التفكير في الإلحاد طريق تنتهي بالطلاق في مصر

بعد سنوات طويلة من الإخفاء والصمت، لم يعد بإمكان الأزهر والكنيسة ومختلف الجهات المعنية في مصر التهرب من طرح موضوع انتشار الإلحاد في المجتمع المصري وتحوله إلى ظاهرة تهدد كيان أسر بأكملها بعد أن أصبح أحد أبرز مسببات الطلاق والخلع وفق دراسات وإحصائيات رسيمة، بما يخرجه من دائرة الموضوعات الهامشية ليكون من التحديات التي تجب معالجتها بشكل جدي خاصة وأن الموضوع يتجاوز فكرة الحرية الشخصية في المعتقد ما يجعله يهدد كيان بعض الأسر في المجتمع المصري.
الجمعة 2017/03/24
مجتمع مثقل بالأزمات

القاهرة- أثارت إحصائية صدرت مؤخرا عن سجلات محكمة الأسرة المصرية صدمة في الأوساط المصرية، حيث أشارت إلى أنه في عام 2015 تم تسجيل 6500 دعوى قضائية، رفعتها الزوجات للمطالبة بالطلاق بسبب إلحاد الأزواج.

قضايا الإلحاد في المحاكم المصرية ظلت خلال السنوات الماضية، يتم تناولها على استحياء لما لها من خطورة على الأسرة بشكل خاص والمجتمع عامة، لكن يبدو أن زيادة حدتها وتأثيرها على عقلية الصغار داخل الأسرة الواحدة دفعت الزوجات إلى الخروج من حالة الصمت إلى البحث عن التحرر من هيمنة زوج ملحد، لا يقر بدين أو يؤسس لأسرة متدينة.

وبحسب إحصائية لمحكمة الأسرة في مصر فإن قضايا الطلاق أو الخلع بسبب إلحاد الزوج شهدت ارتفاعا بنسبة 30 في المئة مع نهاية عام 2016، ما يعني أن العدد في تزايد مستمر، وقد يصل عدد الدعاوى القضائية إلى ما يزيد على ألفي حالة هذه الأيام عما كان عليه في عام 2015 عندما تمّ الإفصاح بشكل رسمي عن عدد هذه النوعية من قضايا الطلاق.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال في خطاب له بمناسبة الاحتفال بليلة القدر في يوليو عام 2015، إن هناك الكثير من الشباب المسلم والمسيحي اتجهوا للإلحاد بسبب الفتاوى الضالة وانتشار التشدد الفكري والديني

وتقول البعض من الدراسات والتقارير إنه بعد أن كانت مصر تتصدر الدول الأكثر تدينا في العالم في العام 2009 بنسبة 100 بالمئة وفقا لاستطلاع معهد غالوب الأميركي صارت الآن في مقدمة دول الشرق الأوسط الأكثر إلحادا، غير أن البعض من المختصين يلفت إلى أن مسألة الإلحاد في مصر يتم تداولها بالكثير من التهويل والمبالغة.

ربع مليون مطلقة

في ما يتعلق بالطلاق، أكدت دراسة حديثة لمركز معلومات مجلس الوزراء المصري، أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا في نسب الطلاق، حيث ارتفعت هذه النسبة من 7 بالمئة قبل 50 سنة إلى 40 بالمئة في الوقت الحالي، وبلغ عدد المطلقات في السنوات القليلة الماضية أكثر من 3 ملايين، وأشارت إلى أن عام 2015 شهد وحده ربع مليون حالة طلاق، أي بمعدل 240 حالة كل يوم، أي عشر حالات في كل ساعة، ويزداد الطلاق في فئة العمر ما بين 30 و35 سنة.

وكان مما لفت الانتباه إلى تمدد الإلحاد داخل الأسرة المصرية، بغض النظر عن التصاقه بالأزواج من عدمه، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نفسه قال في خطاب له بمناسبة الاحتفال بليلة القدر في يوليو عام 2015، إن هناك الكثير من الشباب المسلم والمسيحي اتجهوا للإلحاد بسبب الفتاوى الضالة وانتشار التشدد الفكري والديني وحالة الاستقطاب الموجودة في المجتمع.

وفي أكتوبر من العام ذاته، حذر شيخ الأزهر أحمد الطيب من وجود مؤسسات وهيئات تنتشر في مصر مهمتها نشر الإلحاد بين الشباب، وتبعت ذلك مناقشة الأمر من خلال مؤتمر موسع لمجلس كنائس مصر.

ويشير خبراء مهتمون بشؤون الأسرة المصرية إلى أن إثبات إلحاد شخص ما هو مسألة في غاية الصعوبة ومحفوفة بالخطر، حيث لا يكفي مجرد حديث شخص برأي ديني مُخالف لما اعتاده الناس، أو امتناعه عن أداء الشعائر، لرميه بالكُفر والإلحاد، بل يجب توخي الحذر التام، والشيء نفسه ينطبق على أي زوجة تذهب إلى المحكمة لاتهام زوجها بالإلحاد، وتطلب الطلاق.

