تشجيع الأسر للأبناء على تجاوز الفشل الدراسي يجنبهم الانتقام

لم تكن تعلم حنان كمال، وهي أم مصرية تعيش في حي المطرية شمال القاهرة، أن ابنها الوحيد سوف يترك المنزل إلى غير رجعة ودون سابق إنذار، إثر تهديد مسبق من والده له بأنه في حال حصوله على مجموع منخفض في الثانوية العامة، سوف تكون له تداعيات غير متوقعة.
اختفى عمر يوم النتيجة وندم الأب بشدة، وتعيش الأم حالة يرثى لها، مثلها في ذلك مثل أمهات مصريات دفعن فاتورة باهظة لهوس الأسرة بتحصيل الأبناء مجاميع مرتفعة، بعدما فقدن أبناءهن إلى الأبد، إثر انتحار 6 طلاب بطرق مختلفة، إما بتناول السم، أو بالقفز في مياه نهر النيل، أو الشنق داخل غرفة النوم، كنوع من الانتقام الذاتي للخوف من ردة فعل الأسرة على فشلهم في تحصيل درجات مرتفعة.
قالت حنان كمال لـ”العرب” إن ابنها عمر لم يعد له أثر، وتم إبلاغ الشرطة لتوزيع منشور على مختلف المراكز يحمل صورته لإمكانية العثور عليه، لكن دون جدوى، وتخشى أن يكون قد أقدم على الانتحار.
وأضافت أن هروبه كان نتيجة خوفه من والده الذي هدده في حال حصوله على مجموع منخفض سوف يعيش بعدها حياة بائسة، لا مصروفات ولا معاملة حسنة، والآن يعيش الأب حالة ندم غير مسبوقة.. "ليت عمر رسب نهائيا وترك التعليم ولم يهرب، فنحن ندفع فاتورة عدم احتوائه حتى لو فشل".
ولم يشفع خروج طارق شوقي وزير التربية والتعليم في مصر لمخاطبة أولياء الأمور في تغيير ثقافة التعامل الأسري في هذه الحالات، حتى أنه قال "أرجوكم كأب.. إن المجموع ليس نهاية المطاف حتى لو كان منخفضا، احتووا أبناءكم وشجعوهم، لأن زرع الخوف بداخلهم أثبت أن عواقبه وخيمة، وفكرة النجاح بالمجموع فاشلة".
تشجيع الأسر للأبناء على تجاوز التراجع يجنبهم الانتقام من أنفسهم، لأنه لا وجود لنتائج إيجابية مع التهديد
وقال شوقي لـ"العرب" إن انتحار طلاب واختفاء آخرين بسبب المجاميع المنخفضة، أمر كارثي بكل المقاييس، وثقافة مجتمعية يجب تغييرها فورا، لذلك نحن في طور الإعداد لنظام تعليم لا يقر بالمجموع نهائيا، ولا بديل عن ذلك لمواجهة هذا الرعب الحاصل داخل الأسرة المصرية.
اللافت أن الكثير من الأمهات والآباء، أمام شعورهم بإمكانية خيبة الأمل في عدم تحصيل أبنائهم لدرجات مرتفعة، وضياع حلم الالتحاق بكلية متميزة، لجأوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي لكتابة منشورات موجهة لأبنائهم قبيل إعلان نتيجة الثانوية ونتيجة تنسيق القبول بالجامعات لطمأنتهم على الرضا بأي مجموع، خشية أن يكون هناك رد فعل انتقامي من أبنائهم تجاه أنفسهم.
من بين المنشورات التي لقيت إشادة وتفاعلا مثاليا، ما كتبته رضوى محمود، وهي أم للطالبة مريم، قالت فيه وهي تنشر صورة لها برفقة ابنتها “فتاتي الوحيدة، أنا رضيت بمجموعك قبل معرفته، فأنت بالنسبة إلي المستقبل الوحيد، وأهم من أي درجات أو كليات، وحتى إذا فشلت، فالفشل بداية النجاح.. إياك أن تغضبي أو تفكري بجنون، فإذا ما فشلت فأنا سأكون سندا لك.. لننجح معا".
وقالت رضوى بعد آلاف المشاركات التي حدثت لمنشورها على صفحات التواصل الاجتماعي واعتبارها قدوة لباقي الأسر، إن ابنتها كانت تفكر في الانتحار فعليّا، خشية أن تفشل في إرضائي بمجموع مرتفع والالتحاق بكلية الطب، وأردت طمأنتها بقبولي أي نتيجة مهما كانت، وهو ما جاء بنتائج إيجابية للغاية.. لا بديل عن تشجيع الابن حتى وهو في مرحلة الفشل لتجنب العواقب الوخيمة.
ويرى خبراء في علم النفس الاجتماعي، أن تشجيع الأسر للأبناء على تجاوز التراجع في التحصيل الدراسي يجنبهم الانتقام من أنفسهم، لأنه لا وجود لنتائج إيجابية مع التهديد والوعيد، بقدر ما تكون المساندة الأسرية في هذه الحالة، هي الدافع الرئيسي لإعادة بناء الثقة داخل الأبناء، بل إنهم يحاربون لرد الجميل لأسرتهم التي ساندتهم وقت الفشل. كما أن التحفيز الزائد والتعنيف المتكرر في حال التقصير وإحساس الابن بأن مستقبل الأسرة مرهون بنجاحه يجعله يفكر في الانتقام من نفسه، لشعوره أنه مكروه أو سوف يواجه حالة من الغضب لن يستطيع معها تبرير فشله.
وقالت سعاد منصور خبيرة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن غياب الحكمة في تعامل الأسرة مع الابن صاحب المستوى المنخفض في التحصيل الدراسي، يدفعه إلى توجيه الغضب والعنف تجاه نفسه عندما يشعر بأنه سوف يتعرض إلى اللوم والعقاب والمقاطعة أو يواجَه بخطاب أسري محمّل بالكراهية والتوبيخ.
وأوضحت لـ”العرب” أن إصرار بعض الآباء على تعويض فشلهم في الماضي بتحقيق طموحاتهم في أبنائهم، هو الخطر الأكبر، ما يمثل ضغوطا شديدة على الشاب أو الفتاة لا تحتمل، خاصة عندما يكون ذلك خارج القدرات، وحتى إن نجحوا تزيد مطامع الآباء في الحصول على المزيد، ما يجعل الأبناء يشعرون بالعجز عن ذلك حتى تصل الحالة النفسية إلى ذروة التوتر والاكتئاب والإحباط واليأس.
وذهبت سعاد إلى ضرورة لجوء الأسر إلى التحفيز والدعم والمساندة، مع تكوين صداقات بين الآباء والأبناء وتجنب انتقامهم من أنفسهم في حالة الفشل، بحيث ينشأ الابن على الشجاعة والمواجهة وتحمل المسؤولية ويحارب لأجل تحقيق ما تحلم به الأسرة.