50 عاما من الحرب بالوكالة في لبنان

تبادل إطلاق الصواريخ بين إسرائيل وحماس يذكر اللبنانيين بشرارة الحرب الأهلية.
الثلاثاء 2023/04/11
من هناك بدأت الأزمة

لا يهتم اللبنانيون كثيرا بذكرى اغتيال إسرائيل لقادة من منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الحادثة التي انقسم على إثرها اللبنانيون بين مؤيدين للفلسطينيين ومعارضين لهم، وهو ما لا يزال مستمرا حتى اليوم، إذ يعد لبنان ساحة لتصفية الحسابات بين إسرائيل وخصومها في المنطقة.

بيروت - تسلل أفراد كوماندوز إسرائيليون بقيادة رجل متنكر في زي امرأة إلى شارع فردان الراقي في بيروت خلال ليلة باردة قبل 50 عاما. وأطلقوا النار على ثلاثة مسؤولين كبار من منظمة التحرير الفلسطينية وقتلوهم في شققهم.

لا تلقى الذكرى السنوية الكثير من الاهتمام، لكن عملية العاشر من أبريل 1973 مازالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم، حيث أطلقت شرارة حرب أهلية تحول فيها لبنان إلى ساحة تصفي فيها إسرائيل وخصومها حساباتهما.

ولا يزال الأمر قائما بعد خمسين عاما، وهو ما ذكّر به تبادل إطلاق الصواريخ والغارات الجوية الأسبوع الماضي عبر الحدود بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة في لبنان.

وتفاجأ اللبنانيون بجرأة الاغتيالات التي نفذها فريق إسرائيلي تسلل داخل بيروت ثم خرج منها دون مقاومة كبيرة.

وكان لبنان يُعرف في تلك الفترة التي سبقت الحرب الأهلية بعامين بأنه وجهة سياحية تجذب الزوار للاحتفالات أو زيارة المواقع الأثرية أو التزلج على الثلوج التي تغطي الجبال أو التمتع بحمام شمسي على شواطئ البلاد الرملية.

الانقسامات كانت من العوامل التي دفعت لبنان إلى الحرب الأهلية التي امتدت من 1975 إلى 1990

وحدد الاغتيال بداية حقبة جديدة تتدخل فيها القوى الإقليمية بشكل متكرر في لبنان، واستمرت إلى اليوم.

قاد إيهود باراك الغارة، وأصبح فيما بعد قائدا أعلى للجيش الإسرائيلي ثم رئيسا للوزراء في 1999. واستهدفت هذه العملية مسؤول مكتب الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية كمال عدوان، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمد يوسف النجار، والناطق باسم منظمة التحرير والكاتب والشاعر كمال ناصر.

كانت زوجة عدوان مها الجيوسي تعاني من ألم في الأسنان في ليلة التاسع من أبريل 1973، واختارت النوم في غرفة أطفالها الصغار.

وقالت لوكالة أسوشيتد برس من الأردن حيث تعيش منذ الغارة إن عدوان كان يعمل عادة في وقت متأخر، وكان يعقد اجتماعا مخططا له مع بعض مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية في تلك الليلة.

وأيقظها صوت قوي وتحطم النافذة فوق سريرها في حوالي الساعة الواحدة صباحا. واندفع عدوان إلى غرفة النوم حاملا مسدسا وطلب منها البقاء مع أبنائهما. وسمعت طلقات نارية بعد ثوان، وسقط عدوان قتيلا في الممر بين غرف النوم. ودخل رجلان مسلحان إلى غرفة النوم ونظرا إليها وأطفالها.

وقال أحدهما في راديو بالعبرية “أنجزت المهمة. لكن زوجته وأولاده هنا، فهل نقتلهم أيضا؟” جاء الرد “إذا لم يقاوموا فلا تقتلوهم”. وفهمت مها المحادثة لأنها درست اللغة العبرية في جامعة القاهرة.

الغارة المعروفة باسم عملية نبع الشباب أسفرت عن مقتل ثلاثة من مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية ورجال الشرطة والحراس اللبنانيين الذين ردوا على الهجوم

عندما غادر الإسرائيليون، دفعت أطفالها إلى الحمام ليختبؤوا، ثم تجولت في منزلها. كان المدخل الرئيسي مكسورا ومخترقا بثقوب الرصاص، وكانت بقع دماء منتشرة على الدرج. لم تكن تعرف في البداية أن الفريق قتل أيضا ناصر الذي كان يسكن في شقة فوقهم.

وجرت إلى شرفتها وصرخت باسم النجار الذي كان يعيش في المبنى المقابل، غير مدركة أنه قُتل مع زوجته.

وتذكّرت أنها لاحظت قبل أسابيع على المداهمة وجود أشخاص مجهولين يأتون إلى موقف السيارات في مبناهم، وأن رجالا في الجهة المقابلة من الشارع كانوا يلتقطون صورا له. وقالت إن عدوان كان قلقا وأخبرها أنه سيطلب تعزيز الحماية.

أسفرت الغارة المعروفة باسم عملية نبع الشباب عن مقتل ثلاثة من مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية ورجال الشرطة والحراس اللبنانيين الذين ردوا على الهجوم. ولقي اثنان من الكوماندوز الإسرائيليين في فريق منفصل مصرعهما بعد إصابتهما في معركة بالأسلحة النارية عندما هاجما هدفا آخر في بيروت.

