الخنوع لطلبات الطفل خطوة تراجع في مقياس التربية الصحيحة

“أعتقد بأنني أفسدته كثيرا بسبب تدليلي المبالغ فيه، وتلبيتي لجميع رغباته من دون استثناء”، لعل هذا هو أكثر ما يثير قلق الأمهات والآباء على حد السواء؛ بسبب خشيتهم من الإساءة إلى أطفالهم من دون قصد، في الوقت ذاته الذي يحاولون فيه تقديم كل ما يلبي احتياجاتهم المادية والمعنوية، ويكون سببا في رضاهم وسعادتهم.
الأربعاء 2017/08/30
الأهل يمكنهم على الدوام تغيير بعض أنماط التربية

ما هو تحديدا التعريف الأكاديمي المعتمد للطفل المدلل؟ أو بمعنى أدق الطفل الذي أفسده التدليل، باعتبار أن تلبية رغبات الأبناء المبالغ فيها قد تتسبب في إفساد سلوكهم وتضعف من بناء شخصياتهم بشكل سوي وسليم.

يرى الدكتور فريدريك نيومان عضو الجمعية الأميركية للطب النفسي وأكاديمية نيويورك للعلوم، أن الطفل المدلل هو الذي ليس لديه الاستعداد للخنوع لمتطلبات العيش في أسرة اعتيادية، بمعنى أنه نادرا ما يلبي رغبات أو طلبات أفراد الأسرة أو الالتزام بروتين الحياة اليومية، كما أنه يحاول دائما تصنع العناد وخلق الضجيج لمجرد رفض الآخرين تحقيق رغباته، ومن المرجح بأنه سيكون مستقبلا غير متعاطف مع الآخرين وربما يشعر بالغيرة إذا حصل أحد أقرانه على هدية أو تحققت له رغبة أو مطلب ما، قد يجد نفسه الأحق بها.

والأهم من كل ذلك، أنه سيعتاد مع الوقت تجاهل رغبات والديه ولهذا السبب فهو يبدو متهورا ونزقا في الكثير من الأحيان. إلا أن ما يثير الاهتمام حقا، هو طريقة تنامي هذه الشخصية المعقدة لتصبح فردا بالغا ومدللا، هذا الفرد قد يتجاوز بصفاته الطفل المدلل بكثير ليضيف إليها الأنانية والعدوانية ربما، وباختصار سيصبح شخصا بغيضا وخادعا للآخرين وشخصا محبطا، كثير الشكوى، مستاء على الدوام وغير سعيد أمام نفسه.

ولا يحتاج الطفل المدلل الذي نشأ وكبر على أن تلبى جميع طلباته، أن يكون مهذبا مع الآخرين أو لطيفا، لأنه اعتاد على أن يحصل على ما يريده مستعينا بوقاحته أو تنمره عليهم، فلم يتوجب عليه أن يكون طيبا، طالما أنه يصل إلى أهدافه من دون تجشم عناء أو افتعال سلوك مقبول ومهذب مع الآخرين.

الطفل المدلل غير مستعد للخنوع لمتطلبات العيش في أسرة اعتيادية، بمعنى أنه نادرا ما يلبي رغبات أفرادها

ويعمد الناس في الغالب إلى تجنب الاحتكاك بمثل هؤلاء الأنانيين المدللين، فهم أشخاص لا يبدون أي رغبة في الخضوع أو التوافق مع المتطلبات الاجتماعية العادية، كما أنهم لا ينجحون في أغلب أعمالهم أو أنهم لا يحصلون على ثقة أصحاب العمل، أما علاقاتهم الاجتماعية فهي هشة لصعوبة التعامل معهم ومع رغباتهم وأنانيتهم، وفي الغالب هم أشخاص لا يستحقون ثقة الآخرين.

