي. التعويم تهذيب وإصلاح”.
وفي ظل ارتفاع أسعار الفوانيس المستوردة، بصورة أساسية من الصين، والتي عادة ما تكون على شكل عرائس لشخصيات حقيقية وكرتونية ومزوّدة بإحدى أغاني شهر رمضان، ظهرت أشكال مبسّطة تقليدية مصنوعة محليّا وتحظى بإقبال كبير نظرا إلى سعرها المنخفض. فبينما يصلُ سعر الفانوس الصغير الصيني إلى 100 جنيه، لا يتجاوز سعر المحلي الـ20 جنيها. وقد تصدّرت الفوانيس التي تحمل صورة النجم الرياضي المصري محمد صلاح المبيعات هذا العام.
ويرى عبدالرحمن، وهو أب لطالب في الثانوية العامة، أنّ تزامن رمضان مع امتحانات الثانوية العامة، التي تبدأ في الثالث من يونيو القادم ويخوضها نحو 580 ألف طالب هذا العام، سيؤثر أيضا على الاستهلاك في رمضان هذا العام.
يقول، “رغم أن الأسعار لم ترتفع قبل رمضان هذا العام بنفس نسبة الزيادة العام الماضي، فإنني أتوقّع ألاّ يتحسّن الإقبال على شراء مستلزمات رمضان؛ حيث أن جميع الأسر التي يوجد لها أبناء في الثانوية العامة توجّه تقريبا جزءا كبيرا من دخلها في الشهر السابق للامتحانات وللدروس الخصوصية.
وفضلا عن ذلك، فإننا سنعتذر عن تلبية أي دعوة إلى الإفطار من أي قريب أو صديق، كما أننا لن ندعو أحدا إلى الإفطار هذا العام”. إلا أنه استطرد قائلا، “هذا لا يعني أننا لن نستعد لرمضان أو أننا لن نشتري الياميش. سنقوم بكل ذلك لكن بالحد الأدنى، فأنا لا أريدُ أن يشعر أبنائي بأيّ تغيير أو أن أقطع عادة وجدنا عليها آباءنا وأجدادنا”.