شبكات التواصل الاجتماعي تدير العلاقات بين البشر

تواجه جل العائلات في مختلف الدول العربية والغربية تقريبا مخاطر التفكك الأسري بسبب منصات التواصل الاجتماعي التي اجتذبت إليها كل الشرائح العمرية وسطّرت لها شبكة علاقات مع الآخرين، وأصبح العالم الافتراضي يحوز على اهتمام البشر أكثر من حياتهم الواقعية.
الاثنين 2017/09/04
قطيعة واقعية وتواصل افتراضي

لندن – كشفت دراسة جديدة أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى زيادة التوتر والضغط العصبي لدى الشباب.

وأشارت الدراسة التي أجراها مركز “ديتش ذا ليبل” لمكافحة الاستقواء إلى أن 40 بالمئة من الذين استطلعت آراؤهم أكدوا أنه ينتابهم شعور سيء إذا لم يعلقوا على المنشورات التي تحتوي على صورهم الشخصية ومنها السيلفي أو يعجبوا بها، بينما ربط نحو 35 بالمئة ثقتهم في أنفسهم بعدد المتابعين لهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكد واحد من بين كل ثلاثة أنه يشعر بالخوف من التعرض لمضايقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي غالبا ما تكون بسبب الشكل.

وأكد أحد الخبراء تعليقا على هذه النتائج، أن الأطفال حاليا يكبرون وسط بيئة عدائية. وشملت الدراسة استطلاع آراء 10 آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 12 و20 عاما.

وأوضحت الدراسة أن المضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي منتشرة على نطاق واسع، حيث اعترف 70 بالمئة من المشاركين بأنهم أحيانا يضايقون آخرين ويتهجّمون عليهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما قال 17 بالمئة إنهم تعرضوا فعلا لمضايقات.

وأكدت الدراسة أن موقع إنستغرام كان الوسيلة الرئيسية للمضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي بين الأفراد المستطلعة آراؤهم.

وقال ليام هاكيت، مدير مركز ديتش ذا ليبل، “إن المضايقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مستمرة في التصاعد كواحدة من أكبر المشكلات والتحديات التي تواجه الشباب”.

ودعا هاكيت شركات التواصل الاجتماعي إلى وضع سياسات أكثر حزما لمواجهة التعليقات المسيئة والتعامل بشكل أكثر حزما وسرعة مع الشكاوى التي تردها.

وتبدو هذه النتائج معاكسة لنتائج دراسة أخرى أجراها معهد أوكسفورد للإنترنت قبل أشهر، والتي أشارت فيها إلى أن المضايقات على وسائل التواصل الاجتماعي نادرة الحدوث.

وأكدت الدراسة التي ركزت على الأطفال في سن 15 عاما أن 30 بالمئة من العينة شكوا من مضايقات سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الواقع، بينما أشار 3 بالمئة فقط منهم إلى أنهم تعرضوا للمضايقة على الإنترنت. ووفقا للورين سيغار سميث، مديرة مركز كيدسكيب الخيري لرعاية الأطفال في بريطانيا، ربما كان مرجع التعارض الكبير بين الدراستين الطريقة التي طرحت بها الأسئلة أو كيفية صياغتها.

كثرة متابعة مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من فجوة التوتر بين الأزواج، فسوء استخدام السوشيال ميديا يهدد كيان استقرار الأسرة ويمزق أواصر التواصل

وقالت سميث “الدراسات ترسم لوحة كئيبة لكن هذا التعارض الكبير يعود جزئيا إلى الطريقة التي يصيغ بها الباحثون الأسئلة المطروحة على العيّنة قيد الدراسة أو حتى الأسلوب الذي تطرح به الأسئلة، فالتعارض يعود إلى كيفية طرح السؤال ولمن يوجه وفي أي سن؟”.

وأوضحت أن نتائج دراسة مركز ديتش ذا ليبل لم تفاجئها، مضيفة “نحن نعيش في بيئة عدائية وهذه هي الحقيقة المؤلمة”.

واقترحت أن يحاول الآباء والذين يشرفون على الأطفال تقليل الوقت الذي يقضونه أمام وسائل التواصل الاجتماعي، كما نصحت البالغين بمراجعة الوقت الذي يقضونه أمام هذه الوسائل أيضا.

وقالت “حتى الآباء يقضون وقتا مبالغا فيه مع وسائل التواصل الاجتماعي ويجب أن يدركوا مدى تأثير ذلك على حياتهم الأسرية والأشياء التي من الممكن أن يمارسوها مع أطفالهم وعائلاتهم بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي والصورة البراقة التي تقدمها”.

ويبدو أن الإفراط في استخدام السوشيال ميديا وشبكات التواصل الاجتماعي لم يؤثر فقط على العلاقات الاجتماعية والشباب والأطفال، بل استمر تأثيره ليتدخل في تحديد طبيعة العلاقة بين الزوجة وزوجها أيضا، حيث أن مطالعة تعاملات وسلوكيات الآخرين على مواقع التواصل باستمرار، جعلت المرأة غير راضية عن زوجها وطريقة تعامله معها، متطلعة للوصول إلى نفس الحياة الموجودة في العالم الافتراضي على مواقع التواصل، والتي قد تكون غير واقعية، وبالتالي فهي غير موجودة على أرض الواقع.

ووجدت الأكاديمية الأميركية للمحامين في استطلاع للرأي أجرته، أن 81 بالمئة من العينات تزداد لديهم حالات الطلاق بسبب استخدام السوشيال ميديا، كما كشف الباحثون أن سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى زيادة درجة عن رضا الزوجة عن زوجها، ما أدى بدوره إلى فقدان الاستقرار الأسري وتفكك القيم الأسرية وازدياد حدة الخلافات الزوجية.

