لماذا يرفض الأكاديميون الأفارقة الحياة الناعمة في الجامعات الأميركية

نيروبي- يميل دور العلماء الأفارقة في الشراكات مع معاهد البحوث والجامعات الغربية، إلى التمثل في المقام الأول، في جمع البيانات، تاركين بذلك الوظائف الأهم من تحليل ونشر لنتائج البحوث إلى المؤسسات الغربية. وفي ضوء ذلك، فإنه ليس من الغريب عدم فوز أي من الأفارقة السود بجائزة نوبل في مجالات غير الأدب والسلام.
ويجلس ديريك ندينته، وهو باحث في جامعة جوهانسبرغ في مكتب صغير بلا نوافذ، في واحدة من الجامعات الأقل شهرة في جنوب أفريقيا، لكتابة طلب للحصول على تمويل لأبحاثه. هذا النابغة الكاميروني ذو الأربعين سنة واثق بنفسه. ويقول لطلابه “سأكون أول فائز أسود بجائزة نوبل في الكيمياء”. ويجري ندينته أبحاثا حول النباتات الأفريقية الأصيلة منذ وفاة قريب له في سن مبكرة، متأثرا بمرض السكري، حيث وصف في رسالة الدكتوراه الخاصة به 47 مكونا يساعد على مواجهة مرض السكري.
واحد من كل تسعة أفارقة حاصلين على تعليم جامعي، يترك القارة، وفقا لدراسة أعدتها منظمة التعاون والتنمية
ويعتقد ندينته أنه وجد في جامعة جوهانسبرغ مركزا أفريقيا للتعلم، من الممكن أن يضعه على طريق الحصول على الجائزة المرموقة التي يتم منحها في السويد. ويقول ندينته “ذهب معظم أصدقائي في المدرسة للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، ولكنني أهدف إلى أن أثبت لهم أنه من الممكن التعلم وإنجاز البحوث الجيدة التي تؤثر على العالم، في أفريقيا”.
ويساعد التمويل الغربي الأكاديميين الأفارقة على تحقيق أحلامهم في جامعات أفريقية، حيث يتم توفير الأموال لمساعدتهم في القيام بأبحاثهم بدلا من تلقي خبراتهم في الخارج. وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قالت أثناء زيارتها إلى أفريقيا في أكتوبر الماضي “أعتقد أنه من المهم للغاية ألا تفقد الدول الأفريقية أفضل العقول لديها، وبالتالي لن تتمكن من الاستفادة من هؤلاء الموهوبين في بناء بلدانهم”.
ما أقدم عليه الباحث ديريك ندينته وغيره من الأكاديميين يؤكد أنه ليس من الممكن أن يتخلى الأكاديميون الموهوبون عن قارتهم. ومن بين هؤلاء جيمس أوجود، الذي نقلته وظيفته الأكاديمية من نيروبي إلى درجة الأستاذية، ليكون بذلك أول أستاذ في الأدب الأفريقي في جامعة ويتواترسراند في جوهانسبرغ، وحاليا في جامعة بريتوريا. ويقول الكيني أوجود، البالغ من العمر 60 عاما، والمتخصص في روايات الكاتب الكيني الشهير، نجوجي وا ثيونجو “أعتقد أنني ساهمت في تعليم الجيل القادم من الأكاديميين”.
ويلاحظ أن أعداد طلاب الجامعات في أفريقيا جنوب الصحراء في ازدياد سريع، على الرغم من انحدارهم من طبقات اجتماعية متواضعة. وقد تضاعف عدد الملتحقين خلال الفترة بين عامي 2000 و2010 إلى 5.2 مليون شخص. ويعادل هذا الرقم 6 بالمئة فقط من الشباب، بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي يبلغ في المتوسط 26 بالمئة. ومازال هناك نقص حاد في المكتبات والمختبرات الجيدة، والدعم المالي للطلبة والباحثين.
|
ويشار إلى أن هناك واحدا من كل تسعة أفارقة حاصلين على تعليم جامعي، يترك القارة، وذلك وفقا لدراسة أعدتها منظمة التعاون والتنمية، التي وجدت أن هناك 2.9 مليون أفريقي حاصلين على شهادة جامعية، يعيشون في دول منظمة التعاون الاقتصادي. أما هؤلاء الذين يقررون البقاء، فإنهم يقومون بذلك إيمانا منهم بأهمية دورهم في الإسهام في تحقيق التطور الذي تستحقه أفريقيا.
ويقول أوجود إن “الأكاديميين الأفارقة يقومون في العموم بعمل جيد، في ظل ظروف صعبة للغاية”، مضيفا أنهم على الرغم من ذلك ينالون تقديرا بسيطا في المقابل. ويشير أوجود إلى أنه رغم وجود مؤسسات قوية، إلا أن التدريس لا يرتقي دائما إلى أحدث المعايير، حيث ترتفع أعداد الطلاب بشكل حاد. ومع ذلك، يتحسن البحث، ويتم إنشاء مراكز التفوق.
وكان والد أوجود، شأنه شأن الكثير من الآباء الأفارقة، يحبذ تعليم أبنائه رغم الظروف الصعبة، وقد تمكن من دفع الرسوم المدرسية لأبنائه الـ22، الذين نشأوا في أسرة متعددة الزوجات في ريف كينيا. ويضيف أوجود “لقد نشأنا في بيئة كانت تعتبر فيها فكرة التعلم بالجامعة أمرا عظيما حيث كان ذلك أفضل شيء يمكن القيام به بالنسبة إلى الشباب”. ويؤكد أوجود أنه رفض طوال السنوات الماضية العديد من العروض التي قدمتها له جامعات أميركية، وأنه يفضل البقاء في جنوب أفريقيا.
ويضيف الأستاذ الجامعي “لقد كنت أتقاضى راتبا جيدا في وظيفتي، ورصدت لي بعض الأموال لإجراء الأبحاث، كما أن تكاليف المعيشة هنا منخفضة، في حين أن زملائي في الولايات المتحدة يعانون ماليا”. إلا أن الوضع الاقتصادي في جنوب أفريقيا متعثر في هذه الفترة، وقد تم خفض تمويل البحوث العلمية، فيما ارتفعت أعداد الطلاب، وهو ما يعيق تطوير الجامعات الأفريقية ويحول دون تحقيق نهضة شاملة للعملية التعليمية برمتها هناك.