قطر.. محاولة التفكير بعقل تيلرسون

لندن – تعيد قطر تموضعها متخذة مواقف تتسق مع رؤية وزارة الخارجية الأميركية ودبلوماسيين سابقين عملوا كمستشارين في البيت الأبيض إبان فترة الرئيس السابق باراك أوباما، ضمن سياسة تبنى تدريجيا بالتنسيق بين الدوحة ومسؤولين أميركيين.
ويقول باحثون في واشنطن إن بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية بدأوا يمررون رسائل إلى قطر تضم مقترحات ينبغي على الدوحة تبنيها إذا ما أرادت الحصول على دعم أميركي، في أزمة ممتدة منذ يونيو العام الماضي، عندما قاطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطر وفرضت عليها عقوبات.
وتبنت قطر بالفعل الكثير من المقترحات الأميركية فاسحة بذلك الطريق أمام مؤسسات في الولايات المتحدة لممارسة ضغوط على دول المقاطعة. ويقول دبلوماسيون في القاهرة، تحدثت إليهم "العرب"، إن قطر تعتقد أن بإمكانها “توفير ذخيرة حية لـ(وزير الخارجية الأميركي ريكس) تيلرسون، كي يصعد من ضغوطه على الرباعي العربي".
عجلة تيلرسون
خلال زيارة قام بها تيلرسون إلى القاهرة في 12 فبراير الجاري، تحدث مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن "تخفيف الضغط على قطر حتى يصبح من الممكن عقد قمة كامب ديفيد".
وقمة كامب ديفيد هي اجتماع سيضم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع قادة دول المقاطعة من جهة، وقطر من جهة أخرى. وكانت القمة مقررة في مايو المقبل لبحث الأزمة ووضع حلول لها، لكن الولايات المتحدة لم ترسل دعوات لحضورها إلى أي من الأطراف حتى الآن.
وقال أحد الدبلوماسيين المصريين لـ"العرب" إن تيلرسون "بدا متعجلا لإنهاء الأزمة، وفشل في تقديم أي مقابل لتخفيف إجراءات المقاطعة".
وتيلرسون هو رأس الحربة لتسويق إدعاءات بأن مقاطعة قطر إجراء ليس ضروريا منذ البداية، ويعطل مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وقال الدبلوماسي المصري “يبدو أن تيلرسون لم يكن يتوقع رد الفعل من جانبنا ولا المقاومة في التمسك بنفس المواقف التي مازلنا نظهرها تجاهه".
قطر تعول كثيرا على ضغوط تيلرسون التي تمنحها فرصة لتمرير الوقت حتى موعد انعقاد قمة كامب ديفيد
وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني “لا توجد مساع جديدة الآن لحل الأزمة سوى مساعي الولايات المتحدة، لا سيما ما يرتبط بقمة كامب ديفيد". وأضاف "إذا تمت الدعوة فإن دولة قطر ستحضر، والولايات المتحدة تتواصل معنا فيما يتعلق بالمقترحات لحل الأزمة".
وتعول قطر كثيرا على ضغوط تيلرسون التي تمنحها فرصة لتمرير الوقت حتى موعد انعقاد قمة كامب ديفيد دون أن تكون مضطرة لتقديم تنازلات، تبدو دول المقاطعة متمسكة بها أولا كشرط أساسي للمشاركة في القمة.
وتعتقد دول المقاطعة أن انعقاد هذه القمة يعني بالضرورة انتهاء الوساطة الكويتية، وهي الوساطة الوحيدة التي مازالت هذه الدول تعترف بها، وتبدي استعدادا للتعاطي معها.لكن القبول بهذه الخطوة يتطلب، وفقا لمسؤولين سعوديين وإماراتيين، تقديم قطر لتنازلات تمهد الطريق لأي حوار محتمل في كامب ديفيد، وإلا فلن يكون لمشاركتهم في هذه القمة معنى حقيقي.
من بين المقترحات التي تعمل بعض المؤسسات الأميركية على ما يبدو مع الدوحة بخصوصها مقترح إنشاء آلية تعاون أمني، على غرار اتفاق التعاون الأمني الأوروبي، الذي طرحته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، وحصل على توافق واسع بين دول الاتحاد الأوروبي.
وتريد قطر بهذا الاقتراح أن تصل إلى هدف لطالما شكّل بالنسبة إليها محورا لسياساتها الخارجية، وهو رسم صورة في الغرب باعتبارها دولة مرنة وعاقلة ومسؤولة. لكن أزمة قطر تكمن في أن هذا المقترح يلامس جوهر مسببات الأزمة، وهي قضية الأمن ذاتها.
