حصص دراسية لمواجهة التحرش بالأطفال في مصر

القاهرة – لجأت وزارة التربية والتعليم في مصر إلى تخصيص حصص دراسية في المدارس، لتوعية الطلاب بمخاطر التحرش، في محاولة لمقاومة تزايد وقائع التحرش الجنسي في المدارس وفشل الإجراءات العقابية التي اتخذتها الوزارة للقضاء على ظاهرة أصبحت تمثل صداعا مزمنا للأسرة المصرية.
وهذه المرة الأولى التي تقر فيها وزارة التعليم المصرية -بشكل غير مباشر- بتنامي ظاهرة التحرش الجنسي في المدارس، ما دفعها إلى تخصيص حصص في صورة ندوات توعوية دينيا وأخلاقيا واجتماعيا وجسديا تتعلق بضرورة تخلي الصغار عن الغرق في دوامة التحرش.
وأقدمت المدارس على تقديم حصص توعوية عن مخاطر التحرش الجنسي كبديل عن تدريس التربية الجنسية التي طالما تصدى لها المجتمع بقوة عند كل طرح يقدم عليه متخصص في تربية النشء والشؤون التربوية.
قال صفوت عمران -وهو مدير إحدى المدارس بحي عين شمس في شمال شرق القاهرة- إن الحصص الدراسية المعنية بمكافحة التحرش الجنسي سوف تكون في صورة ندوات علمية لتوعية الصغار بمعنى التحرش وأساليبه وكيفية التعرف على الشخص المتحرش وآليات مواجهته، وعدم منحه الفرصة لارتكاب مثل هذه الأفعال معهم.
هذا علاوة على توعية النشء بنوعية التحرش وطبيعة شخصية المتحرشين عبر إكسابهم مهارات مواجهة الانتهاكات الجنسية بكل أشكالها، فضلا عن توعية الجنسين بالتغيرات الفيسيولوجية التي تحدث خلال مرحلة البلوغ والمراهقة.
وأضاف مدير المدرسة لـ”العرب” أن هناك إجراءات متوازية مع هذه الخطوة، بإجراء تحاليل مخدرات على عمال المدارس، تمهيدا لإبعاد كل من تثبت الفحوصات إدمانه على المخدرات عن العمل داخل المدرسة أو عن التعامل مع الصغار، بعدما كشفت بعض وقائع التحرش أن المتهم فيها عامل مدمن.
وتعوّل المؤسسات التعليمية على الأسرة لنجاح فكرة حصص مناهضة التحرش بالمدارس، وترسيخ مضامين ما يتلقاه الطلاب حول هذه القضية، ومراقبة سلوكياتهم وأفعالهم داخل المنزل وخارجه، بشكل ينعكس على ما يحدث داخل المدرسة.
وتقع حوادث تحرش جنسي كثيرة بالأطفال في بعض مدارس مصر، وفي كل مرة تسعى وزارة التربية والتعليم لمعالجة الأمر في صمت بعيدا عن أعين الإعلام للحيلولة دون تنامي الشعور بأن التحرش الجنسي في المدارس ارتقى إلى حد الظاهرة، ومحاولة تجنب تحوله إلى هاجس مرعب في المجتمع.
المدارس أقدمت على تقديم حصص توعوية عن مخاطر التحرش كبديل عن تدريس التربية الجنسية التي طالما تصدى لها المجتمع
ولا يعول الكثير من المتابعين للمسألة على هذه الحصص لأن المسؤولين على التعليم في مصر أطلقوا خلال العام الدراسي الماضي حملة واسعة النطاق الهدف منها توعية الأطفال وتعليمهم كيفية مواجهة التحرش الذي ما زال مستمرا حتى الآن.
ومشكلة التحرش الجنسي في المدارس أن الفئة التي أوكلت إليها مهمة تثقيف وتوعية الأطفال -وهي فئة المعلمين- بعضها متهم بالتحرش، وشهد الفصل الدراسي الأول (20 سبتمبر- 30 ديسمبر) اتهام أكثر من 18 معلما بأنهم تحرشوا جنسيا بطلاب في المدارس، وهي وقائع معلنة، بخلاف التي تسترت عليها بعض الأسر بدافع تجنب إلحاق الفضيحة بأبنائها.
ويقول متابعون إن تطور فكر المدارس من توعية الأطفال إلى اكتشاف المتحرشين ثم توعيتهم بخطر ممارسة التحرش، يعكس حجم انتشار الظاهرة إلى حد أنه لم يكن بإمكان الحكومة المصرية إخفاء هذه الوقائع، بسبب زيادتها، في ظل وجود نحو 52 ألف مدرسة حكومية، وقرابة 8 آلاف مدرسة خاصة، وهو ما يستلزم جهدا مضاعفا.
وكانت السياسة المتبعة في المدارس حتى وقت قريب أن تتم معاقبة الطالب أو المعلم المتحرش بالإبعاد النهائي عن المدرسة، وتحويل الطالب إلى الدراسة بالمنزل أو إحالة المعلم إلى العمل الإداري وليس التربوي، لكن سياسة العقاب لم تعد تجدي نفعا أو بالأحرى لم تعد تصلح للقضاء على وقائع التحرش في المدارس.
رأت نادية رزق (معلمة) أن من الخطأ إلقاء مسؤولية إبعاد الأطفال بالمدارس عن التحرش على المعلمين وحدهم دون تحمل الأسرة للجزء الأكبر المتمثل في توعية أبنائها وتربيتهم بشكل سليم، لذلك فأي توجه نحو التصدي للظاهرة بشكل منفصل لن يجدي نفعا.
وأضافت نادية لـ”العرب” أن المصارحة بين الطفل والأهل داخل المنزل والتقارب الأسري مع الصغار، بداية مثالية للقضاء على صمتهم خوفا من الفضيحة، لأن المشكلة تكمن في وجود أطفال يتعرضون لاعتداءات جسدية ولا يتحدثون، وإذا تحدثوا تتكتم أسرهم خشية العار، ما يعطي الفرصة للمذنب، سواء أكان معلما أم طالبا أم عاملا، للتمادي في انتهاكاته الجسدية.
وقالت جيهان كمال -وهي عضو بحملة “متخافيش (لا تخافي)” لمجابهة التحرش الجنسي بالفتيات- إن تفكير المؤسسات التعليمية في محاربة التحرش الجنسي في المدارس من خلال حصص دراسية أسبوعية خطوة جريئة في مجتمع يرفض الحديث بأي شكل من الأشكال عن هذه الأزمة أمام الصغار، باعتبار أن ذلك يجعل منهم منحرفين جنسيا.
وأوضحت لـ”العرب” أن التوعية المدرسية بمخاطر التحرش لا بد أن تأتي عبر متخصصين في هذا المجال وليس عبر تربويين، لأن التعامل مع الأطفال وحتى الطلاب الشباب يحتاج إلى لغة بعينها للتقارب مع تفكيرهم وأعمارهم، لافتة إلى أن توجه وزارة التعليم يعكس أنها تريد تطبيق التربية الجنسية في المدارس بشكل غير مباشر حتى لا يثور المجتمع ضدها.
وأشارت إلى أنه لا بديل عن تدريس التربية الجنسية وإلحاقها بالمناهج المدرسية حتى لو كان ذلك في صورة أنشطة تتناسب مع عقليات الأطفال، لكن المؤسسات الدينية تقف حائلا أمام تفعيل هذه الخطوة بدعوى أنها تخدش حياء الطلاب ومن الخطأ لفت أنظارهم إلى الجنس، وهذا تفكير قديم لا يأتي سوى بنتائج كارثية مثل انتشار التحرش.