متحف باردو: مسرح جريمة 2015 ملتقى أبدي للتسامح والحوار

الخميس 2017/11/23
فضاء باردو ينتصر على جريمة الأمس

تونس – نظمت وزارة الشؤون الدينية التونسية أواخر الشهر الماضي بفضاء متحف باردو في العاصمة تونس، ما أسمته يوما دراسيا، وهو عبارة عن ملتقى حمل عنوان “سماحة الأديان دعم للتعايش ودحض للتطرف”.

وأفاد وزير الشؤون الدينية التونسية أحمد عظوم أن تنظيم هذا الملتقى يندرج في صميم استراتيجية الحكومة عموما ووزارته بصفة خاصة لمكافحة الإرهاب والتطرف، معتبرا أن حضور كل من أسقف تونس وكبير أحبار يهود تونس وتأكيدهما على أن تونس بلد التعايش والسلام، يعد أكبر دليل على أن الشعب التونسي ينبذ الإرهاب والتطرف ويقبل بالتنوع والاختلاف تحت سقف القانون وكنف الوئام والاحترام.

اختيار الوزارة تنظيم هذا الملتقى بمتحف باردو، يعود إلى الرمزية الكبيرة لهذا المكان الذي كان مسرحا لجريمة إرهابية نكراء، راح ضحيتها عدد من السياح الأجانب ورجل أمن تونسي، في 18 مارس 2015، وما عودة الوزارة إلى ذات المكان لتنظيم هذا الملتقى، وبحضور ممثلي مختلف الديانات المتعايشة على أرض تونس، إلا أكبر دليل على أن هذا التعايش كان ولا يزال أمرا واقعا في تونس التي عرف عنها منذ فجر التاريخ بأنها مسرح للحضارات وملتقى للثقافات.

وتضمن برنامج الملتقى أو اليوم الدراسي كما أطلق عليه في تونس، جملة من المداخلات تناولت بالخصوص “التعددية والحرية الدينية بين الواقع والقانون” و“شرعية التعدد ومشروعية الاختلاف” و”دور وسائل الإعلام والأئمة ورجال الدين في نشر ثقافة التعدد والتنوع” و“سماحة الأديان وكيفية تسويقها”.

أسقف كاتدرائية تونس وكبير أحبار يهودها يؤكدان على أن شعب تونس ينبذ الإرهاب والتطرف ويقبل بالاختلاف والتعايش

وعبر كبير أحبار اليهود بتونس حاييم بيتان عن عميق ارتياحه للعيش في بلد يتسم بالتعايش بين الأديان، مشيرا إلى أنه يعيش في تونس منذ صغره كبقية معتنقي الديانات السماوية الأخرى، في ظل مناخ يسوده التسامح والأخوة، ويشعر بالأمن والاطمئنان في كافة ربوعها.

وأوضح بخصوص غياب اليهود في مجالات السياسة أو الثقافة، أن ذلك يعود إلى قلة عدد اليهود في تونس الذي قال إنه لا يتجاوز 1500 نسمة أغلبهم مستقرون في جزيرة جربة التي يقع فيها معبد الغريبة الشهير، والذي يضم واحدة من أقدم نسخ التوراة في العالم.

وأوضح رجل الدين اليهودي التونسي أن هذا الابتعاد النسبي ليهود تونس عن الساحة السياسية لا يعود لكونهم يتعرضون لأي نوع من أنواع التهديد أو الإهانة، بل بالعكس فهم يحظون بالتقدير والاحترام ولم يتعرضوا في تاريخهم إلى أي نوع من التهميش.

ومن جهته، عبر أسقف كاتدرائية تونس إيلاريو أنطونيازي عن امتنانه لما تتحلى به تونس من مناخ يشجع على التعايش بين الأديان، مضيفا أن مسيحيي تونس يقدرون الاحترام الذي تكنه الحكومة والشعب التونسي لمعتنقي الديانة المسيحية، الذين لم يتعرضوا لا سابقا ولا في الوقت الراهن إلى أي إساءة.

