هل لديك الخصال المطلوبة لتكون جاسوسا؟

لندن - صمم الإسكافي البريطاني أوليفر سويني حذاء مبتكرا لقب بـ”حذاء جيمس بوند”، وذلك لأن هذا الحذاء شبيه إلى حد كبير بالأدوات التي يستعملها العميل 007.
يبدو الحذاء في ظاهره عاديا لكن تحت نعل الحذاء يوجد كنز من أجهزة التجسس الصغيرة حيث يحتوي بداخله على وحدة تخزين (يو آس بي USB) وخاتم الدفع الذكي “كيرف” وأصغر هاتف محمول بالعالم، بالإضافة إلى بوصلة وكاميرا فيديو مصغرة وبخاخ ما بعد الحلاقة وقلم مصغر وصندوق أقراص دوائية وسكين الجيش السويسري وكشاف إضاءة. لكن، هل يكفي مثل هذا الحذاء الذي يبلع سعره 2636 دولارا ليكون صاحبه جيمس بوند؟
يجيب على هذا التساؤل وارن ريد العميل السابق في وكالة الاستخبارات البريطانية “أم آي 6″ والمخابرات الأسترالية الخارجية “أزيس″، مشيرا إلى أن عالم الجوسسة الواقعي يختلف إلى حد كبير عن عالم جيمس بوند الهوليوودي.
ونشرت مؤخرا وسائل إعلام بريطانية بعضا من أسرار عامل الجوسسة كشفها وارن ريد الذي تحدث عن الخصال الرئيسية التي يجب أن يتمتع بها العميل، فأجهزة التجسس مهما بلغ تطورها لا تكفي وحدها لنجاح الجاسوس، بل إن المحدد الرئيسي هو مهارته البشرية ومدى قدرته على السيطرة على لغة الجسد وتصنّع الصداقة.
في جهاز الجوسسة يوظفون أشخاصا يتمتعون بسرعة البديهة وحدة الذكاء ويتميزون بالمحافظة على الهدوء في ظروف معينة مسببة للضغط النفسي.
|
ويشرح ريد بأن أولئك الذين يرغبون في أن يكونوا جواسيس يجب ألا يظهروا أيّ علامات ذعر في لغتهم الجسدية. الجوسسة هي “للأشخاص الذين يظهرون (خاصة عند الصغر) القدرة على المحافظة على الهدوء في وضعيات قد تنشأ فجأة أو تكون مسببة للضغط النفسي وعليك أن تملك القدرة على صنع الصداقات”.
لكن بالطبع لا تنتهي الخبرات التي يحتاجها الشخص ليكون جاسوسا ناجحا عند ذلك الحد، حسب ريد، بل يجب أن يكون قادرا في بعض الأحيان على حفظ أجزاء مهمة من المعلومات لأن الخونة يكونون كثيري العصبية.
ويضيف قائلا “إذا كتبت شيئا ستتسبب في إثارة الرعب فيهم، فإن تبعك شخص ولاحظ أنك تجتمع في مكان هادئ مع شخص يملك النفاذ إلى أسرار البلد ويحصل على ملاحظاتك المكتوبة انتهى أمرك. ففي بعض البلدان قد يعذبونك ثم يقتلونك، لذا لا يمكنك كتابة الأشياء بل عليك أن تبرهن بأنك تتذكرها”.
والصفة الأخرى المهمة هي القدرة على تحليل اللغة الجسدية عند الآخرين بما أن الجاسوس في حاجة إلى التنبؤ بالوضعيات الخطرة قبل وقوعها. وهذا يعني أيضا أنه يجب عليه أن يكون قادرا على البقاء مسترخيا ويتمتع برباطة الجأش في كل الأوقات وينتبه إلى وجهه ويديه نظرا إلى أن هذه الأجزاء هي الأجزاء الفاضحة الرئيسية.
ويضيف أن على الجاسوس ألاّ يعطي إجاباته بسرعة ولا يبدو مفرطا في الحماسة. ويجب عليه إتقان التقاط الإشارات من الناس الآخرين ويجب أن يكون لديه فهم معمق لنفسية الناس ولمَ يردّون الفعل بطرق معينة.
يتم زرع أغلب الجواسيس في بلدان محددة وعادة ما تكون مدة البقاء في البلد الواحد ثلاث أو أربع سنوات. وما إن يستقر الجاسوس في مواقعه عليه التجول والذهاب إلى الاجتماعات ولقاء أناس جدد لهم نفاذ للأسرار المطلوب الكشف عنها.
