الوجبة المدرسية كابوس الأسرة المصرية

عمّقت حوادث تسمم الطلاب في مصر بسبب التغذية المدرسية تشوه صورة المدرسة بشكل عام في أعين أرباب الأسر، فإلى جانب انخفاض المستوى التعليمي فيها، أصبحت الوجبات المقدمة للطلاب من جانب الحكومة مشكوكا في سلامتها، وأضحى ذلك صداعا مزمنا لمختلف الأسر.
منذ انطلاق العام الدراسي في سبتمبر الماضي لا تكاد تمر أيام معدودة حتى يستيقظ الرأي العام على واقعة تسمم جديدة تطال مجموعة من الأطفال بالمدرسة جراء تناول وجبة من التغذية المدرسية التي تقوم وزارة التربية والتعليم بتوزيعها على الطلاب كل يوم، ما يسبب حالة من الهلع خوفا من تطور الأمر ووصوله حد الوفاة.
وخلال العام الدراسي الحالي فقط وقعت حوالي 36 حادثة تسمم بين الطلاب في عدد من المحافظات، ما دفع الأهالي إلى الاحتجاج أمام المستشفيات والمديريات التعليمية، والمطالبة بإقالة المسؤولين عن التغذية المدرسية.
الوجبة المدرسية ليست رفاهية من الحكومة، بل الهدف منها رفع عبء توفير الغذاء الصحي للأطفال عن كاهل الأسر
لم يعد هذا الملف مثيرا للهلع بالنسبة إلى أولياء الأمور وحدهم، بل وصل الأمر إلى الجهات الحكومية نفسها، لأن الحديث عن تسمم مجموعة من الطلاب في مدرسة بعينها يدفع الحكومة بأكملها إلى التحرك، كل في تخصصه، فمشهد سيارات الإسعاف وهي تقل التلاميذ من المدارس إلى المستشفيات بعد إصابتهم بالتسمم يشل حركة مختلف الجهات ويثير الرعب في نفوس الأهالي.صحيح أنه لم تحدث حالة وفاة بين الطلاب.
لكن كثرة الحوادث دفع الأسر ذاتها إلى المطالبة بإلغاء الوجبة المدرسية، وتبني حملات موسعة لهذا الغرض للضغط على الحكومة لاتخاذ قرار بالاستفادة من الأموال المخصصة للتغذية، والتي تكلف خزانة الدولة سنويا ما يزيد على 1.5 مليار جنيه (ما يقرب من مئة مليون دولار)، في تطوير المدارس الحكومية.
وعلى الرغم من كثرة وقائع التسمم، وتحول الوجبة المدرسية إلى كابوس للأسرة، لم تتم محاسبة أي جهة حكومية حتى الآن، وهو ما يثير الشكوك حول وجود جهات بعينها تريد الحفاظ على المكاسب التي تحققها من وراء “بزنس التغذية”، وهو البزنس الذي تشارك فيه مصانع يمتلكها رجال أعمال وجهات حكومية، أبرزها وزارة الزراعة بمزارعها المنتشرة في البعض من المحافظات.
قالت عبير أحمد رئيسة ائتلاف أمهات طلاب المدارس الحكومية لـ”العرب”، “إن التغذية المدرسية أصبحت مسمومة وتثير رعب الآباء والطلاب، في ظل غياب ثقافة المحاسبة، وتجاهل البحث عن أسباب فسادها، وأضحت كل أم في حالة رهبة حتى يعود طفلها إليها سالما في نهاية اليوم الدراسي”.
وأضافت أن حالات التسمم التي تقع في المدارس باتت “مخيفة”، وأن الأزمة تكمن في أن الحكومة، بمختلف وزاراتها المسؤولة عن هذه المنظومة (التغذية المدرسية)، تؤكد في كل حادثة أن الوجبة “سليمة”، وأن ما حدث مجرد “إيحاء وهمي” بوقوع التسمم، على الرغم من أن التقارير الطبية في كل مرة تؤكد أن سوء التخزين هو السبب وراء التسمم، لكن دخول مؤسسة الرئاسة طرفا في الأمر في الحادثة الأخيرة، هدّأ من روع الأهالي.
وزارة التربية والتعليم المصرية توفر وجبات “جاهزة الطهي” لمدراس الصُم والبُكم ومدارس المتفوقين، علاوة على وجبة جافة لطلاب التعليم الإعدادي والثانوي، وفطيرة لتلاميذ التعليم الأساسي، وألبان معقمة معبأة، وبسكويت، وحلوى، وخبز لتلاميذ رياض الأطفال والابتدائي.
خلال الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة تحريض الأسر لأبنائها الطلاب على عدم استلام الوجبات المدرسية، تحت مبرر أن “الوجبة تحتوي على سمّ قاتل”، وهناك الآن بالفعل تجاوب واسع من آلاف الطلاب، بحسب تقارير المتابعة الواردة من إدارات المدارس لوزارة التربية والتعليم.
وزارة التربية والتعليمتنظرإلى الوجبة المدرسية بالأساس باعتبارها إحدى وسائل علاج سوء التغذية بالنسبة إلى الكثير من طلاب التعليم الحكومي
إلا أن مصدرا حكوميا كشف لـ”العرب”، أنه لا نية لدى الحكومة في الاستجابة لمطالب الأسر بإلغاء الوجبة المدرسية وتحويلها إلى دعم نقدي يُقدم إلى المدارس، أو توزيعه مقابل هذه الوجبات على الطلاب كتعويض لهم، وتساءل المصدر كيف نضمن إنفاق النقود في مسارها الصحيح من جانب الأسر نفسها؟ ولفت إلى أن الحكومة عليها التزامات دولية برعاية صحة الطلاب ودعم الفقراء منهم.
والوجبات المدرسية جرى تعميمها في مصر منذ أربعينات القرن الماضي من خلال برنامج قومي للتغذية المدرسية، كان يستهدف المناطق الفقيرة والشعبية، ثم توسّع فأصبح يشمل مختلف مدارس الجمهورية، لكنه يأخذ طابعا مختلفا في البعض من المدارس الحدودية (في المحافظات النائية)، حيث يكون هناك مطبخ في كل مدرسة، تقوم فيه الأمهات بالطهي لأبنائهن الذين يتناولون الطعام طازجا، وذلك بمبادرات من بنك الطعام ورجال الأعمال.
وقالت راندة حلاوة وكيلة وزارة التعليم لمحاربة التسريب من التعليم إن “الوجبة المدرسية” ليست ترفا أو رفاهية من الحكومة، بل الهدف منها رفع عبء توفير الغذاء الصحي للأطفال عن كاهل الأسر، خاصة في المناطق الفقيرة المحرومة.
وأضافت لـ”العرب”، أن تخوفات الأسر مشروعة لكنها مبالغ فيها، بدليل أن كل الحالات التي تدّعي التسمم تخرج في اليوم نفسه من المستشفى، وبالتالي فإن ما يحدث بين الحين والآخر بسبب التغذية المدرسية، يدعو إلى الريبة والتساؤل عمّا إذا كان هناك تعمّد من البعض لإثارة البلبلة بين الطلاب، وتشويه صورة الحكومة. وتنظر وزارة التربية والتعليم إلى الوجبة المدرسية بالأساس باعتبارها إحدى وسائل علاج سوء التغذية بالنسبة إلى الكثير من طلاب التعليم الحكومي، كما أنها ترى أن تلك الوجبة واحدة من وسائل جذب الأطفال الصغار إلى المدرسة، لمحاربة ظاهرة التسرب من التعليم التي انتشرت في مصر.