القصص المصورة في باكستان سلاح لمواجهة التطرف والظلم

كابول - تطمح قصص مصورة في باكستان إلى حمل جيل الشباب على محاربة الظلم والتطرف والنزعة الذكورية في المجتمع من خلال بطلتها التي تحمي النساء المعنفات وتقتص من عناصر الشرطة الفاسدين.
تحمل “فتاة باكستان” هذه اسم سارة، وقد اكتشفت أن لديها قدرات خارقة بعدما استفاقت من غيبوبة غرقت فيها بسبب إصابتها في انفجار هزّ قريتها.
وهي ترتدي زيا أخضر وقبعة خضراء، بألوان العلم الباكستاني، وتجوب شوارع البلد دفاعا عن المظلومين.
في أحد الأسواق، تتدخل دفاعا عن امرأة يضايقها رجل، ثم تحرّر فتاة أخذها شرطي كرهينة ليجبر أهلها على دفع رشوة له.. هكذا تبدو سارة في الجزء الأول من القصص المصوّرة المنشورة خلال الصيف الماضي.
يأمل مصمم هذه الشخصية حسن صدّيقي أن تشكل قدوة للقارئات الصغيرات ليأخذن دورهن في المجتمع، في هذا البلد المحافظ الذي ما زالت النساء يقتلن فيه تحت مسمى “جريمة الشرف” ويعانين مختلف أشكال التعنيف، وحيث ما زال الفساد ينهش المؤسسات العامة.
ويقول صدّيقي “أردنا تصميم شخصية أنثى قوية يمكن أن تشكل مصدر إلهام للفتيات وأيضا للفتيان”.
كتاب"الحراس" يروي قصة أصدقاء في الجامعة يقلقهم انتساب صديقهم إلى جماعة دينية متشددة
ويبدو أن هذه الشخصية تثير اهتماما بين الباكستانيين يعبّر عنه البعض على مواقع التواصل، مثل سيد حسن ناصر الذي كتب على فيسبوك “إنها مبادرة عظيمة، وأنا أنتظر الأجزاء اللاحقة”.
صدرت النسخ الأولى من هذه القصص المصوّرة باللغة الإنكليزية، وستليها طبعة بالأوردو تستهدف الملايين من القراء في باكستان. ويفكّر صدّيقي أيضا أن يحوّل هذه القصص إلى رسوم متحرّكة.
يرى البعض، مثل سعدية عدنان وهي مديرة مدرسة، أن هذه القصص المصوّرة يمكن أن تساعد في محاربة الأفكار التمييزية بين الذكور والإناث إن هي اعتمدت في المدارس.
وتقول “أعتقد أنه علينا أن ندرّس هذا النوع من الأدب وأن نركّز عليه، لأنه في هذا العمر تتشكّل الصورة عن الحياة المستقبلية”.
تحاكي بطلة هذه القصص المصوّرة شخصية “رجل باكستان”، الذي يقاتل فاسدا شريرا. ويقول أحمد سعيد، مالك مكتبة في إسلام آباد “بيعت نسخ قصص رجل باكستان على نطاق واسع، آمل أن يجد هذا الكتاب النجاح نفسه”.
وحين ارتكب مسلحو حركة طالبان باكستان مجزرة راح ضحيتها 150 شخصا معظمهم من الأطفال في بيشاور أواخر 2014، شعر الرسامان مصطفى حسنين وغوهار أفتاب أن ساعة انطلاقهما في مواجهة العنف والتشدد قد حانت.
وسبق أن عمل الرسامان في مشروع مشترك كان الهدف منه التوعية حول الفساد الذي ينهش الاقتصاد الضعيف لهذا البلد البالغ عدد سكانه 200 مليون نسمة.
ثم أتت مجزرة بيشاور، أكثر الهجمات دموية في تاريخ البلاد، فشكّلت صدمة لهما ودافعا للانطلاق في مشروع جديد للقصص المصورة.
|
وبدأ الرسامان بالبحث عن الوسائل التي يمكن أن تحصّن المجتمع في وجه التشدد الأعمى، وليس الاكتفاء بالتحركات التضامنية مع الضحايا وعائلاتهم، التي تكتفي بذرف الدموع والتعبير عن المشاعر، دون أن يكون لها أي أثر في مواجهة العنف.
