برامج سوق الجواري وتصفية الحسابات في لبنان

الاثنين 2017/01/16

إن كنت شابا من ممارسي كمال الأجسام، وتتمتع بجسم رياضي وعضلات بارزة فيمكنك أن تتعرى على الهواء مباشرة، وأن تبرز مفاتنك أمام مجموعة من الصبايا المذهولات. ستحظى بصيحات الإعجاب وسينتقل هذا الانطباع إلى الجمهور البليد المتجمد وراء الشاشة، والذي يعرف معظم أفراده أنهم غير مطابقين لمواصفات برنامج “نقشت” الفكاهي، وأنهم لن يستطيعوا اصطحاب فتاة إلى الخارج كما تقول دعاية البرنامج.

لا تكمن المشكلة في اتكال هذا البرنامج بشكل شبه حصري على الإيحاءات الجنسية المباشرة وغير المباشرة، ولكن في تعميمه فكرة إدخال العلاقات إلى سوق العرض والطلب، وتحويلها إلى عملية صيد كما يردد مقدم البرنامج مرارا وتكرارا. لا تخفى على أحد تلك الدلالة التي تربط بين الصيد وفعل القتل، وإذا كان الصياد يقتل طريدته فإن المشهدية غير المعلنة لشكل العلاقات التي يروج لها هذا البرنامج تقوم على قتل العلاقات من خلال تحويلها إلى صيغة استعراضية، تنشأ، وتنمو، وتزدهر في العلنية المفرطة التي تحول الجميع إلى مراقبين، وتحول أطراف العلاقة إلى ممثلين.

لا يجادل الكثيرون أن العلاقات التي تقام تحت عين الميديا ستكون علاقات محكومة بقيم الميديا وخاضعة لطبيعة تتناقض مع طبيعتها، وتاليا فإنها لن تكون مصطنعة وحسب، بل لا يمكن أن تكون حقيقية أساسا. ويطالبنا البرنامج بأن نعتبرها الشكل الجديد والوحيد للعلاقات.

تحرص البرامج الساخرة من ناحية أخرى على تحويل جل المادة التي تقدمها إلى عملية تصفية حساب مع القنوات الأخرى. أكثر من نصف المادة المقدمة تقوم على رصد ما تقدمه القنوات الأخرى والسخرية منه بشكل يصل إلى حدود الإهانة والتجريح. هكذا لم تعد وظيفة هذه البرامج هي التقاط ما يجري في المجال العام وتقديم قراءة نقدية له، بل باتت وظيفتها محصورة في تحويل صراعاتها وخلافاتها إلى شأن عام.

تضاعف هذه النزعة الأذى الذي تسببه لناحية أنها لا تكتفي بنسف الدور المفترض أن تقوم به، ولكنها تغطي القضايا العامة والملحة بطبقة سميكة من مشهدية المناكفات والصراعات، وتساهم في التعمية وتجهيل المشاهد حول حقيقة ما يحدث في البلد.

كذلك تلقي الصراعات السياسية بظلالها على منطق الكوميديا الذي تقدمه الشاشات اللبنانية، وتعمد كل شاشة إلى شيطنة خصوم الفريق الذي تعاديه الجهة السياسية التي تعود ملكية القناة لها.

لا يمكن أن نعثر على أي قدر من الموضوعية إزاء واقع النقد الأحادي والموجه، الذي يحوّل كل تناول، حتى ولو كان متقنا، إلى نوع من البروباغندا الرخيصة، التي لا يمكن أن تؤسس لمنطق كوميدي ولا أن تعبر عن موقف سياسي. يقترب التناول الموجه للشخصيات السياسية في القنوات اللبنانية إلى حدود الشتم المباشر والتلفيق، وبذلك فإنه يؤدي إلى إنتاج ما يمكن أن نطلق عليه تسمية القيمة التراكمية السلبية التي تنسجم مع الفساد السياسي وتشكل رافعة له.

حين يكون نقد السياسي تلفيقا ومناكفة ونوعا من الحسابات الشخصية، فإن ما يغيب فعلا هو الملفات الحساسة، وإمكانية التوصل إلى المعلومات وكشف حقيقة الأمور.

تسخر هذه البرامج من المشاهدين، تسخر من ترهلهم، وعدم امتلاكهم لأجساد رياضية تمكنهم من استدرار تأوهات الصبايا، وتسفّه آراءهم، وطموحاتهم، وآمالهم وأوضاعهم، ولكنهم يضحكون على الرغم من ذلك. هل في هذا الضحك الأعمى شيء آخر سوى اليأس، اليأس التام والنهائي؟

كاتب لبناني

18