الرقابة والفتاوى والتصريحات مقصلة الفنون والثقافة في تركيا

أنقرة - في الوقت الذي نجح فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استمالة زمرة من الفنانين ليكونوا إلى جانبه لدعم سياسته والترويج لمجتمع مخملي يعيش في تركيا في ظل سياسة “من ليس منا فهو معارض”، يدين فنانون آخرون سياسة حزب العدالة والتنمية تكبيل الفن بالقيود، معتبرين ذلك اضطهادا ومحاربة للحريات وتعديا على حقوق المبدعين. فأردوغان يحاول وضع الفنانين في صندوق معين لعدم التعبير عن أنفسهم وعن المشكلات التي يعيشها المجتمع التركي، لأنها تمثل نقطة ضعف النظام.
وعرضت صالات السينما في تركيا فيلما يحاكي سيرة حياة الرئيس أردوغان الذي يهيمن على الحياة السياسية في البلاد منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.
وتدور أحداث الفيلم حول طفل مثالي يشهد على ظلم يطال محيطه ويعد بالإصلاح مع أولى خطواته السياسية. صبي يشب في شوارع إسطنبول القاسية، يبدو جادا ومهذبا ويبيع بذور عباد الشمس ويساعد الفقراء، ويطلق عليه أصدقاؤه “الرئيس” ليصبح في ما بعد رجلا يحارب قوى الظلام في سبيل بناء تركيا قوية وعادلة.
وانتقدت المعارضة التركية الفيلم ووصفته بالدعاية الانتخابية، لا سيما وأنه أتى قبل وقت قصير من موعد الاستفتاء الشعبي للانتقال إلى النظام، رغم أن بطل الفيلم الممثل ريها بيه أوغلو الذي يؤدي دور أردوغان، نفى أن يكون عرض فيلم “الرئيس” في هذا التوقيت يهدف إلى مساعدة أردوغان في الفوز بالاستفتاء.
فيلم “الرئيس” من إنتاج شركة ليست معروفة على نطاق واسع وهي شركة كافكاسور للإنتاج السينمائي، ولم تتضح ميزانية الفيلم، لكن بعض التقارير الإعلامية أشارت إلى أنها تبلغ ثمانية ملايين دولار، كما لم تتضح مصادر تمويله.
مثل هذه الأفلام يعمل عليها صناع يحتفي بهم أردوغان ويقيم على شرفهم المآدب لينتجوا مسلسلات وأفلاما تراوح بين الرومانسية والتاريخية دون أن تغوص في أعماق الوضع التركي الداخلي المتردي.
أردوغان يبحث من خلال هذه الأعمال الفنية على أن يبقى جمهور واسع من الأتراك والأجانب خارج دائرة التعاطف مع قضايا تركيا الداخلية على كثرتها، خصوصا بعد حملات التصفية الممنهجة التي يمارسها الرئيس التركي ضد من يعتبرهم أعداءه وطالت العديد من الفنانين المشهورين في تركيا.
ولئن تعتبر الأعمال الدرامية بكل تصنيفاتها أداة للتعبير واكتساح العالم، فإن التجربة التركية سقطت في طور من الابتذال والتهريج الدعائي والتمطيط جعلها تفقد نكهتها لدى شرائح واسعة من المشاهدين، وفق متابعين وخبراء في المجال الفني، رغم أنها نجحت في الترويج السياحي لتركيا وشد جماهير عريضة من المشاهدين العرب والأميركيين اللاتينيين.
وتقول الناقدة المسرحية التركية بحر تشوهدار حول تدخل الرقابة التي تقوم عليها وزارة الثقافة في مضمون العديد من الأفلام والمسرحيات في تركيا “تتم ممارسة ضغوط على الأعمال الفنية التي تنتقد الحكومة التركية من خلال إلغاء الميزانيات أو رفض العروض. ويبلغ هذا مداه ويصل حدّ المقاضاة أمام المحاكم وتعبئة بعض الصحف المعيَّنة من أجل تشويه سمعة بعض الفنانين”.
مثل هذا النهج المتشدد والاعتباطي في تعامل الحكومة مع الأعمال الفنية ولد رقابة ذاتية لدى بعض المبدعين، خاصة من الذين لم يختاروا الهجرة أو الانضمام إلى صف أردوغان.
فتوى تركية: تأليف واستماع الموسيقى التي تثير الرغبة الجنسية وتصور الأفعال غير الشرعية بإيجابية إثم
وعلى سبيل المثال استبعدت إدارة مهرجان البرتقالة الذهبية السينمائي الدولي في مدينة أنطاليا من المسابقة 2014 فيلما وثائقيا حول احتجاجات غيزي بارك التي وقعت سنة 2013 بحجة أنَّ هذا الفيلم يسيء لأردوغان. ونتيجة لذلك سحب العديد من مخرجي الأفلام الوثائقية مشاركاتهم، ولذلك لم يتم إجراء تلك المسابقة.
وأثار أردوغان جدلا حادا في يوم الإقلاع عن التدخين بتركيا في فبراير 2016، عندما ربط الإدمان على الكحول والتدخين بالشعر والأدب والسينما. وازدادت المخاوف بشأن فرض قيود جديدة في تركيا التي تحكمها الرقابة أصلا، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مصير الفن وعمّا إذا كان الشعر والروايات والمسرح والسينما مهدّدة؟
وقال أردوغان “بصراحة أعتقد أن القوة المالية الكبيرة التي تتمتع بها صناعة التبغ هي وراء تشجيع الموسيقى والأفلام والروايات والقصائد لعادات تؤدّي إلى الإدمان كالكحول والتدخين.. لاحظتم ربّما أنّه في غالبيّة أفلام الستينات والسبعينات، يبرز التدخين والكحول في المقدّمة”.
ويُعرف عن أردوغان أنّه سياسي لا يقرأ أبدا كتاب قراءة كاملا، بل يقرأ خلاصات يكتبها مساعدوه. وهو ليس من هواة السينما أيضا، لكنّه غالبا ما يتلو قصائد تتماشى مع أيديولوجيته ونظرته إلى العالم.
وقال أمين أوزديمير، وهو باحث أدبيّ في جامعة أنقرة، إنّ “فكرة أنّ القصائد والروايات تدفع الناس إلى إدمان التدخين والكحول خاطئة تماما. ولا يتبنّى هذه النظرة سوى أشخاص لم يقرأوا يوما قصيدة أو رواية”.
وأصدرت هيئة الشؤون الدينيّة التركيّة فتوى بشأن الموسيقى جاء فيها أنّ تأليف واستماع الموسيقى التي تثير الرغبة الجنسيّة وتصوّر الأفعال غير الشرعيّة بصورة إيجابيّة هو إثم، فتوى تثير المخاوف بشأن فرض رقابة على الكتب والأقراص المدمجة والفيديو كليبات.
الرقابة وتصريحات أردوغان وفتوى الموسيقى حبل مشنقة أو مقصلة لإعدام الفنون والثقافة في بلاد أنجبت أدباء وسينمائيين وموسيقيين أفذاذ.