وأبرز الدور الكبير الذي تضطلع به الكنيسة في نشر التسامح وإرساء علاقات طيبة بين الديانات، وفي تقديم المساعدة للفئات الفقيرة من التونسيين، رغم الاتهامات الموجهة لها بالعمل على نشر الديانة المسيحية في تونس، مؤكدا أنه لا وجود لأي أنشطة تبشيرية في تونس، على حد قوله.

الابتعاد النسبي ليهود تونس عن الساحة السياسية لا يعود لكونهم يتعرضون لأي نوع من أنواع التهديد أو الإهانة، بل بالعكس فهم يحظون بالتقدير والاحترام

وأجمع كبير أحبار اليهود بتونس وأسقف كاتدرالية تونس على أن تونس أرض سلام وتعايش بين الأديان، معبرين عن أملهما في أن تنسج باقي دول العالم على منوالها، وصرح الاثنان بأن هذا اللقاء بين الأديان من شأنه أن يطرح حلولا للعديد من الإشكاليات، بالنظر إلى أن أغلب الخلافات الموجودة بين معتنقي الديانات الثلاث مبنية على الجهل بالآخر وبطريقة تفكيره وكذلك بالأفكار التي يحملها عن الآخرين. وأعرب أنطونيازي وبيتان عن الأمل في الارتقاء بمستوى التعاون وتبادل الزيارات بين ممثلي الديانات الثلاث.

وأكد وزير الشؤون الدينية التونسي أحمد عظوم، أنه وبالرغم من أن أغلب الشعب التونسي من المسلمين، إلا أن ذلك لا يمنع من أن ترعى الوزارة شؤون باقي الديانات الموجودة في تونس كالمسيحية واليهودية، تكريسا لما نص عليه الدستور، مضيفا أن أولى الزيارات التي قام بها فور تسلمه مهامه شملت جامع الزيتونة بالعاصمة وجامع عقبة بن نافع بالقيروان، بالإضافة إلى كاتدرائية تونس والبيعة اليهودية بالعاصمة، وذكّر في ذات السياق بحضور رئيس الحكومة مراسم الحج في كنيس الغريبة بجزيرة جربة.

وقد حضر الملتقى الذي انتظم تحت إشراف رئاسة الحكومة، ممثلو الديانات الإبراهيمية الثلاث الموجودة في تونس، وأئمة ورجال دين، وهو يهدف إلى إبراز سماحة الدين الإسلامي وتحسيس ولفت انتباه المؤسسات الإعلامية إلى ضرورة إظهار القاسم المشترك بين الأديان، بالإضافة إلى إحياء منتدى تونس للسلام، الذي كانت أطلقته وزارة الشؤون الدينية لدعم توجّه الحوار بين الحضارات.

والغاية من هذا المنتدى هي تعزيز معاني النقاش والجدل حول قضايا التواصل والاختلاف والقطيعة والسلام التي تشغل عالم اليوم.

ويعتبر مثقفون ومراقبون كثيرون، هذا المنتدى الذي اكتسى صفة دولية، نقطة تحوّل مهمّة في اهتمام وزارة الشؤون الدينية التونسية، والتي أفصحت منذ مدة عن اتجاه جدّي نحو التفاعل مع قضايا تطوير الخطاب الديني وولوج حقل الأسئلة الإشكالية التي تسيطر على دائرة التفكير في الديني والمقدّس.

والملاحظ أن وزارة الشؤون الدينية في تونس، وكما دل هذا المنتدى الذي أقيم في فضاء متحف باردو، تتجه بشكل لافت نحو إدماج هذه الانشغالات في مجال اختصاصها الذي لم يعد يقتصر على الطابع الإجرائي الخدماتي في رعاية شؤون الدين الإسلامي والقائمين عليه ليتوسع نحو الاستجابة للمطلب الملح بضرورة الالتفات إلى أسئلة الجدل والاختلاف التي تشغل العقل المعاصر بكل ما يحيط بها من التباسات وتعقيدات تطبع بتأثيرها نمط تفكير الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية.

13