مخالب القطة
ترى، ما هي أكثر المشاهد قسوة على النفس؟
بالطبع، هي ليست مشاهد الحروب التي تأكل اليابس والأخضر؛ التي تقتل وتجوّع وتشرد، ولا مشاهد الكوارث الطبيعية؛ التي تأكل الإنسان والحيوان والزرع، أو مشاهد انهيار الأوطان وتَمزّق الجغرافيا وانحطاط التاريخ.
أشدها قسوة على الإطلاق، هو مشهد طفل يضرب ويعذب وتهان إنسانيته.
الطفل؛ هو مركز الكون، خلاصة الروح والحلم الذي مازال في طور التكوين؛ الحلم الذي نتعكز به على حافة أيامنا، كي لا نسقط في هاوية هذا العالم القبيح.
لم أشاهد بأم عيني مشهدا قاسياً يتجرأ فيه “إنسان” من المفترض أن يكون أبا أو معلما، أمّا أو مربية، على تعذيب طفل نفسياً وضربه بقسوة بحجة تأديبه لارتكابه عملا خاطئا.
ولكني شاهدت بعضهم يصفع أبناءه صفعات خفيفة، يوبخهم أو يمسح بكرامتهم الأرض، على مرأى ومسمع من الغرباء بسبب أخطاء تافهة لا تذكر ارتكبها الطفل ببراءة أو بدافع الفضول، وكانت تلك مناسبات قليلة وقاسية على قلبي تسببت في قطع علاقتي ببعض الأصدقاء أو المعارف، وتسببت أيضاً في “حرماني” من الاستمتاع بدعوات ونزهات ربما ستكون مطعمة بصفعة أو ضربة أو إهانة، يتلقاها كائن وديع تتلخص مصيبته في كونه صغيرا في السن بصورة كافية ليكون “تابعاً” لسلطة من هم راشدين في كل شيء سوى إنسانيتهم.
هل هذه مبالغة؟ وهل تجاوزت حدود اللياقة عندما فرضت على نفسي عزلة اختيارية، لمجرد أن مثل هذه المشاهد تكدر مزاجي وتشعرني بالغثيان؟ لا أعرف حقاً.
قبل أسابيع، منحتني صور نشرت هنا وهناك في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف، بعضا من الغثيان والألم النفسي؛ صور لطفل تم تشويه ملامحه بالكدمات من قبل والده المسخ لأنه رفض أن يسمع الكلام، وطفلة- متسولة تلقت “رفسات” من بعض المارة لغرض إبعادها عن طريقهم والتخلص من إلحاح حاجتها، وغيرها الكثير من الصور التي يندى لها الجبين، ارتكبها آباء ومعلمون وأمهات أيضاً؛ الأم كان يتلخص دورها في الصمت والمصادقة على فعل جبان ارتكب بحق صغيرها، حيث تقبع الكثيرات، بحكم سيطرة العرف والتقاليد البالية إلى الإذعان لقرار الزوج في اختيار الطريقة التي يرغب فيها لـ”تأديب” الطفل، وغالباً ما تكون القسوة هي الخيار الأسهل والأسرع.
لا أعرف كيف يشعر هؤلاء البشر عند ارتكابهم لهذا الجرم ولا يهمني أمرهم في الغالب، لكني أتساءل كثيراً؛ ترى ما هو مقدار الألم النفسي قبل الجسدي الذي يتكبده هذا الصغير المغلوب على أمره، وكيف يطوع كتفيه للانحناء للضربات المباغتة التي يتلقاها جسده الصغير، وكيف تعبر دموعه وهي تسيل بصمت على دهشته وقلة حيلته، وهل يسمح له بالصراخ؟ أم أنه ينام ليله وذكرى الألم والوجوه الغاضبة لأقرب الناس إليه تواصل نعيقها في وجه أحلامه؟ وكيف يا ترى سيرى شروق الشمس في اليوم التالي ويرتشف حليب إفطاره وفي فمه كل هذه المرارة؟
الشجاعة، أن تكون إنساناً، لا مسخاً يتلذذ بممارسة سلطته على كائن لا حول له ولا قوة، الشجاعة أمومة أم تصد ضربات المجتمع بنفس أبية لتحمي صغيرها كما تفعل بقية الحيوانات في السلم الأدنى، هل رأيتم قطة تهادن حين يضرب صغيرها كائن من كان أمام عيونها، من دون أن تنشب مخالب غضبها في وجهه؟
كاتبة عراقية