الهوية المرتبكة تشغل الجيل الجديد من الكتاب

لا يزال الجيل الثقافي الجديد في الكويت قادرا على مفاجأة القراء بتجاربهم الناضجة التي لا يمكن العبور عليها أو تجاوزها دون الوقوف الطويل حول مدى قدرة هذا الجيل على صناعة المفارقة الكبيرة لو استمر بنفس وعيه وبذات حريته التي لم تشوهها السياسة أو التحزّبات أو الأنساق بصورة عامة. “العرب” توقفت في حوار مع الروائي الكويتي عبدالله الحسيني، وهو واحد من الروائيين الكويتيين الشباب الذين يمتلكون وعيهم الخاص ولغتهم المنفردة وأسئلتهم الجديرة بالاهتمام.
الأربعاء 2018/02/21
أي عمل روائي يفرض أدواته على كاتبه

صدرت مؤخرا عن دار نوفا بلس الكويتية رواية “لو تغمض عينيك” للروائي الكويتي الشاب عبدالله الحسيني، والتي تأتي كأول عمل سردي يقدّمه للقرّاء. ورغم أن الوقت -في رأيه- لا يزال مبكرا للحديث عن جديده بعد هذه الرواية إلا أنه في طور تشكيل ملامح لعمل قادم.

يقر الحسيني إن روايته “لو تغمض عينيك” تحمل في عمقها طابعا تاريخيا يُكتب من خلال وجهة نظر المهمّشين الذين قام التاريخ على أكتافهم ولم يُنصفهم بأن يكونوا حاضرين فيه.

تقف رواية “لو تغمض عينيك” على حالتين اجتماعيتين غائرتين في التفاصيل اليومية، تتمثل الحالة الأولى في الصراع بين مكونين اجتماعيين هما الحضر والبدو. بينما تتمثل الحالة الثانية مشكلة البدون في الكويت وبعض همومهم التي لا تتناسب مع حجم انتمائهم الوطني، لتكشف بعناية عن ملف البدون الكويتيين واضعة مجموعة من الأسئلة حول حالات متعددة من ارتباكات الهوية، ومعنى الانتماء بين ما هو قائم وما هو افتراضي في عالم محكوم بالأوراق الثبوتية فقط.

وعن هذا الشأن يقول عبدالله الحسيني “تغوص الرواية في عمق عائلة كويتية شقّها الأول بدوي والآخر حضري حسب تقسيمة المجتمع الكويتي، بينما يبرز الطرف الآخر البدون من خلال علاقته بالبطلة التي تنتمي لتلك العائلة، لتكشف لنا هذه الخيوط المعقّدة من العلاقات المتداخلة نظرتنا إلى بعضنا واعتقاد كلّ منا بأفضليته على الآخر وإقصائنا لبعضنا البعض، حتى يضيع مفهوم الوطن تماما وتتشظّى الهوية ونظلّ نتساءل بلا جواب؛ ما هي الهوية في ظلّ كل ما يحدث؟ أعتقد أن هذا السؤال هو ما دفعني إلى أن أكتب هذه الرواية وأغوص في هذه التفاصيل، وحتى بعد كتابتي لهذه الرواية أعتقد أنني تهتُ أكثر عوضا عن الحصول على إجابة”.

اختار الحسيني أن يقدّم روايته الأولى على لسان ساردة (أنثى) منحدرة من أم حضرية وأب بدوي، جاعلا إياها في منطقة ذات هوية مظلمة خصوصا بعد محبتها لشاب من البدون، راسما بذلك ملامح خط رفيع من الاحتمالات، وكأنه أراد منذ تجربته الأولى أن يضع نفسه في تحد على مستوى القدرة السردية الروائية المتعلقة بذاكرة الأنثى.

الرواية الكويتية لا تكاد في أواخر سنواتها تخلو من جديد، سواء على صعيد الموضوع أو طريقة وتقنية الكتابة
الرواية الكويتية لا تكاد في أواخر سنواتها تخلو من جديد، سواء على صعيد الموضوع أو طريقة وتقنية الكتابة 

وفي هذا الشأن يرى ضيفنا أن “أي عمل روائي يفرض أدواته على كاتبه. كان إجبارا أن تكون البطلة امرأة، لأن هذا الكمّ الهائل من المفارقات الاجتماعية سيقع على المرأة أكثر من الرجل مع أنه يقع عليهما معا، لكن أعتقد أن وقعه على المرأة سيكون أكثر، خاصّة في بيئة بدوية كتلك. وجاء السرد من خلال الأصوات الثلاثة أنا وأنت، والراوي العليم، وكلّهم من وجهة نظر البطلة. ولم يكن الأمر صعبا في الحقيقة، الكتابة من وجهة نظر امرأة”.

من الواضح أن الجيل الثقافي الكويتي الجديد مشغول بقضايا أمته المصيرية، ونلمس ذلك من خلال اشتغالات الجيل الشاب حيث يضع قضية المبدعين البدون في الكويت الذين وصلوا شأنا كبيرا، وتقدموا على المستوى الإنساني والإبداعي لمنطقة لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها من قبل الحكومات والمؤسسات. لكنهم لا يزالون يعانون من التهميش الواضح.

ويقول ضيفنا معلقا على قضية موقف جيلهم الثقافي من ملف البدون “ولأننا لا نملك سوى الكتابة، فنحن نتعامل معها من خلالها، حتى وإن كانت كتابتنا تلك لا تُجدي نفعا في تغيير قانون أو تحسين أوضاع. في السنوات الأخيرة تمّ تناول هذه القضية بشكل واسع على صعيد الأدب الكويتي، وتناولها كتّاب مثل إسماعيل فهد وناصر الظفيري وسعود السنعوسي وعبدالله البصيص وبثينة العيسى وغيرهم. هذه قضية مؤلمة لنا كلنا  ولا أزال أود الكتابة عنهم بشكل أوسع”.

هذا الموقف الواعي جعلني أذهب بالحديث مع ضيفي حول جيله الذي ينتمي إليه، وما يعرف بجيل الألفية الثالثة الذي تشغله قضية المفارقات الاجتماعية على مستوى الانتماء والهوية والوطن.

يجيب الحسيني “بالتأكيد تشغلنا تماما كما تشغل الجيل الذي قبلنا والذي سيلينا. خاصّة وأن هذه القضية تكبر من جيل لآخر بدلا من أن تتضاءل وتنتهي”.

حول المنجز الروائي الكويتي، يرى كاتبنا الشاب أن الرواية الكويتية، وخصوصا في السنوات الأخيرة، تمر بحالة انتعاش، حيث يلاحظ ذلك عبر انتشارها عربيا ووصولها إلى قوائم شتى الجوائز العربية للرواية. ويقول في هذا الشأن “حتى على صعيد الطرح، لا تكاد الرواية الكويتية في أواخر سنواتها تخلو من جديد، سواء على صعيد الموضوع أو طريقة الكتابة والأمثلة كثيرة. سعود السنعوسي، بثينة العيسى، عبدالوهاب الحمادي، عبدالله البصيص والكثير، ولا سيما تجربة السنعوسي الأخيرة ‘حمام الدار’، فهذه الرواية -باعتقادي- تشكل نقلة نوعية في المشهد الروائي الحديث”.

15