وصفة الثراء السريع في تركيا.. القرب من الرئيس والحزب

أنقرة – يجني المتحصلون على المناقصات الكبرى ومشاريع الدولة التي تباشرها الوزارات والبلديات وغيرها من مؤسسات الدولة في تركيا ثروات وأموالا طائلة، ويسيطر حزب العدالة والتنمية الحاكم على غالبية هذه المؤسسات وعلى البلديات في جل المدن التركية، كما يضم بين أعضائه ومؤيديه عددا لا يستهان به من رجال الأعمال وأصحاب الثروات وكبريات الشركات التي تدير دفة سوق الأعمال التركية.
هذا التقارب يجعل رؤساء البلديات التابعين للحزب يسهلون حصول رجال الأعمال المقربين منه على المناقصات الكبرى والهامة في الدولة. وتناولت العديد من الصحف التركية خلال السنوات الأخيرة مسألة مناقصات ومشاريع الدولة الكبرى التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات ونوهت بأن معظم من يحصلون على هذه المناقصات هم أشخاص مقربون من حزب العدالة والتنمية.
وذهبت الكاتبة في صحيفة بني شفق المعروفة بقربها من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مروة شبنم أوروتش، إلى تأكيد أن القرب من الحزب الحاكم ومناصرته وتأييد الحكومة الحالية تعد الطريق الأسهل والأمثل ليحقق المرء ثروة في تركيا.
وكشفت الكاتبة في مقالها الصادر مؤخرا أن من يضعون صورة أردوغان و صورة السلطان عبدالحميد الثاني خلف المنضدة الباهظة داخل مكاتبهم التي تُقدر بالملايين، ويضعون شعار العدالة والتنمية على مفاتيح سياراتهم الحديثة هم من يحصلون على مناقصات الدولة والمشاريع. وأشارت أوروتش إلى أنه إن استمر الأمر على هذا المنوال دون شرح مسار أردوغان ورؤية حزب العدالة والتنمية جيدا لمناصري ومحبي الحزب وجعلهم يدركونها ويستشعرونها جيدا فإن هؤلاء المناصرين من رجال الأعمال سيواصلون تواجدهم في الحزب من أجل المناصب من خلال تعليق صور أردوغان وصور للحزب والسلطان عبدالحميد الثاني.
إن مناصرة حزب العدالة والتنمية وتأييده والانتماء إليه من شأنه أن يفتح أمامهم أبواب النجاح في أعمالهم وأن يتيح لهم فرصة كسب ثروة طائلة، عندما يسهل عليهم الحصول على مناقصات الدولة التي يجنون من ورائها أموالا طائلة قد تزيد من أجلها حظوتهم وقيمتهم داخل الحزب وبين أعضائه لأنهم من خلال هذه الأموال قادرون على ضخ دعم مالي هام يستفيد منه الحزب في دعم شعبيته وفي الدعاية لسياساته ولقادته.
الشركات التابعة لأعضاء حزب العدالة والتنمية فازت تقريبا بكافة مناقصات البلديات التابعة للحزب في مدينة إسطنبول
ولا يفضل أردوغان أن تكون غالبية المنتمين إلى حزبه من الفقراء أو من الطبقة الوسطى وقد عبر عن ذلك بطريقة غير مباشرة، لكن يمكن استنتاجها من خلال الكلمة التي أوردتها له كاتبة المقال حيث طالب من وصفهم بالمتعبين بالحزب الاستقالة الفورية وذلك لمعرفته بكثرة من يتواجدون داخل الحزب من أجل المنافع. ولإدراكه أنهم يمكن أن يستفيدوا من العدالة والتنمية دون أن يفيدوه.
