الحكم القائم على العدل والمساواة أساس الرفاه الاجتماعي والديمقراطية جزء منه

أبوظبي- نظم “مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية” يوم الأحد محاضرة بعنوان “تسوية النزاعات كأداة للسياسة القائمة على المساواة” ألقاها مارتي أهتيساري، الرئيس السابق لجمهورية فنلندا، الحائز على جائزة نوبل للسلام 2008، ومؤسس ورئيس مبادرة إدارة الأزمات، وذلك بحضور جمال سند السويدي، مدير عام “مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية”، وحشد من الجمهور من بينهم سفراء وأعضاء في السلك الدبلوماسي من السفارات العربية والأجنبية، والإعلاميون وعدد من المتخصصين والمهتمين.
وأكد الرئيس الفنلندي السابق أن تسوية النزاعات، سواء تلك الأهلية التي تنشأ في الدولة الواحدة، أو التي تندلع بين دولتين أو أكثر، مسألة تتطلب فهما عميقا لجذور السياسة والأسباب التي تدفع إلى نشوب هذه النزاعات، منوها إلى أن أبرز عاملَيْن في هذا الصدد هما الفقر وعدم المساواة. وشدد أهتيساري على أن فهم مبادئ النمو الاقتصادي يؤثر كثيرا في الخيارات السياسية للعاملين في مجال حل النزاعات في المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، مشيرا إلى أن التحدي في حل النزاع الناشئ لا يكمن في تحقيق النمو الاقتصادي، بل في كيفية تعامل الحكومات مع الإيرادات المالية للدول ومدى قدرتها على استثمارها في تحسين المستوى المعيشي والاجتماعي والاقتصادي للشعوب، عبر توفير فرص متكافئة لجميع فئات المجتمع للحصول على أفضل الخدمات التعليمية والصحية وغيرها. واستحضر السياسي الفنلندي مثالا يؤكد ذلك أن اتباع سياسة الرفاه الاجتماعي واحترام القانون والعدالة الاجتماعية هما أساس صناعة القرار في دول أوروبا الشمالية التي تتمتع شعوبها بأفضل مستويات معيشة حول العالم، وتنتمي إليها بلاده فنلندا.
كما أوضح أهتيساري أن الديمقراطية في حد ذاتها لا تفضي إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي للشعوب، مستشهدا بالحالتين الصينية والهندية. وأضاف المحاضر أن لنظام الحكم دورا أساسيا في تلافي اندلاع النزاعات، إذ أن الحكم الرشيد القائم على العدل، وإدارة الموارد المالية على أساس المساواة، هما ركيزتان لتحقيق الحياة الكريمة للشعوب وضمان الحد من الفقر والبطالة.
وفي ما يخص تسوية النزاعات والوساطات الدولية، قال أهتيساري إن السلام الدائم لا يقاس فقط من خلال غياب العنف، ولكن بتوفير الفرص المتكافئة للجميع، مستعرضا التجربة الفنلندية في تجاوز مرحلة الحرب الأهلية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، والانتقال بالبلاد إلى الشكل الديمقراطي للحكم. وشدد المحاضر على أن مبادئ المساواة ليست مجرد قيم، بل هي إجراءات استراتيجية تقوم على وجود مؤسسات سياسية عادلة قادرة على إيجاد الثقة المتبادلة بين الدولة والشعب.
وردا على سؤال عقب المحاضرة حول الحل الأنسب للنزاعات في الشرق الأوسط، أكد أهتيساري أنه يؤمن بإمكانية حل أي نزاع مهما كان، مبديا خيبة أمله الكبيرة من الطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، مشيرا إلى أنه و”مجموعة الحكماء”، التي هو عضو فيها ويرأسها الأمين العام السابق للأمم المتحدة “كوفي عنان”، بذلوا وما زالوا يبذلون جهودا ويجرون المباحثات بهدف إيجاد حل سلمي للأزمة، مضيفا أنه يرى ضرورة إجراء انتخابات برلمانية قبل تلك الرئاسية، ما سيضمن تجنب التوقف عند نقطة دور الرئيس بشار الأسد في الوقت الراهن.
وردا على سؤال حول الدور الذي سيقوم به لو تسلم مهمة الوسيط في ملف السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، قال الرئيس الفنلندي الأسبق إنه سيرفض دور الوسيط في هذا الملف لو عُرض عليه، داعيا في المقابل إلى دعم ما وصفه بـ”الجهود الضخمة” التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لبلورة اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.