الأم العزباء بين العار والجرأة

القاهرة - كثيرا ما تطالعنا قصص عن تخلي فتيات عن أمومتهن فتقتل الفتاة وليدها الناتج عن زواج غير شرعي خشية العار والخوف من ردة فعل الأسرة والبيئة المحيطة بها من أقارب وجيران، بينما فتيات أخريات في نفس المجتمع قد يتمسكن بأبنائهن غير الشرعيين رغم صعوبة القرار ما يجعلهن يدخلن في تحدّ صعب مع المجتمع والأسرة.
وتحمل الوقائع التي هي من هذا النوع بين طياتها جملة من الأسباب والمبررات التي ترتبط بشكل أساسي بالفتاة، إما بدفعها نحو ارتكاب جريمة قتل مولودها أو إلقائه في مكان بعيد عن سكنها لتبعد عن نفسها تهمة الإنجاب خارج نطاق الزواج الشرعي، أو بدفعها لأن تربّي الطفل مهما كانت العواقب.
وكانت الفتاة المصرية هدير مكاوي التي أعلنت قبل شهرين أنها سوف تحتفظ بابنها الذي أنجبته خارج إطار الزواج الشرعي بعدما رفض صديقها الاعتراف بابنه مثال ذلك، حيث اضطرت للاستقرار في منزل منفصل بعيدا عن أسرتها والاستقلال بحياتها لتربية ابنها.
وعلى النقيض من هذا أصبحت بعض أقسام الشرطة في عدد من البلدان العربية، ومنها مصر، تعج بقضايا تتحدث عن تخلص الفتاة من طفلها لخوفها من العار، وكان آخرها ما حدث في الأقصر، جنوب صعيد مصر، حيث قتلت فتاة تدعى مروة أشرف رضيعها فور ولادته خشية تعرضها للقتل من أسرتها لقناعتها بأن البيئة الصعيدية لا تتهاون في مثل هذه الحالات.
ويقول الخبراء إن الفتاة التي تعيش في بيئة أو أسرة تتمتع بمستوى اجتماعي وثقافي متميز تعتبر أن ما أقدمت عليه بإقامة علاقة زواج غير شرعي نتج عنها إنجاب طفل “حرية شخصية” لأنها لا تعترف بشيء اسمه العادات والتقاليد وآخر ما تنظر إليه هو المجتمع، بعكس الفتاة غير المتعلمة أو التي تربت داخل أسرة منغلقة تقدس الأعراف والأخلاق وما يعرف بـ”شرف العائلة”، فهي تنظر إلى ما فعلته على أنه “جريمة”، ما يدفعها لمعاقبة نفسها بقتل طفلها.
كما أن السن والخبرة الحياتية تكونان حاكمتين في مثل هذه الأمور، فالفتاة التي تنجب في سن صغيرة خارج إطار الزواج الشرعي تختلف عن الفتاة التي بلغ سنها الثلاثين أو أكثر، فالأولى قد يصعب عليها العيش بعيدا عن كنف الأسرة ، أما الثانية فهي تستطيع الاعتماد على نفسها.
الفتاة التي تتمتع بمستوى ثقافي متميز تعتبر ما فعلته "حرية شخصية"، وغير المتعلمة ترى أنه "جريمة"، ما يدفعها لمعاقبة نفسها بقتل طفلها
ويرى سامي محمود، أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق المصرية، أن غريزة الأمومة عند الفتاة التي تسلك طريق الإنجاب بطريقة غير شرعية ترتبط بالتكوين النفسي لها قبل أسرتها، فهي من تكون على دراية كاملة بالخطوة التي سوف تفعلها لاحقا لمواجهة الأسرة والمجتمع، وترتفع درجة الأمومة إذا كان تعليمها راقيا وتتمتع بقدر كاف من الثقافة والشجاعة والقدرة على مواجهة كلّ من يحاولون الطعن فيها.
وأضاف لـ”العرب” أن من تحتفظ بابنها الذي أنجبته بعيدا عن التقاليد المعروفة، تكون نفسيّا غير متمسكة بأيّ شيء، لا الأسرة ولا المجتمع، بمعنى أنها قررت أن تكمل حياتها وحيدة لأنها “تكره البيئة التي تعيش فيها والأسرة التي نشأت بداخلها والعادات والتقاليد التي تتحكم في حياة البشر”، وبالتالي فهي تكون شجاعة لأقصى درجة، لأن الخوف يساوي عندها نزع الأمومة منها.
وأشار أستاذ علم النفس إلى عامل آخر أهمّ وهو التكوين الأسري للفتاة ذاتها، فلا يمكن أن تكون ردة فعل أسرة تعيش حياة الرفاهية والرغد ولا تعترف بالتقاليد والقيود النمطية، مثل أخرى تنظر إلى الشرف والأخلاق والتمسك بالعادات على أنها عوامل رئيسية لاستمرار الحياة ومن يخرج عنها يكون مهددا بالقتل، وبالتالي فالفتاة التي نشأت في أسرة لا تحكمها تقاليد بعينها تركز شجاعتها أولا مع المجتمع لأن معركتها مع الأسرة محسومة لصالحها، بعكس فتاة الطبقات الأخرى التي تفكر في “العار” قبل الأمومة.
وتتمتع الأمهات من الفتيات ذوات الوضع الاجتماعي المرموق بالتالي بالشجاعة الأكبر لخوض هذه المعركة، بل ويكافحن لكسبها وبشكل علني مهما بلغت التحديات، ومثال ذلك الفنانة المصرية زينة، التي خاضت معركة قضائية شرسة ضد الفنان أحمد عز لإثبات نسب ولديها برغم إنجابها خارج إطار الزواج، وأسفرت المعركة بعد عام ونصف العام عن نجاحها في إثبات نسب الطفلين لعز.
وأكدت سعاد منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة، أن تمسك الفتاة بغريزة الأمومة من عدمه تتحكم فيه الأسرة قبل كل شيء، وحتى قبل الفتاة نفسها، لأنها تأخذ الشجاعة أو الرهبة والخوف من الأسرة، فالأسرة المتحضرة المتحررة ترى أن الأمر ينتهي بسهولة، ويمكن أن “تستر” ابنتها من الفضيحة بالموافقة على زواجها من الشاب، وتعتبر أن ذلك خطأ يمكن إصلاحه، وبالتالي فإن الفتاة هنا تكون شجاعة لأنها تدرك أن ردة الفعل لن تكون شرسة.
وأضافت “على العكس من ذلك، فإن الأسر التي تحكمها الأعراف والتقاليد تنظر إلى أن قتل الفتاة في هذه الحالة هو دفاع عن الشرف، وهنا تكون سلطة العقاب بيد الأسرة وليس الدولة، وهذه ثقافة من الصعب تغييرها، وبالتالي تسارع الفتاة للتخلص من ابنها غير الشرعي قبل أن تنتهي حياتها إما بالتبرؤ منها للأبد أو قتلها والتباهي بذلك أمام الجميع”.
وأوضحت لـ”العرب” أن الفتاة المتعلمة التي نشأت في أسرة متفتحة تنظر إلى نفسها نظرة “المخطئة” أما التي نشأت في أسرة متوسطة وبيئة اجتماعية منغلقة على نفسها، فهي ترى نفسها “مجرمة” وبالتالي يتحدد مصير الأمومة من خلال ذلك، فالتي تشعر بمجرد الخطأ تستطيع أن تواجه بشجاعة، أما الثانية فهي ترى أن الجريمة إذا لم تعالج فإن الجرم سيؤدي بها إلى الهلاك.
كاتبة من مصر