الكتابة منحتني الحياة
من الممكن أن أموت وأنا أعبر الطريق إلى الجانب الآخر فيما أحمل الخبز والحليب لأبنائي، وقد ألقى حتفي وأنا في حافلة على طريق سريع تصطدم بشاحنة وقود، أو خضروات، أو حتى أموت هادئة أثناء احتسائي الشاي الساخن في شرفة منزلي في صباح شتوي.
فمهما اختلفت طريقة موتي إلا أنني سأموت حتما يوما ما، فتبقى هذه هي الحقيقة الوحيدة أنني وجميع من حولي سنموت، لذا قررت أن أموت وأنا امرأة ناجحة، وليس كامرأة تجلس في مطبخها لتقطيع البصل، وأن تكون أقصى مقاومة في حياتي هي مقاومة دموع البصل.
بعد أن اكتشفت صديقتي نادية إصابتها بسرطان الثدي وتجمع الأهل والجيران من حولها لمواساتها في مصابها الأليم، ثم سرعان ما انفض الجميع من حولها وانشغلوا بحيواتهم تحولت حياتها إلى حزن دائم، ومع تنامي شعورها بالنهاية قررت ألا تفعل شيئا، وأن تنتظر النهاية هادئة في بيتها، ربما لا أهمية للعلاج ذاته.
كانت عبارة “أنت مريضة بالسرطان” من فم طبيبها بمثابة صاعقة أحرقت ما تبقى لها من أحلام وأمان مؤجلة، ظلت واجمة لا تقوى على الكلام لوقت ظنته عمرا طويلا ثقيلا، توقفت عجلة الحياة عند هذه الجملة التي ظل عقلها يرددها برتابة، وبعدها استسلمت للا شيء، تنتظر الموت القادم.
وبعد محادثة هاتفية طويلة قلت لها “رجاء تدثري بالكلمات، اكتبي، اجعلي من الورقة والقلم والنبض والأنين أصدقاء، لا تتركي نفسك للهزيمة، اكتبي عن كل ما حولك، ومن حولك، حوّلي الألم إلى طاقة تخرج على الأوراق كالطوفان تجرف كل أحزانك، وتشعل النيران في الهموم، أمنحي نفسك حياة جديدة على الأوراق”.
قررت نادية البدء في استثمار وقتها في الكتابة لتفريغ شحنات سلبية ملأت قلبها وعبأت روحها بما هو كفيل بهزيمة أي امرأة مهما كانت قوتها.
بدأت في مقاومة المرض بالحروف والكلمات، أمسكت بالورقة والقلم وظلت تكتب طويلا، وفي المرة الأولى لم تستطع كتابة شيء، ظلت شخبطات القلم تتشابك حتى أضحت بقعة سوداء كبيرة، شغلت مساحة شاسعة من الورقة، سوداء، فاقع لونها لا تسر الناظرين، سيئة المنظر، ولكنها أفرغت ما بداخلها من شحنات سلبية تؤثر عليها دائما وتقيد حركتها، وحين تحررت من تلك المشاعر السلبية التي تشبه القيود، أحست بالراحة، قالت لي: لأول مرة أنام براحة وهدوء منذ أن صب الطبيب القاسي جملته القاتلة في أذني.
أمسكت بالقلم للمرة الثانية وبدأت في كتابة بعض الأحرف التي لا ترمز لشيء ولكنها في نهاية الصفحة كتبت بقلم “ن،ع″، وضحكت كثيرا…
لكنها حين أمسكت بالقلم في ما بعد كانت تكتب اسمها في أول الصفحة وليس في آخرها، بدأت في تدوين وكتابة كل شيء حولها، أدق التفاصيل عن حياتها وحياة من حولها، حتى أصبحت القصص القصيرة التي تكتبها تنفذ إلى القلوب وتحظى بمعدل مبيعات عال.
وقوف زوجها بجانبها وحبه لها كانا داعمين رئيسيين لها، وأيضا أسرتها، فدائما دعم الأهل والأحباب هو المحرك الرئيس لمشاعرنا الإيجابية، وتحفيز طاقة الإنسان الهائلة نحو الاستمرار في الحياة، نحو البناء. الأسبوع الماضي كان حفل توقيع روايتها الأولى، إنسانة جديدة ولدت بالدعم وبالحب والاهتمام، الكتابة منحتها حياة جديدة، وعمرا آخر.
كاتبة مصرية