وكان مصطفى حسنين، الذي درس فنون الرسم والتصميم المعلوماتي في بريطانيا، أسس في العام 2013 شركة خاصة باسم “كرييتف فرونتيرز” (حدود خلاقة)، ويعمل فيها أكثر من عشرين شخصا، من كتّاب وفنانين وتقنيين، ومقرّها في مدينة لاهور، العاصمة الثقافية، شرق باكستان.
ويقول مصطفى، “إن اعتداء بيشاور كان لحظة تحوّل، التقيت غوهار وقلت له: علينا أن نفعل شيئا في مواجهة ما يجري”.
وكانت النتيجة كتابا من القصص المصوّرة بعنوان “الحراس”، وهو يروي قصة مجموعة من الأصدقاء في الجامعة يقلقهم ابتعاد صديق لهم عنهم وانتسابه إلى جماعة دينية متشددة تعلن أن أهدافها اجتماعية، ولكن يشتبه في أن لها أهدافا أخرى قاتمة.
ووزع الرسامان الآلاف من النسخ من كتاب القصص المصوّرة هذا الواقع في ثلاثة أجزاء مجانا على المكتبات في ولاية البنجاب، كما وفّراه على تطبيق لأجهزة الهاتف الذكي.
ويقول غوهار إن انزلاق البعض من الشباب في ما يعتبرونه حربا على أعداء الإسلام ليس أمرا يسمع عنه في الإعلام فحسب، بل إنه هو نفسه كاد أن ينزلق في هذا الأمر في صغره.
فحين كان في الـ13 من عمره، وقع تحت تأثير أستاذ في المدرسة، كاد يقنعه بترك الدراسة والذهاب لقتال القوات الهندية في كشمير، المتنازع عليها بين البلدين منذ العام 1947. لكن عائلته تدخّلت في اللحظات الأخيرة وأنقذته من هذا التوجه.
وأتاحت له تلك التجربة التي لم تكتمل، معرفة دقيقة بالوسائل المعتادة لإقناع الشباب بأفكار متشددة أو عنيفة.
ويقول، “يدفعون الشاب إلى التخلي عن الإيمان الذي يعرفونه، وإلى اعتناق شكل جديد من الدين يتهم البعض بأنهم أعداء للإسلام ويصوّرهم على أنهم شياطين، ويعظم فكرة الشهادة في عقول الشباب”.
|
وكتبت القصص المصوّرة باللغة الإنكليزية، وترجمها إلى لغة الأوردو كاتب السيناريو ذائع الصيت إسلام أمجد.
ويأمل أفتاب في أن ينخرط المزيد من الكتاب والفنانين في هذا التوجه، رغم التهديدات التي قد تطالهم من الإسلاميين المتشددين، وأن يظهروا “الروح المسالمة” للإسلام التي اكتشفها أول مرة بعد أن انتزع من يد أستاذه المتشدد.
ويقول، “يجب أن نظهر أنه من الممكن أن يكون المرء مؤمنا وغير عنيف، علينا أن نواجه هؤلاء المتشددين الذين غيّروا وجه ديننا”.
وقبل هذه التجربة نجحت مجموعة من الشباب في إنتاج مسلسل رسوم متحركة بطلته مدرّسة شابة تدعى جيا تكافح الأشرار الذين يحاولون إغلاق المدرسة التي تعمل فيها. ويساعد البطلة على إخفاء هويتها النقاب الذي يغطي كل شيء عدا العينين وأطراف الأصابع.
ويتحدث المسلسل الكرتوني الذي يحمل عنوان “المنتقمة بالنقاب” للأطفال عن المشاكل الهامة للمجتمع الحديث وخاصة التعليم.
وتتحلى المنتقمة بممارسة فنون القتال المشابهة لأسلوب النينجا، وكذلك تستطيع استخدام الأسلحة غير التقليدية مثل الكتب والأقلام.
ويظهر كأشرار في الفيلم كل من السياسي الفاسد فاديرو باجيرو والمشعوذ الشرير بابا باندوك. ووفقا لمنتجي العمل فهو يمثل زعيم حركة “طالبان” الراديكالية.
تجدر الإشارة إلى أن الهجوم على المدارس، وخاصة مدارس الإناث، عمل غير نادر في شمال غربي باكستان.