رحلة التجسس
والخطوات الأولى للعمل، حسب ريد، تكون بالبحث عن أشخاص جدد من ذلك البلد وتثقيفهم وتوظيفهم في المهمة. ويقول ريد “من المهم أن تعترض صدفة هدفك وتسعى إلى معرفته وتدرس حركاته دون أن يلحظ ذلك”.
لكن، أين يمكن أن يعترض الجاسوس هدفه؟ حتى تعترضهم أحد المقترحات من ريد وهو يتمثل في سكب قهوتك على الهدف ثم تعرض عليه دفع فاتورة التنظيف.
ويقول “عندما تعمل في الخارج يكون الإجراء القياسي هو وجود محطة استخبارات في سفارة دولتك حتى تقوم بالعمل الدبلوماسي في النهار والجوسسة في الليل ويمكنك الذهاب في عدة أشكال مختلفة من التخفّي. يمكنك أن تقدم نفسك على أنك مهندس أو أكاديمي متجول من أجل الاقتراب من الناس الذين يملكون الأسرار التي تريدها”.
وإحدى الحيل الأهم التي تعلّمها ريد هي أن الجاسوس لا يحتاج دائما إلى طرح أسئلة من أجل تلقّي الأجوبة. يقول “إذا كنت تتحدث مع شخص تعرف أن له أسرارا ومازال لم يتحدث فيها معك عليك ألاّ تلح كثيرا عن طريق طرح أسئلة مباشرة، يمكنك مناقشة خبر يمثل موضوعا رئيسيا في الإعلام. قم بتوجيه الحديث في اتجاه معين إلى أن يعطيك مثالا”.
ويقول ريد إن عالم الجوسسة في هوليوود لا يكون واقعيا في كثير من الأحيان، وخاصة فيما يتعلق بالنساء. ويشرح بقوله “أفلام جيمس بوند مثيرة في مشاهدتها لكنها تدور دائما حول شخصية محورية واحدة أما النساء فهنّ أقرب إلى الدمى أو الديكور، وفي ذلك تحقير كبير للنساء”. ويرى ريد أن العالم بصدد الابتعاد عن هذا النوع من الأفلام إذ تكتسب السينما المزيد من الواقعية، لكنه يعترف أن فيلم “أتوميك بلوند” من بطولة تشارليز ثيرون “متقدم بألف ميل عن أفلام جيمس بوند القديمة. وحمدا لله لأننا تركنا ذلك خلفنا بمسافة عريضة”.
في البلدان الأوروبية، ومختلف بلدان العالم، هناك عدد من النساء اللائي يلتحقن بأجهزة الاستخبارات، وهو أمر جيد في اعتقاد ريد، لكنه يؤكد أن عالم الجوسسة مازال عالما “رجاليا”.
كانت أجهزة الاستخبارات والجوسسة في الماضي، وخاصة في روسيا، تستعمل النساء أو ‘مصائد العسل’ (يقصد بها النساء الجميلات) لاستدراج الأهداف، لكن ريد يقول إن ذلك لم يعد مجديا لأن الوقت يتغير، “فالعالم الآن أصبح أكثر انفتاحا وهو مختلف وأدوار الجواسيس تتغير مع الزمن، ونأمل أن تضم أجهزة الجوسسة خمسين بالمئة من الرجال وخمسين بالمئة من النساء”.
ويضيف قائلا “أغلب الرجال الأذكياء يعرفون أن النساء ينجزن المهام بشكل متساو، وليس هناك سبب يجعل الجاسوسة لا تستطيع تقديم أداء يضاهي أداء الرجل”.
لكن ريد يعترف أن هناك بعض البلدان التي لا يمكن إرسال النساء إليها مثل بعض الأماكن في الشرق الأوسط بما أنه لا يمكن استعمال مواهبهن إلى أقصى مداها، لكنه يختم بعبارة “الجوسسة تسير مع الزمن”.
الجاسوس لا يكتب المعلومات
تعلّم وارن ريد تقنية بسيطة خلال تدريبه على الجوسسة لمساعدته على تذكر أيّ معلومة دون تدوينها. ويشير إلى أنه من الأشياء الأولى التي يتعلمها الجواسيس هي كيف يدربون أذهانهم على تذكر أكثر مما يتذكرونه في العادة، ليس للنجاح فحسب بل وكذلك للبقاء على قيد الحياة.