الزوجة التي تعاني من إلحاد زوجها وتطلب الطلاق منه، لا تبحث، كما يقول البعض، عن مكاسب مادية، أو تتلاعب على المحكمة

وقال خبراء قانون لـ”العرب” إن الزوجة التي تطلب الخلع بسبب إلحاد زوجها ستواجه مشكلة كبيرة داخل محكمة الأسرة لإثبات إلحاده، لأنها ستكون بحاجة إلى شهود يوثقون إلحاد الزوج، حيث أن القاضي لا يمكنه أن يأخذ برأي الزوجة وحدها، إذ من الممكن أن تكون التهمة باطلة، وأن الزوجة تريد الخلع بعد أن ملّت الحياة معه لأسباب أخرى. رأي آخر يبرر زيادة الدعاوى القضائية بسبب الإلحاد في مصر، وهو المتعلق بالأقباط. فتعديل الكنيسة المصرية لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، واعتبار الإلحاد أحد أسباب الطلاق، بعكس ما كان معمولا به من قبل، قد يكون عاملا رئيسا في زيادة دعاوى الطلاق من هذا النوع أمام المحاكم.

وبمقتضى التعديلات المقترحة من الكنيسة، والتي عرضتها على البرلمان لمناقشتها وإقرارها، فإن الإلحاد أصبح أحد الأسباب التي تسمح للزوجة المسيحية بالذهاب إلى المحكمة لطلب الطلاق. والطلاق في المسيحية من بين الممنوعات إلا في حالات ثلاث، هي الهجر والزنا والإلحاد، حسب آخر تعديل للكنيسة في مارس 2016 في ما يخص أسباب الطلاق.

يشير التعديل إلى أنه إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي، أو إلى الإلحاد، أو إلى مذهب لا تعترف به الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وانقطع الأمل في رجوعه، جاز الطلاق، بناء على طلب الطرف الآخر. غير أن متابعين للشأن القبطي في مصر لفتوا إلى أن الاتهام بالإلحاد قضية واسعة، وتختلط بقضية أخرى هي الانتقال من طائفة مسيحية إلى أخرى.

يوضح أحد قضاة محكمة الأسرة في القاهرة في تصريح لـ”العرب” أنه حتى لو كانت إحصائية عدد قضايا الطلاق بسبب إلحاد الأزواج صحيحة، إلا أن عدد حالات الفصل فيها والحكم بتطليق الزوجة يظل هو الفيصل، لأن الزوج في الغالب ينكر الاتهام كي لا يخسر أبناءه وأمواله من ناحية، وحتى ينأى بنفسه عن معاداة العائلة والمجتمع المحيط به من ناحية أخرى. وأضاف القاضي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن هناك زوجات يلجأن إلى طلب الطلاق من خلال اتهام الزوج بأشياء توقع عليها الضرر الأدبي والنفسي والاجتماعي، من بينها الإلحاد، وبالتالي يتم تطليقها بقرار من المحكمة وتحصل على كامل حقوقها المادية، بعكس قيامها برفع دعوى خُلع ما يجعلها تخسر كل شيء، لكن ذلك لا ينفي وجود إلحاد بين الأزواج بدأ يأخذ منحى أكثر خطورة، لكن إثباته عملية صعبة ومعقدة.

مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا في نسب الطلاق، حيث ارتفعت هذه النسبة من 7 بالمئة قبل 50 سنة إلى 40 بالمئة في الوقت الحالي

الزوجة مظلومة

تشدد هويدا محمود الناشطة في حقوق المرأة على أن الزوجة التي تعاني من إلحاد زوجها وتطلب الطلاق منه، لا تبحث، كما يقول البعض، عن مكاسب مادية، أو تتلاعب على المحكمة لتجنب رفع قضية خلع تجعلها تخسر كل شيء، فهذا اعتقاد خاطئ. وأضافت لـ “العرب” أنه إذا كانت المحاكم المصرية تفصح على مدار الوقت عن شبكات تبادل الزوجات، فلماذا لا يمتد هذا “الإفصاح” إلى قضية تغيير العقيدة أو إنكارها عند البعض من الأزواج، وفي الوقت نفسه، فإن الزوجة أمامها طرق أخرى أسهل للحصول على الطلاق.

ويرى مراقبون لهذه القضية شديدة التعقيد أن تغيير الديانة وفق قانون الأحوال الشخصية المصري يفسد عقد الزواج، لكن إثبات ذلك التغيير يظل هو المعضلة الكبرى ويختلف من قاض إلى آخر، حيث يكون الأمر متروكا لسلطة المحكمة. ويقول هؤلاء إن إلحاد الأزواج واقع موجود لأسباب عديدة تتعلق بالتوجهات الشخصية للفرد، وأيضا من بين الأسباب الظروف الاقتصادية شديدة الصعوبة والتشدد الديني من بعض التيارات التي أضحت تُكفّر كل شيء إلى درجة تدفع البعض إلى الكفر بدينها.

ويرى خبراء في علم الاجتماع أن تناول موضوع إلحاد الشباب وتأثيره على الأسر يجب ألا يتم اختزاله ومعالجته بعيدا عن مشاكل أخرى متجذرة في المجتمع المصري تتعلق بالتناول الديني لشؤون الحياة اليومية. وحذروا من اتخاذ ذريعة الإلحاد هذه لصرف الانتباه عن قضايا أخرى تتعرض حاليا للإهمال، كالقضايا الاقتصادية، وتجديد الخطاب الديني، وتراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر والأوقاف والدعاة، علاوة على قضية الحريات في المجتمع.

كاتبة مصرية

12