معروف لدى الجميع أن قوة حزب العالة والتنمية وهيمنته الشعبية والاجتماعية مقارنة بباقي الأحزاب في تركيا تعود لقوته المالية التي مكنته من نفوذ واسع وقدرة على التأثير تفوّق بها على بقية الأحزاب التركية سواء كانت يمينية أو يسارية، كما أن الكتلة التي تؤيده وتناصره وتضخ في خزائنه أموالا طائلة قوامها البرجوازيون من المسلمين الأتراك وعلى رأسهم رجال الأعمال وأصحاب كبريات الشركات التركية الذين كونوا ثرواتهم أو ضاعفوها بفضل المناقصات العمومية وما ربحوه من ورائها من أموال هائلة. وأظهرت تقارير حول مناقصات الدولة في مدينة إسطنبول نشرت في أبريل 2017 بالأرقام والتفاصيل أن إداريين في الحزب الحاكم فازوا بمناقصات قيمتها الملايين من الدولارات خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وذكرت التقارير أن الشركات الخاصة بفاتح بولجان وسفيلاي تونجر أولوداغ وجمال الدين أكيان الذين يشغلون مناصب مختلفة في مجلس إدارة مدينة إسطنبول (خلال الفترة المذكورة) التي يتولى حزب العدالة والتنمية الحاكم إدارتها فازت بـ126 مناقصة من البلديات والمؤسسات الحكومية بمبلغ إجمالي يقدربـ145 مليون ليرة تركية أي ما يعادل 40 مليون دولار أميركي تقريبا.
كما ذكرت صحيفة “جمهوريت” التركية أن الشركات التابعة لأعضاء العدالة والتنمية فازت تقريبا بكافة مناقصات البلديات التابعة للحزب في مدينة إسطنبول، وكان من بين المؤسسات الحكومية التي فازت بمناقصاتها تلك التي تمت في كل من رئاسة الوزراء ووزارة الثقافة والسياحة وإدارة أوقاف إسطنبول وإدارة التنمية السكنية وإدارة المناطق الخاصة في إسطنبول. وسبق وكشفت وسائل الإعلام التركية أن الشركة التي نقلها نائب حزب العدالة والتنمية عن مدينة إسطنبول حسن توران بعد نيله عضوية البرلمان إلى نجله قد فازت في غضون 5 سنوات بـ11 مناقصة من بلدية باغجيلار.
وتتم طريقة حصول رجال الأعمال المقربين من الحزب الحاكم على الصفقات العمومية من خلال استغلال العلاقة بالحزب الحاكم وبأعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان عن طريق المحسوبية والرشاوى والعلاقات الشخصية للحصول على الأولوية في اقتناص المشاريع الكبرى التي تخصص لها ميزانيات مرتفعة من قبل خزائن الدولة. كما يتمتع هؤلاء بالعديد من التسهيلات لإقامة مشاريع الدولة الكبرى، وهذا يعد من أبرز مظاهر الفساد المستشري في تركيا سواء في الطبقة السياسية أو في الاقتصاد التركي. وكان استطلاع رأي أجرته منظمة الشفافية الدولية في تركيا حول تزايد الفساد، في نوفمبر 2016، قد أظهر أن 45 بالمئة من الأتراك يرون أن الفساد تغلغل في تركيا.
ويعتقد هؤلاء أن رقعة الفساد اتسعت خلال السنوات الأربع الأخيرة. ووفقا للاستطلاع، تعد فئة البرلمانيين والموظفين العموميين هي الأكثر فسادا مقارنة ببقية الفئات في المجتمع التركي. كما يعتقد نحو 41 بالمئة من المجتمع التركي أن الحكومة فشلت في محاربة الفساد في البلاد.
ويعتبر العديد من المتابعين للشأن التركي أن الحكومة والحزب الحاكم في تركيا تراجعا عن محاربة الفساد وأن ذلك لم يعد من أولويات الحكومة ولم يعد يطرح الحديث حوله. ويرون أن الوضع في تركيا ما بعد الانقلاب وفي ظل حالة الطوارئ والاعتقالات والإقالات التي طالت عددا هاما من العاملين في الأمن وخصوصا في سلك القضاء، يسير في اتجاه إطلاق يد المفسدين بالتوازي مع غياب الشفافية من خلال إضعاف هاتين المؤسستين.