الانفراد الروسي باتفاقيات خفض التصعيد في سوريا يربك موقف المعارضة

القاهرة - زادت اتفاقيات خفض التصعيد، التي تمكنت روسيا من التوصل إليها في سوريا، من تخوفات فصائل في المعارضة بعدما شعر بعضها، وربما داعموها، بأنه تم تهميشهم، فيما شعرت فصائل أخرى بأن روسيا أخرجت مسار أستانة عن هدفه الأصلي ونجحت في القضاء على فرص الضغط للتوصل إلى انتقال سياسي.
ورغم حالة الاستياء العام لدى المعارضة، فإن هناك مؤشرات على أنها لن تقاطع جولة أستانة القادمة، إما بضغط ما من تركيا وإما لإظهار أنها لا تزال موجودة على الساحة وإما على الأقل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأهداف التي انطلقت من أجلها الاحتجاجات في سوريا قبل سنوات.
وانتقد العميد أحمد بري، رئيس أركان الجيش الحر ورئيس وفد فصائل المعارضة بالجولة الخامسة من أستانة، مسارعة الروس مباشرة بعد نهاية هذه الجولة إلى عقد اتفاقيات منفردة ومنفصلة لخفض التصعيد مع فصائل بعينها من المعارضة أو أهالي منطقة ما، مشددا على أن هذا يقضي فعليا على مسار أستانة ويقسم المعارضة وقوى الثورة.
وحول ما إذا كان هذا الاستياء سيؤثر على مشاركة المعارضة في الجولة القادمة من المفاوضات التي تُعقد برعاية روسية تركية إيرانية، قال بري في تصريحات إعلامية إن “الخارجية الكازاخية أعلنت أن الجولة السادسة ستكون نهاية الشهر الجاري ولم نتسلم بعد أي دعوات بشكل رسمي، ولكن إذا وصلتنا سندرس أولا المحاور المطروحة لمناقشتها في اجتماع سيعقد في العشرين من هذا الشهر للفصائل العسكرية التي شاركت في الجولة الخامسة”.
وشدد على أن “قرارنا بالمشاركة من عدمه سيعتمد على مدى جدية النظام وداعميه الروس للعودة إلى مسار أستانة الأساسي، أي خفض التصعيد وفك الحصار ووقف إطلاق النار بشكل عام، ودون ذلك لن نذهب”.
ورعت روسيا ثلاث اتفاقيات لخفض التصعيد في سوريا، إحداها شمال حمص وذلك بوساطة مصرية، والثانية لخفض التصعيد في الغوطة بوساطة مصرية أيضا، والثالثة لخفض التصعيد في جنوب غرب سوريا برعاية أميركية روسية أردنية وتشمل محافظات السويداء والقنيطرة ودرعا. ويدور الحديث حاليا عن مساع لإعلان منطقة رابعة في إدلب.
وتوقع القيادي بالجيش الحر محمد الشامي ذهاب وفد مصغر من ممثلي بعض الفصائل لأستانة “نتيجة ضغوط تركية وخليجية ودولية تمارس حاليا بالفعل على بعض الفصائل المسلحة”.
وأكد الشامي أن “الهدف الحقيقي من اجتماع أستانة القادم هو التفاهم بين الولايات المتحدة وتركيا حول قضية السيطرة على إدلب ومساحة نفوذ كل منهما بها”، ورأى أنه “في حال فشل الجانبان في التفاهم ستلجأ الولايات المتحدة مجددا إلى حليفها الرئيسي، المقصود به الأكراد لتنفيذ هجوم على إدلب تحت ذريعة تطهيرها من النصرة”.
الاتفاقيات فضحت أسلوب الروس في التعامل بشكل تكتيكي مع الأزمة السورية لتضيّع على السوريين حقوقهم وفرص المعارضة في الضغط للتوصل إلى حل سياسي
وأضاف “ربما العقبة الوحيدة التي تعوق تنفيذ هذا السيناريو هو أن تقوم تركيا برد فعل انتقامي واسع ضد الأكراد بمهاجمة عفرين المعقل الرئيسي للقوات الكردية”.
وعن حقيقة ما إذا كانت تركيا تضغط على فصائل المعارضة التي تدعمها لعدم المشاركة في الجولة القادمة حتى يتم اشتراط أن تكون أنقرة هي راعية اتفاق خفض التصعيد في إدلب، بعدما اختارت روسيا كلا من مصر والأردن لرعاية الاتفاقيات الثلاث السابقة، لفت المستشار السياسي للهيئة العليا للمفاوضات يحيى العريضي إلى أن “العلاقة بين روسيا وتركيا على درجة من القوة تنتفي معها حاجة الأخيرة لإتمام مقايضة تدعم فيها مصالحها على حساب الثورة السورية”.
وقال العريضي “من يتحدث عن شروط ومقايضات ما بين الأتراك والروس والأميركان بشأن إدلب يتناسى تماما صعوبة الأوضاع على الأرض فيها خاصة مع وجود هيئة فتح الشام (النصرة سابقا) وسيطرتها مؤخرا على الأوضاع”.
وأشار العريضي إلى أن “البعض قد يرى أن اتفاقيات خفض التصعيد جعلت من روسيا صاحبة الكلمة العليا بسوريا دون منازع، ولكنها في الحقيقة أخضعت موسكو لابتزاز الأميركيين والإسرائيليين والأكراد والنظام الأسدي”.
ورأى أنها “فضحت أسلوب الروس في التعامل بشكل تكتيكي مع الأزمة السورية لتضيّع على السوريين حقوقهم وفرص المعارضة في الضغط للتوصل إلى حل سياسي شامل وعادل”.
وأعرب عضو المكتب السياسي للهيئة ياسر فرحان عن قناعته بضرورة “استمرار مسار أستانة كونه يتم بالتوازي مع محادثات جنيف التي تبحث الانتقال السياسي، كما أن هذا المسار هو الطريق الوحيد لوقف شامل لإطلاق النار لحفظ أرواح المدنيين، وحتى لا تتحول الحواجز والمسارات التي أوجدتها اتفاقيات التخفيض إلى خطوط فصل تهدد وحدة البلاد”.
وبالرغم من إقراره بأن اتفاقيات خفض التصعيد قللت بالفعل من نزيف الدم السوري، فإنه حذر من أن “تعمّد النظام عقد تهدئة بمنطقة وضرب أخرى سيمكنه في النهاية من إسقاط كل المناطق إما عبر العمل العسكري وإما بواسطة اتفاقيات الإذعان التي يضطر أهالي المناطق إلى عقدها من أجل إيقاف القصف وفك الحصار عن مناطقهم، وفي الحالتين يكون معنى هذا إعادة الاعتراف بشرعيته والقبول بتسوية طالما أكدنا رفضها في جنيف وأستانة”.
وأوضح القائد العام لحركة “تحرير الوطن” العقيد الركن فاتح حسون قلقه من اتفاقيات خفض التصعيد، واعتبر أنها “حرمت الثورة والمعارضة من أن يكون لها تمثيل حقيقي، وجعلتها ظلا لروسيا التي تعلن منفردة اتفاقيات خفض التصعيد وتلزم الجميع بتنفيذها”.
ونفى حسون، الذي شارك في كل اجتماعات أستانة منذ بدايتها، تعرض أي فصيل عسكري لضغوط من جانب تركيا أو الدول الخليجية الداعمة للثورة فيما يتعلق بمسار أستانة.