ويقول منتقدون للاقتراح، الذي قدمه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يوم الجمعة الماضي، إن قطر عادت مرة أخرى لتبني سياسة التناقضات، إذ تطالب باتفاق خليجي “يبعد المنطقة عن حافة الهاوية”، وفي نفس الوقت تتمسك بعلاقاتها بتنظيمات جهادية ومتشددين يقودون عملية دفع المنطقة إلى حافة الهاوية. وكان ذلك مضمون الرد الذي قدمه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الإثنين، خلال اجتماع في فيينا، إذ قال إن السعودية غير مهتمة بالمشاركة في تحالف أمني إقليمي على غرار الاتحاد الأوروبي مثلما اقترحت قطر.
ويعلم الجبير أن قطر قررت الدخول في "معركة تغيير السمعة" التي ظلت تخسر فيها نقاطا منذ اتهامها خصوصا بدعم الإرهاب في بداية المقاطعة. وسلاحها في هذه المعركة هو محاولة إظهار السعودية ومصر والإمارات والبحرين كدول لا تبدو حريصة على استقرار المنطقة بنفس مقدار الحرص القطري على فعل ذلك.
ويقول محللون إن القطريين، قبل التقدم بمقترح الاتفاق الأمني، كانوا على علم مسبق بأن دول المقاطعة سترفض التعامل معه بجدية، لكن القطريين مستمرون في سياسة إثبات الموقف ليس أكثر.
القمة العربية
تهدف السياسة الأميركية إلى وضع قطر تحت المجهر دائما، عبر دفعها إلى عدم التخلي عن موقعها في النظامين الخليجي والعربي، إذ يعتقد مسؤولون قطريون أن بلادهم عانت من عزلة قاسية منذ فرض المقاطعة عليها.
وانعكست هذه العزلة في تراجع حاد للدور القطري بشكل عام في المنطقة، ولتأثير الدوحة خصوصا في ملفات كان ينظر لها في السابق على أن قطر ستتدخل فيها منطقيا.
ولم يعد لقطر دور يذكر في سوريا، باستثناء الاستمرار في دعم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وتنظيمات تكفيرية أخرى، كما لم يعد لها مكان في قضية المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، إلى جانب تقليص دورها في الأزمتين الليبية واليمنية.
وتحاول قطر، بالتنسيق مع مسؤولين أميركيين، التمسك بأي دور دبلوماسي من أجل إثبات الحضور الدائم في المناسبات العربية. وعلى رأس هذه المناسبات القمة العربية التي من المنتظر عقدها في السعودية في مارس المقبل. وأعلنت السعودية استضافة القمة العربية، بعد اعتذار الإمارات.
ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن الشيخ محمد بن عبدالرحمن قوله، أمام مجلس الشورى، إن “دولة قطر ستحضر القمة بغض النظر عن مكان انعقادها”. وأضاف “الدولة التي ستستضيف هذه القمة، إن كانت من دول الحصار ولم توفر الإجراءات اللازمة، فستكون هي المخالفة وليست قطر”.
وفي ديسمبر الماضي، تسبب حضور قطر لمؤتمر القمة الخليجية التي عقدت في الكويت في فشل القمة في الخروج بأي قرارات أو مقترحات لحل الأزمة. ويقول دبلوماسيون غربيون إن “هذه القمة وضعت حدا للوساطة الكويتية بشكل حاسم”.
ويخشى كثيرون أن يتسبب حضور قطر في عدم خروج القمة العربية أيضا بنتائج، وأن يقود إلى خفض عدة دول محورية لمستوى تمثيلها، وهو ما قد يحول القمة إلى اجتماع عادي.
وتبدو تحركات الولايات المتحدة محاولة لفرض قطر على دول المقاطعة، ودول عربية أخرى لديها خلافات حادة مع قطر، بحكم الأمر الواقع. لكن تمسك دول الرباعي العربي بمواقفها قوض الكثير من هذه السياسة، ولم يعط قطر، أو المسؤولين الأميركيين الذين يتبنون وجهة نظرها، مساحة كافية للمناورة أو طرح مبادرات، قد تشكل واجهة للهروب من حتمية تقديم تنازلات، خصوصا في مسألتي التحالف مع إيران ودعم تنظيم الإخوان المسلمين ومتشددين آخرين.