القطار يوفر تجربة سياحية مختلفة بين أحضان طبيعة بيرو

كوزكو (بيرو) – تعتبر مدينة كوزكو من أشهر المعالم السياحية في بيرو، باعتبارها عاصمة إمبراطورية الإنكا وكانت معروفة بعبادة الشمس، وتزخر بالعديد من الآثار، التي يطغى عليها الطابع الاستعماري، ويمكن للسياح اكتشاف روعة هذه المنطقة الواقعة في جنوب شرق بيرو عن طريق رحلة تحتبس لها الأنفاس بواسطة قطار “بلموند أنديز إكسبلورر” انطلاقا من أريكويبا وصولا إلى كوزكو.
وتبدأ رحلة القطار بلموند أنديز إكسبلورر عبر وادي ريو أوروبامبا ويهتز بهدوء أثناء سيره وسط المناظر الطبيعية الخلابة، وقد قام النهر في منطقة كوزكو بحفر روافده العميقة في جبال الأنديز في بيرو، ويبدو مسار القطار بالقرب من مدينة الإنكا ماتشو بيتشو، والتي تتمتع بشهرة عالمية، كأنه موقع لتصوير الأفلام السينمائية.
ويتعرّج بعد اجتياز منطقة أولانتايتامبو مسار النهر باتجاه الشرق ليصل إلى الغابة المطيرة؛ حيث يصب النهر في الأمازون، وعلى الرغم من ذلك فإن خط السير لرحلة القطار تبدأ من كوزكو في الجنوب الغربي مرورا ببحيرة تيتيكاكا وصولا إلى أريكويبا.
ويقوم هذا القطار الفاخر بالربط بين المدينتين على جبال الأنديز، وتستغرق هذه الرحلة ليلتين مع الشركة، التي تدير أيضا خط السكك الحديدية “إيسترن آند أورينتال إكسبرس” في آسيا، ومن الأفضل أن يقوم السياح ببدء الرحلة من كوزكو إلى الجنوب؛ لأن القطار يمر بمناطق رائعة الجمال خلال النهار، وعند التخطيط للرحلة لكي تبدأ من أريكويبا وتنتهي بمدينة كوزكو، فعندئذ سينعم السياح بإطلالة رائعة على مدينة الإنكا ماتشو بيتشو.
ويتعيّن على السياح، بغض النظر عن اتجاه رحلة القطار السياحي الفاخر، أخذ فترة كافية من الوقت للتعوّد على الطقس في هذه المنطقة، وخاصة عند الوصول من ليما عاصمة بيرو، والتي تقع على شاطئ البحر؛ حيث تقع مدينة كوزكو على ارتفاع 3416 مترا، ومدينة أريكويبا على ارتفاع 2300 متر فوق مستوى سطح البحر، وهو ما يؤدي إلى الشعور بضيق التنفس لدى بعض السياح.
تراث عالمي
ينطلق القطار السياحي بلموند أنديز إكسبلورر من مدينة أريكويبا في المساء، ويحيط بهذه المدينة مخاريط بركانية يصل ارتفاعها إلى 6000 متر، وقد قامت منظمة اليونسكو خلال عام 2000 بإدراج البلدة القديمة، التي تقع حول الكاتدرائية ضمن قائمة التراث العالمي، وتعتبر هذه الكاتدرائية واحدة من أكثر المباني الأثرية شهرة في أميركا الجنوبية، والتي بناها الغزاة الإسبان، ويقع خط السكك الحديدية الواصل بين مدينتي أريكويبا وبونو على ارتفاع 4500 متر فوق مستوى سطح البحر، وهو بذلك يعتبر واحدا من أعلى مسارات القطارات في العالم.
ويعتبر القطار السياحي بلموند أنديز إكسبلورر بمثابة فندق فاخر يمتاز بخدمة خمس نجوم تغلفها أجواء تاريخية ساحرة. وأوضح أرنالدو بونس دي ليون دي لا كروز مدير القطار “قد تم جلب عربات القطار القديمة من أستراليا”، واستغرقت عملية الترميم وإعادة تجديدها مدة 18 شهرا في كوزكو، وقد تم دمج 24 مقصورة في عربات القطار، وتشتمل على حمامات خاصة ودش للاستحمام، بالإضافة إلى توافر مطعم وبار وعربة للمراقبة ومشاهدة المناظر الطبيعية في مؤخرة القطار.
وأضاف بمجرد أن يتم وضع الحقائب في مقصورات القطار، يُقدّم للسياح مشروبات الترحيب في البار، بينما يقوم عازف البيانو بعزف البعض من المقطوعات الكلاسيكية، وتمتاز الديكورات والتجهيزات الداخلية لعربات القطار بالأناقة والرقي، كما أن الخدمة فيه قد تصل إلى حد الكمال.
وتعتبر الليلة الأولى على متن القطار بمثابة تحديّا للأشخاص، الذين لا يمكنهم التأقلم مع النوم في القطار، وكلما يصعد القطار لأعلى، تزداد صعوبة التنفس ويبدأ الشعور بخفقان القلب ويطير النوم من عيون الكثيرين خلال أول ليلة، ويتغلب سكان بيرو على داء المرتفعات من خلال تناول شاي الكوكا، الذي يعمل على تحسين امتصاص الأكسجين.
وتعدّ أفضل وصفة للتغلب على هذه المتاعب هي زيادة الارتفاع ببطء والاستمتاع برحلة القطار؛ حيث يتحرك القطار السياحي الفاخر في جبال الإنديز بسرعة قصوى تبلغ 48 كلم/س، حتى يتمكّن السياح من الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، التي يمرّ بها القطار، علاوة على توقفه في الكثير المحطات من أجل الانطلاق في جولات وسط أحضان الطبيعة.
أهم معلم سياحي
تصل رحلة القطار بعد الليلة الأولى إلى مدينة بونو الواقعة على بحيرة تيتيكاكا، التي تعتبر أكبر بحيرة في أميركا الجنوبية، كما أنها تعدّ لدى الكثيرين بمثابة أهمّ معلم سياحي خلال رحلة القطار، التي تمتد لمسافة 550 كيلومترا، ويتضمن البرنامج السياحي التقليدي زيارة جزيرة تاكيل في البحيرة، بالإضافة إلى الالتفاف حول جزيرة أوروس.
ويمرّ القطار السياحي بعد بحيرة تيتيكاكا عبر مدينة بونو، وتظهر المناظر الطبيعية المهجورة مرة أخرى، وخاصة المرتفعات والهضاب المغطاة بالعشب، والتي تمتاز بمظهرها البديع، وبعد جولة قصيرة في أطلال معابد الإنكا، التي تم تشييدها في فترة ما قبل الإنكا بمنقطة راتشي قبل 700 عام، يعبر القطار وادي أوروبامبا حتى يصل إلى كوزكو. وخلال عام 1511 قام فرانشيسكو بيزارو بغزو عاصمة الإنكا الغنية وضمها للتاج الإسباني.
وهناك الكثير من السياح يستقلّون قطار بلموند أنديز إكسبلورر التالي بعد المبيت ليلة واحدة في الفندق، ويتوافر أمام السياح اثنان من المسارات البديعة للوصول إلى ماتشو بيتشو، أولهما التجوّل لعدة أيام في فال ساجرادو أو استخدام القطار هيرام بينغهام الفاخر، والذي ينقل السياح من كوزكو إلى قلعة الإنكا، التي تم اكتشافها خلال عام 1911؛ حيث ينعم السياح بإطلالة على الأطلال المخروطية في هوينا بيتشو في نهاية رحلة القطار، التي تحتبس لها الأنفاس في جبال الأنديز.