كانت العملية جزءا من سلسلة اغتيالات إسرائيلية لشخصيات فلسطينية انتقاما لمقتل 11 مدربا ورياضيا إسرائيليا في أولمبياد ميونخ سنة 1972، بعد أن أخذهم أعضاء جماعة فلسطينية مسلحة “أيلول الأسود” كرهائن.

وقال رامي عدوان في وقت لاحق إن والده لم يكن مرتبطا بالهجوم الذي وقع في ميونخ.

وصف باراك العملية بعد سنوات على وقوعها، قائلا إنه واثنين آخرين من الكوماندوز كانوا يرتدون زيا نسويا مع الباروكات والمكياج حتى لا يجذبوا انتباه مجموعة الرجال الذين يحومون في شوارع بيروت ليلا.

الحروب والصراعات على مدى الخمسين عاما الماضية ألقت بظلالها على ذكريات غارة 1973، لكنها تبرز إلى اليوم كلحظة صادمة

هبط الإسرائيليون على ساحل بيروت في قوارب واستقبلهم عملاء الموساد المتنكرون على أنهم سائحون، ونقلوهم إلى شارع فردان.

وتسللت ثلاث فرق إلى المبنيين وكسرت أبواب الشقق، بينما وقف باراك وفريق دعم في الخارج. وقال باراك في مقابلة تلفزيونية بعد سنوات إنهم قتلوا حارسا اقترب منهم وأطلقوا النار على سيارة للشرطة اللبنانية ردت على العملية.

قال باراك إن الفرق الثلاث عادت بعد ثماني دقائق، ونُقلت إلى الشاطئ. وأخذ الفريق وثائق أدت إلى اعتقال نشطاء من منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية.

وشارك أكثر من 100 ألف شخص في تشييع جنازة القادة الثلاثة الذين دفنوا في “مقبرة الشهداء” التي كانت المأوى الأخير للعشرات من المسؤولين والمقاتلين الفلسطينيين على مر السنين.

وأثارت الغارة انقسامات بين اللبنانيين المؤيدين والمعارضين لمنظمة التحرير وغيرها من الفصائل الفلسطينية الأخرى.

 واختارت الفصائل الفلسطينية لبنان قاعدة لها في 1970، وانتقلت إليه بعد طردها من الأردن وبعد ثلاث سنوات من احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. وكانت تشن هجمات من لبنان نحو إسرائيل.

وأدت الأزمة السياسية التي تلت الاغتيالات إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك صائب سلام. واندلعت اشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلحين الفلسطينيين بعد أقل من شهر على ذلك.

وكانت الانقسامات من العوامل التي دفعت لبنان إلى الحرب الأهلية التي امتدت من 1975 إلى 1990، وغزت خلالها إسرائيل جزءا من البلاد واحتلته حتى انسحابها في 2000.

بقيت جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران خصما رئيسيا لإسرائيل في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية. وسببت حرب 2006 بين هذين الطرفين دمارا شديدا في لبنان، وخاصة في جنوبه.

الفصائل الفلسطينية اختارت لبنان قاعدة لها في 1970، حيث انتقلت إليه بعد طردها من الأردن وكانت تنفذ هجمات باتجاه إسرائيل
الفصائل الفلسطينية اختارت لبنان قاعدة لها في 1970، حيث انتقلت إليه بعد طردها من الأردن وكانت تنفذ هجمات باتجاه إسرائيل

ولا تزال الفصائل الفلسطينية موجودة في لبنان. واتهمت إسرائيل حركة حماس بإطلاق وابل من الصواريخ على أراضيها الأسبوع الماضي، فيما يبدو ردا على غارات الشرطة الإسرائيلية على المسجد الأقصى.

بعد رد إسرائيل الانتقامي بضربات جوية على لبنان يوم الجمعة، ندد بعض السياسيين اللبنانيين الذين كانوا أعداء للمقاتلين الفلسطينيين بحركة حماس.

وطالب سمير جعجع، الذي قاتلت قواته اللبنانية المسيحية المقاتلين الفلسطينيين في الحرب الأهلية، الحكومة بضمان السلام على الحدود. كما حث على عدم ترك “صنع القرار الإستراتيجي في يد التحالف الذي تقوده إيران”، في إشارة إلى حزب الله وحماس.

 وكتب القائد الأسبق للقوات اللبنانية فؤاد أبوناضر على تويتر “مع وصول إسماعيل هنية إلى لبنان، ولقائه مسؤولي حزب الله، فتحت الجبهة في الجنوب. على السلطة اللبنانية اعتقال رئيس حماس وترحيله فورا كونه خائنا للبنان وللقضية الفلسطينية، وما قام ويقوم به خدم نتنياهو ووحّد الساحة السياسية في إسرائيل”.

ألقت الحروب والصراعات على مدى الخمسين عاما الماضية بظلالها على ذكريات غارة 1973، لكنها تبرز إلى اليوم كلحظة صادمة.

كان الكاتب اللبناني زياد كاج يعيش بالقرب من شارع فردان، وكان عمره 9 سنوات عندما وقعت الغارة. وقال إنه يتذكر الصدمة عندما سمع إطلاق النار وانقطاع التيار الكهربائي واحتماء العديد من الناس في شقة عائلته بالطابق الأرضي.

وتابع “كانت ليلة مروعة لم ننم خلالها، ولا تزال تتردد في ذهني”.

6