ويؤكد متخصصون أن هذا النوع من الأشخاص قلما يشعر بالسعادة، فإن أي إحباط صغير سيواجهه في مستقبل حياته قد يشكل عائقا كبيرا وتحديا لا قبل له بتحمل تبعاته، ذلك أن سماته الشخصية لا تمتلك مستوى كافيا من النضج الانفعالي للتعامل مع مستجدات وأحداث الحياة التي لن تكون بمستوى تطلعاته غالبا.

ولهذا ينصح نيومان الأهل بأن يحفزوا أبناءهم على بذل المزيد من الجهد إذا رغبوا بأن يحصلوا على مزايا تفوق ما لدى أقرانهم، أي أن عليهم أن يدفعوا ثمن كل شيء قبل أن يحق لهم الاستمتاع به، وهذا الأمر يبدو وكأنه يتعارض مع مستوى الحب والرعاية اللذين ينبغي أن يقدمهما الوالدان إلى الطفل، لكن ما سيحدث في الحقيقة هو العكس من ذلك، فإن تحصين الطفل بقوة الشخصية والرغبة في العمل ومضاعفة الجهد لتحصيل المزيد من المكافآت، هي أفضل رسالة حب يمكن أن يحصل عليها.

ويقر متخصصون بأن الهدايا والنقود والمنح لا تفسد الطفل بحد ذاتها، لكنها ستفعل ذلك في حالة واحدة، إذا ما أصر الطفل على الحصول عليها وعبر عن إصراره هذا بالغضب، ومن المتعارف عليه أن بعض الأطفال يكونون بطبيعتهم أكثر معارضة للسلطة بجميع أشكالها، وبعضهم يلجأ إلى سلوك معين لقياس رد فعل أبويه أو إذا ما كانا جادين في نية عقابهما له.

على أن الأمر يبدو وكأنه صراع مستمر بين الآباء والأبناء، ومع ذلك، فإن النتيجة ينبغي ألا تحسم لصالح الآباء طوال الوقت، لأن المهم هو أن يبرهنوا عن مدى مقدرتهم في الوقوف بوجه طفل غاضب ومستاء، ومحاولة ترويض سلوكه غير المقبول حتى إذا كان طلبه مشروعا ومتاحا، فلا يهم أن تكون الهدية قيمة مادية، المهم هو حصوله عليها بطريقة مقبولة ومشروعة ومن دون إظهار رغبته على شكل غضب وسلوك غير مناسب. وكل معركة تحسم لصالح الطفل المدلل، تمثل خطوة تراجع إلى الخلف في مقياس التربية الصحيحة.

ومن جانبها، ترى الدكتورة سوزان نيومان أستاذة علم النفس الاجتماعي الأميركية وصاحبة المؤلفات المهمة في مجال الأسرة والعلاقات الاجتماعية، أن الأهل يمكنهم على الدوام تغيير بعض أنماط التربية التي يعتبرونها خاطئة أو قاصرة أو تم تبنيها من قبلهم عن غير قصد، خاصة في ما يتعلق بتدليل الأطفال من خلال إعادة تحديد أولوياتهم، حيث يمكنهم تقييم طريقة إنفاقهم على حاجات الطفل وتحديد الضرورية منها عن الكمالية، ولعل الفصل بين الاثنين قد لا يلقى ترحيبا من قبل الطفل إلا أن هذا الأمر سيحدث التغيير المطلوب بدوام اعتياده.

علينا البدء مثلا في وضع الخيارات في قائمة المشتريات البسيطة، حيث يتعين على الطفل الاختيار بين شيئين وليس الحصول عليهما معا، كما يمكننا أن نلزمه بتحمل مسؤولية ما أو القيام مثلا بالمساعدة في أعمال المنزل كشرط للحصول على مكافأة، إضافة إلى قصر الهدايا على الأعياد والمناسبات ما يمنحها قيمة مهمة تعلمه بأن الحصول على هذه الأشياء لن يكون من دون سبب كأن يكون نجاحه في المدرسة.

21