وقال مدحت عبدالهادي، استشاري العلاقات الزوجية والأسرية بمصر، حول تأثير السوشيال ميديا على المرأة إن “مطالعة السوشيال ميديا باستمرار تجعل المرأة غير راضية عن علاقتها مع زوجها خاصة إذا كانت ممن تدمن مراقبة علاقات صديقاتها مع أزواجهن على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يكون ملؤها الحب والرومانسية، حيث يعبر الزوج عن مشاعره تجاه زوجته جهرا على تلك المواقع دون خجل.

بالإضافة إلى تباهي الصديقة بالهدايا التي يقدمها لها زوجها وهو ما يخلق في نفس الزوجة نوعا من الغيرة والحقد تجاه صديقاتها والشعور بالنقص نظرا لعدم معاملة زوجها لها مثل صديقاتها، فتبدأ الزوجة بتوجيه اللوم إلى الزوج لعدم إحساسها بالحب والرومانسية معه وتتهمه بأنه لم يعد يحبها كالسابق، وفي أغلب الأحيان يتجاهل الزوج حديث زوجته وتظل هي مغرمة بحديث صديقاتها عن أزواجهن ويظل زوجها مستمرا في إهماله”.

وأضاف “مع إهمال الزوج لزوجته وعدم إشباع احتياجاتها النفسية والعاطفية التي تجعلها تشعر كونها امرأة مثل صديقاتها تبدأ الزوجة في افتعال المشكلات والخلافات والتي تصل حد تدخل الأهل بسبب عدم اهتمام زوجها بها”.

العديد من التعاملات والسلوكيات الموجودة في السوشيال ميديا غير واقعية بل إن أصحابها يقومون بذلك من أجل إيصال رسالة للآخرين مفادها أن حياتهم على ما يرام وربما لإثارة غيرتهم أيضا

وأكد عبدالهادي أن كثرة متابعة مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من فجوة التوتر بين الأزواج، فسوء استخدام السوشيال ميديا يهدد كيان استقرار الأسرة ويمزق أواصر التواصل ويؤدي إلى تجمد العواطف والمشاعر وتزداد درجة العصبية في التعاملات بينها وهو ما تنتج عنه كثرة الخلافات، فأفعال المرأة كثيرا ما تتسبب في تدمير أسرتها.

ومن جانبه أوضح خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، أن المرأة التي تقضي ساعات طويلة أمام مواقع التواصل الاجتماعي هي عادة ما تعاني من حالة نفسية مضطربة، حيث تهرب من المشاكل الأسرية وحالة الاكتئاب التي تسيطر عليه إلى فضاء العالم الافتراضي على الإنترنت، وهذه الأمور في مجملها إذا خرجت عن الحد المقبول والمسموح به ستؤدي إلى مشاكل وخيمة، لذلك على المرأة التخلص من تلك الآفة التي أصبحت تهدد استقرار الأسرة وسكينتها ليحل محلها الانفصال والتشتت.

وأشار إلى أن تلك الوسائل التكنولوجية الحديثة إذا تم استخدامها بطريقة صحيحة لما وصلنا إلى هذا العدد من ملفات القضايا بالمحاكم للخيانة الزوجية وحالات الطلاق، لافتا إلى أن غيرة المرأة وشعورها بالنقص مما تراه في العالم الافتراضي على مواقع التواصل يجعلانها تسلك طرقا منحرفة تتمثل في اتجاهها للخيانة الزوجية لتعويض النقص الذي تشعر به مع زوجها خاصة أن مثل هذه المواقع تسهل عملية الخيانة أو الاتجاه لطلب الطلاق والانفصال عن زوجها الذي لا يلبي لها احتياجاتها ورغباتها الأنثوية.

وأكد فاضل أنه لتجنب أضرار السوشيال ميديا وتفادي مخاطرها وتأثيراتها السلبية على الحالة النفسية والاجتماعية للمرأة، لا بد أن تكون المرأة على دراية كاملة بالاستعمال القويم للتكنولوجيا الحديثة وعدم إساءة استخدامها والكف عن مراقبة الآخرين التي لن تعود عليها بالنفع بل على العكس سوف تؤثر سلبيا على حياتها واستقرارها النفسي، فكثير من التعاملات والسلوكيات الموجودة في السوشيال ميديا غير واقعية وبالتالي هي ليست موجودة على أرض الواقع بل إن أصحابها يقومون بذلك من أجل إيصال رسالة للآخرين مفادها أن حياتهم على ما يرام وربما لإثارة غيرتهم أيضا.

وأضاف “معظم النساء على مواقع التواصل يتجملن ويظهرن أفضل ما في حياتهن أمام صديقاتهن ومحيطهن الاجتماعي، ويحسّن من مظهرهن الاجتماعي ويبدين في صورة أفضل تعالج ما بواقعهن من سلبيات، لذلك من الصعب أن تظهر إحداهن فشلها في حياتها الزوجية ونفور زوجها منها أمام صديقاتها على فيسبوك مثلا”.

وأكد فاضل على ضرورة عدم مقارنة المرأة لوضعها وحياتها مع غيرها لأن كل أسرة تعيش بحسب ظروفها الاجتماعية والمادية، فالمرأة منذ بداية علاقتها مع زوجها تكون على دراية كاملة بالحالة الاجتماعية التي ستعيش فيها وتوافق عليها، فلا داعي للمقارنة لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف أواصر الترابط النفسي بين مكونات الأسرة، ويؤثر سلبيا على نفسية المرأة ويشعرها بالنقص وعدم الاكتمال ويحول حياتها إلى جحيم مع حرص الزوج على إشباع احتياجات زوجته وتلبية رغباتها العاطفية والنفسية وعدم إهماله لها.

12