ضربة السعودية تفكك الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الرياض - بإعلان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يتخذ من قطر مقرا له، تنظيما إرهابيا، بات على الشخصيات المنضوية تحت لوائه الإختيار؛ إما البقاء داخل تنظيم إرهابي وإما النأي بنفسها عنه.
وهؤلاء هم أشخاص من غير المحسوبين على تنظيم الإخوان المسلمين، الذي اتخذ من الاتحاد واجهة فقهية له على مدار أعوام.
وخلال قمة عقدت بين وزراء دفاع التحالف الإسلامي الأسبوع الماضي في الرياض، قدم ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان منظمة العالم الإسلامي كبديل عن الاتحاد. وكان ذلك إيذانا بتهميشه، بعد تصنيفه من قبل السعودية كتنظيم إرهابي.
وبذلك تواجه السعودية بعض الأحزاب السياسية الإسلامية والشخصيات المتشددة الأبرز في العالم، معرضة نفسها لانتقادات من قبل تنظيمات الإسلام السياسي ومتطرفين في بلدان مثل ماليزيا وتونس.
وفي بيان صدر مطلع الأسبوع، قالت السعودية إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “يستعمل الخطاب الإسلامي كغطاء لتسهيل الأنشطة الإرهابية”. ويندرج حظر الاتحاد في قلب الأزمة التي تضع الائتلاف بقيادة سعودية وإماراتية في مواجهة قطر، بينما تلعب أبوظبي الدور الأبرز لتقويض كل أشكال وتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة.
حرب شرسة على الإرهابيين
لعدة سنوات، كانت الإمارات العربية المتحدة تسعى لمجابهة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وذلك عن طريق تأسيس منظمات أكثر مصداقية وتحظى شخصياتها بشرعية أوسع مثل “مجلس حكماء المسلمين” و”منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، فضلا عن مبادرات وبعثات مناهضة للتطرف، ترسلها عن مراكز الصواب والهداية بالتعاون مع الولايات المتحدة والمنتدى العالمي لمحاربة التطرف.
ويبدو أن الحظر مصمم لتنصيب المملكة العربية السعودية المحكم لما يمثل الإسلام الصحيح، ويؤشر على مرحلة جديدة من حملة دامت أربعة عقود بتكلفة 100 مليار دولار قامت بها المملكة من أجل مجابهة ايران، عن طريق نشر الاتجاه السني المحافظ لأطول فترة من الزمن. وكان هذا النوع من الإسلام مصدر إلهام أيديولوجي للفلسفة الجهادية.
مشروع الإرهاب المتدثر بالإسلام تاريخيا بدأ تقريبا في الفترة نفسها مع تأسيس مجاميع الفتوى الدينية صاحبة الخطاب المتطرف
وعمل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على هدم مؤسسات دينية شرعية كبرى في العالم الإسلامي، مثل “هيئة كبار العلماء” في السعودية والأزهر في مصر.
وساهمت وسائل إعلام عدة في نشر مبادئ التشدد الإسلامي على مدار سنوات. وأدى ذلك لاحقا إلى دخول قطر على خط المنافسة، بعدما أطلقت عام 1996 قناة الجزيرة الإخبارية، أحد أكبر الداعمين لتنظيمات جهادية وجماعات الإسلام السياسي في المنطقة.
ويبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يملك نظرة عميقة لدور وسائل الإعلام في هذه المعركة. فقد تم توقيف كبار ملاك القنوات السعودية ضمن حملة واسعة النطاق ضمت أفرادا من العائلة الحاكمة ومسؤولين كبارا ورجال أعمال على الفساد يقودها اليوم.
ومن بين الموقوفين وليد آل إبراهيم، كان من بين بارونات الإعلام الكبار في المملكة.
ويقول مراقبون سعوديون إن مشروع الإرهاب المتدثر بالإسلام تاريخيا بدأ تقريبا في الفترة نفسها مع تأسيس مجاميع الفتوى الدينية المتطرفة. ومثل “القاعدة” و”داعش”، أعلنت هذه الجماعات، التي تتخذ من الفقه الإسلامي قاعدة انطلاق أساسية، أنها ترفض المحلية وتعتبر نفسها عالمية، أو عابرة للقارات. وأضافت “ثمة إدراك واسع اليوم في العالمين العربي والإسلامي بأن أخطر ما في الإرهاب هو الفكر المتطرف”.
وتتشكل “هيئة كبار العلماء”، التي تتبنى إصلاحات الأمير محمد بن سلمان من أجل دعم استقرار المجتمع السعودي، من رجال دين محافظين للغاية. وتوحي عدة تصريحات صادرة عن الهيئة وأعضائها تنتقد جوانب من الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي للأمير محمد منذ صعوده في سنة 2015، بأن الدعم من هؤلاء العلماء ليس تاما.