الجواسيس الأكفاء يتعين أن تكون لديهم القدرة على العمل في أي مكان في العالم وألا يعرفوا التردد وأن تكون لديهم البصيرة التي تكفل لهم فهم ما يحيط بهم
يقول ريد إنه خلال التدريب على الجوسسة، كان كثيرا ما يتوجب عليه تذكر عدد من الأشياء قد تصل إلى 100 عنصر، لكن في وضعية يومية عادية لا تحتاج إلى تذكر أكثر من 20 عنصرا من المعلومات لتحصل على سيطرة جيدة للوضعية التي تحتاج إلى تذكرها.
ويضيف “إذا كشف العميل عن نفسه يمكن أن تصبح الوضعية كئيبة في ظرف لحظات. العملاء هم أشخاص ويمكن أن يصبحوا متوترين، فإن خذلوا أنفسهم لن يبقوا على قيد الحياة. سيقتلون في حادث سيارة أو نقل عمومي مصطنع أو قد يتمّ اعتراضهم في الطريق ليعذبوا ويقتلوا”.
ويتابع “أسوأ شيء يمكن أن تفعله بينما تكون في مهمة هو القول عفوا، ما هو مسار ذلك الصاروخ، كم كيلوغراما تنقل، أعذرني من فضلك، سأحضر قلما وورقة لأدون كل ذلك”.
ولتفادي هذه الوضعية التي قد تنتهي بالجاسوس إلى الموت عليه أن يتعلم تقنية ترابط الصور حيث هناك شيئان يحتاج المتدرب على هذه التنقية إلى تصويرهما في ذهنك، الأول هو “المعروف”، والثاني هو “المجهول” (المعلومة التي تحتاج إلى تذكرها).
يقول ريد “تخيل بيت العائلة في فترة الطفولة. إن كنت تعيش في شقة لفترة، فما من مشكل، لكنّ بيتا تعرفه جيدا، وسكنت فيه لسنوات أو تربيت فيه حتى كبرت، فذلك أفضل لأنه أكبر وفيه مساحة أوسع وفيه المزيد من الزوايا والأركان. والآن تخيل مسارا تسلكه عبر بيتك تعرفه جيدا. ابدأ من الباب الأمامي وشق الرواق إلى المطبخ وبيت الحمام وغرف النوم. تجول في كافة أرجاء البيت، بعد ذلك ارجع لتخرج من الباب الأمامي. وعلى الطريق لاحظ الأركان والزوايا المظلمة مثل الرفوف والطاولات.. الخ”.
ثم يضيف “الشيء الثاني الذي تحتاج تصوره في رأسك هو ‘المجهول’. وهذه هي المعلومات التي تحتاج تذكرها. لاحظ الوضع من حولك. ما الذي تحتاج إلى تذكره؟ هل هو شيء يقوله شخص؟ هل هو بصدد رواية قصة؟ هل هي صورة يجب عليك أن تتذكر بالضبط اللون والشكل لشيء ما، أو هل هو ديكور في غرفة؟ يجب عليك أن تتذكر مكان كل شيء؟ هل هو رقم طويل؟ هل هو سلسلة من الأحداث؟ حاول أن تقسمه إلى عناصر من المعلومات”.
وفي المرحلة اللاحقة “خذ كل عنصر من الوضعية أو الحديث أو القصة أو الصورة التي تحتاج إلى تذكرها وضعها في مكان من البيت على المسار. مثلا، ضعها على الرف أو فوق الخزانة. استمرّ في وضع كل عنصر في مكان من المسار على طول الطريق. خذ حريتك في تخيل رسم كاريكاتوري لكل عنصر حتى يكون أكثر سخافة. فكلما كان تصويريا ومضحكا التصق بذاكرتك أكثر. وإن كان الأمر يتعلق برقم طويل أو سلسلة من الأشياء، انسب إلى كل عنصر تضعه عنصرا غير معتاد أو عنصرا بشريا، مثلا امنحه أسنانا، اجعله يقرقر، أو أعطه لونا أو نسيجا خاصا. وعندما تنتهي من وضع كل عنصر على المسار، ارجع إلى بداية المسار. والآن امش في المسار في ذهنك وشاهد كل عنصر وضعته في كل مكان”.
ويختم ريد “عن طريق وضع العنصر الذي تحتاج تذكره في مكان على مسار تعرفه جيدا، أنت تثبت ذلك العنصر المجهول بشيء معروف وتدخل ذلك العنصر في ذاكرتك”.