برلمان تونس يرجئ مناقشة قانون المصالحة لامتصاص الاحتجاجات

تونس - أرجأ البرلمان التونسي الجمعة النظر في مشروع قانون متعلق بمصالحة في المجال الإداري لاستكمال الاستشارة الضرورية من قبل المجلس الأعلى للقضاء والنظر فيه بعد عطلته النيابية.
ويدخل مجلس نواب الشعب في تونس في عطلة برلمانية خلال شهري أغسطس وسبتمبر القادمين، ويستأنف أعماله في أكتوبر القادم.
وقال محمد رمزي بن خميس نائب رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان لـ”العرب” إنه “تم التوافق بين أغلب الكتل النيابية على أن يمر القانون في جانبه الإداري فقط وأحيل القانون على مكتب المجلس لأخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء”.
وتتطلب مناقشة مشاريع القوانين التي تثير الخلافات بين البرلمانيين، قبل تمريرها للمصادقة عليها في جلسة عامة، استشارة البرلمان للمجلس الأعلى للقضاء ليبدي رأيه في مدى قانونيتها.
وطلب المجلس الأعلى للقضاء مهلة لتقديم إجابته بخصوص الاستشارة التي تقدم بها البرلمان حول مشروع المصالحة في المجال الإداري، الذي كان بمبادرة من رئاسة الجمهورية.
ويواجه مشروع قانون المصالحة، الذي تقدم به الرئيس الباجي قائد السبسي في يوليو 2015، معارضة شديدة من قبل حقوقيين ونشطاء سياسيين. وبعد جدل واسع، عدلت الرئاسة البعض من فصول المبادرة، إذ ألغت الجزء المتعلق بمصالحة مع رجال أعمال تورطوا في قضايا فساد مع نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
ويقول الداعمون لمبادرة المصالحة إنهم يسعون من خلال القانون إلى إنعاش اقتصاد البلاد بالمليارات من الدولارات، بهدف إعطاء إشارات إيجابية للمستثمرين في الداخل والخارج لتنفيذ مشاريع جديدة في تونس.
وقال الخبير في المخاطر المالية مراد الحطاب في تصريحات لـ”العرب” إن “تونس ستتمتع بموارد مالية إذا تحقق صلح إداري وضرائبي وفق ما يضمنه هذا القانون”.
|
ولفت الحطاب إلى أنه “عندما تقع تسوية ملفات إدارية لموظفين كبار في الدولة سينعكس ذلك إيجابا على عجلة الاستثمار ويدعم الاقتصاد الوطني”.
ورغم ما يبديه مشروع القانون من خطة ناجعة للنهوض بالاقتصاد المتردي، مازالت الاحتجاجات المطالبة بسحبه متواصلة.
ونفذ محتجون منتمون لحملة “مانيش مسامح” (لن أسامح) الجمعة أمام البرلمان التونسي وقفة احتجاجية رفضا لتمرير مشروع قانون المصالحة في المجال الإداري على الجلسة العامة.
وتجمع محتجون ارتدى البعض منهم قمصانا عليها شعار الحملة لمطالبة البرلمان بإلغاء جلسة التصويت على القانون التي كانت مقررة الجمعة.
ورأى بن خميس أن الاحتجاجات أمام البرلمان “إيجابية وتعكس مكسبا” من مكاسب ثورة يناير، مضيفا “هذا المكسب لا تراجع عنه، فكل له الحق في أن يعبر عن موقفه سواء كان مع القانون أو ضده بطريقة حضارية وسلمية”.
وأشار إلى أنه في حال تمت المصادقة على القانون “سيخضع المشمولون به لكامل مبادئ العدالة الانتقالية من مساءلة ومصارحة وإرجاع أموال تم اختلاسها وتقديم الاعتذار للشعب”.
وتابع “فالمصالحة الإدارية ستشمل موظفين بأعلى المراتب بالدولة تحصلوا على امتيازات فقط وستتم مساءلتهم”. ولفت إلى أن بقاء قضايا الموظفين الحكوميين المتورطين مع النظام السابق معلقة لأكثر من 7 سنوات “جعلها تتحول إلى عبء على الدولة”.
وأكد أن “القانون في الجانب الإداري يحظى بإجماع وموافقة أغلب الكتل الممثلة في البرلمان وتم تأجيل الجانب المالي منه لمبادرة تشريعية أخرى وربما لن يقع التطرق إليه أبدا وتركه لهيئة الحقيقة والكرامة”.
ويقول المحتجون إن القانون يهدد مسار العدالة الانتقالية ويشجع على ثقافة الانفلات من العقاب. وقال عضو حملة “مانيش مسامح” شرف الدين القليل في تصريحات إعلامية على هامش الوقفة “لن نرضى بغير الدستور وقانون العدالة الانتقالية بديلا”. وأوضح بن خميس أن “هناك جهات تسعى لتعطيل كل ما من شأنه أن يجعل من المرحلة الانتقالية ناجحة في تونس من خلال رغبتها في تعطيل قانون المصالحة في جانبه الإداري”.
وتابع “الحكومة التونسية حققت خطوات هامة استعادت بها ثقة الشعب بإعلانها حملة ضد الفساد”.
وأنهت لجنة التشريع في البرلمان مناقشة مشروع قانون المصالحة بعد إدخال تعديلات عليه وإحالته إلى التصويت عليه في الجلسة العامة قبل أن تطلب استشارة المجلس الأعلى للقضاء لإبداء الرأي فيه.
وطرح مشروع القانون في نسخته الأولى قبل عامين تحت اسم “المصالحة الاقتصادية”، وأثار نقاشا في البلاد، ولقي اعتراضا من أحزاب محسوبة على المعارضة ومنظمات من المجتمع المدني.
وسبب الاعتراض أنه قد يمهد لعقد صلح مع رجال أعمال وموظفين كبار في الدولة مرتبطين بقضايا فساد وإهدار للمال العام، منذ فترة حكم بن علي.
وأدخلت تعديلات على القانون، تم بموجبها إبعاد رجال الأعمال والمتورطين في قضايا تهرب ضريبي من المصالحة. ويشمل القانون في نسخته المعدلة نحو 1500 موظف.
وترى الرئاسة أن المصالحة الاقتصادية ستسمح بتعزيز مناخ الاستثمار وستساهم في الحد من البيروقراطية، بينما تنظر إليها الأحزاب المعارضة ومنظمات من المجتمع المدني على أنها إفلات من العقاب وتبييض للفساد.