ومؤخرا تعهد الأمير محمد بدفع المملكة بعيدا عن تبنيها للنزعة المحافظة وفي اتجاه ما وصفه شكلا أكثر “اعتدالا” من الإسلام. وفي حديثه مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أكد الأمير محمد أنه في زمن النبي محمد كانت هناك مسارح وجلسات موسيقية، وغابت التفرقة بين الرجال والنساء وجرى احترام المسيحيين واليهود الذين يشار إليهم باعتبارهم “أهل الكتاب” في القرآن. وتساءل ولي العهد السعودي “أول القضاة التجاريين في المدينة كانت امرأة، فهل تقصد أن الرسول لم يكن مسلما؟”.
وبعد أيام منعت السلطات الحجاج من التقاط صور ومقاطع فيديو في المسجد الحرام في مكة وفي المسجد النبوي في المدينة، تماشيا مع المبدأ المحافظ جدا الذي يحرّم الصور البشرية. وتم فرض رقابة مشددة بعد أن نشر المدون الإسرائيلي بن صهيون صورة “سلفي” له في المدينة المنورة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويذكر أن السلطات تمنع غير المسلمين من دخول مكة والمدينة باعتبارهما مدينتين مقدستين.
|
وقالت السلطات في بيان لها إن الحظر يهدف إلى حماية الحرمين والمحافظة عليهما والحيلولة دون إزعاج المصلين وضمان الهدوء عند تأدية الصلاة.
وأسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رجل الدين المثير للجدل يوسف القرضاوي، وهو مصري المولد، وأحد أبرز المشايخ الذين مازالوا على قيد الحياة، لكنه في نفس الوقت يشغل موقع الزعيم الروحي لتنظيم الإخوان المسلمين.
ويضم الاتحاد راشد الغنوشي، أحد مؤسسي حركة النهضة الإسلامية في تونس، وهي حركة ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها إحدى أذرع الإخوان المسلمين، وكذلك عضو البرلمان الماليزي ورئيس الحزب الإسلامي الماليزي عبدالهادي بن أوانغ.
والقرضاوي، الذي أصبح مواطنا قطريا بعد منحه الجنسية القطرية من قبل الدوحة، برر في الماضي التفجيرات الانتحارية في إسرائيل لكنه أدانها بعد ذلك. كما دأب على الدعوة إلى “الجهاد” في سوريا وليبيا، وامتنع عن مهاجمة تنظيم القاعدة وتنظيمات متشددة أخرى منشقة عنه. وأصدر القرضاوي فتاوى مثيرة للجدل، تسببت لاحقا في تفشي أيديولوجيا تعاني منها المنطقة بأسرها اليوم.
وأدرجت السعودية والإمارات والبحرين ومصر القرضاوي على قوائمها للإرهاب في يونيو الماضي، في إطار المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضتها هذه الدول الأربع على قطر.
وطالبت دول المقاطعة، بزعامة إماراتية وسعودية، بأن تتخذ إجراءات ضد القرضاوي والعشرات من الآخرين، كشرط ضمن 13 شرطا لإنهاء المقاطعة.
وأثار حظر “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” جدلا سياسيا في ماليزيا. وفي هذا الإطار لاحظت مؤخرا كريمة بالنون المقرر الخاص للأمم المتحدة للحقوق الثقافية، تعمّق مشاركة السلطات الدينية الماليزية في القرارات السياسية، حيث قالت إن التطورات تأثرت “بفهم تسلطي للإسلام مستورد من الخارج، ولا يتماشى مع الأشكال المحلية من ممارسة الدين”.
من قطر إلى ماليزيا
طالب منتقدو الحزب الإسلامي الماليزي بأن يصرح بن أوانغ، نائب رئيس الحزب، بأنه لا يدعو للكراهية، بـحسب تـعبير زعيم الحزب السابق مجاهد يوسف راوا، ودعا الحكومة لتطلب من المملكة العـربية السعودية معلومات لدعم تهمـها ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ومن بين الأعضاء الآخرين في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رجل الدين المتشدد سلمان العودة، الذي كان من بين آخرين اعتقلوا في المملكة قبل أسابيع من حملة التطهير الأخيرة.
وحرّض العودة الكثير من الشباب السعوديين على الانضمام إلى صفوف الجهاديين في سوريا، كما تتهمه السلطات بدعم شبكات محلية لتجنيد الكثيرين منهم للذهاب إلى هناك، عبر الأراضي الأردنية.